Adonis Diaries

Archive for April 18th, 2022

غدي فرنسيس

 النجدة يا سماحة السيد! | 180Post

غدي فرنسيس14/04/2022

اقتبست عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خمسين ثانية من خطاب يشرح فيه انفتاحه على نقاش من يريد مناقشة قضية سلاح الحزب،

وذيّلت ذلك الاقتباس في التغريدة إياها ان “حركة مواطنون ومواطنات” (بقيادة شربل نحاس) تطرح الفكرة نفسها ولكن بعض جمهور الحزب يُخوّنها.

قلت أيضاً إن المشكلة ان من يدّعون انهم جمهور المقاومة يبدو انهم لا يسمعون القائد واذا سمعوا لا يفقهون واذا فهموا لا يترجمون.

منذ عقد من الزمن، جلست انا العشرينية في مكتب حزبي في مركز الحزب السوري القومي الإجتماعي في الروشة، فتحت حاسوبي وكتبت مقالة غاضبة نشرت في ملحق “شباب السفير”:

“حزبي وحزب أبي وإرث المرارة”.

كانت مقالة اعتراضية على سياسات الحزب القومي كلّفتني إقالة من مسؤولية ثم فصلاً حزبياً.. مشكوراً!

اليوم، أنا لست حزبية ولن أعود يوماً إلى “هناك”. أنا حرة وأفتخر بتجربتي وبماضي أهلي الحزبي،

لكن ثمة من يُصر على إحالة كل ما أكتب واُعبّر عنه إستناداً إلى “الهوية القومية”.

ذلك النص حرّرني، في عشرينيتي، من حزبيتي. هذا النص أتمنى أن يُحرّرني، في ثلاثينيتي، من صمت دام طويلاً، ومن اعتراض خبّأته وصرت أشعر معه أن إستمرار الصمت خيانة.

إن الذي حرّكني لأكتب عن حزبي وحزب أبي وإرث المرارة هو نفسه محركي اليوم: حرص على القيم والمبادئ لا الأفراد. حرص على السبب الأساس الذي يجعل واحدة مثلي تختار مواجهة العالم حتى الشهادة؛ لأجل قضية تؤمن بها.

هذا النص ليس عن الحزب القومي الذي لم يعد يعنيني بمعناه الحزبي الضيق بل يعنيني بناسه ومفكريه وشهدائه أبداً وما حييت.

هذا النص للحديث عن حزبي الأكبر، وحزب أبي الأكبر، المقاومة الوطنية الكبرى، وإرث المرارة الذي لا أريد أن أورّثه لأبنائي مستقبلاً. ***

سأحدثكم اليوم عن حزب من ثبتوا فينا قوة أن نبقى هنا على هذه الأرض. حملوا رايات صفر مع العلم اللبناني فعبروا بها إلى قلوب كل العرب والمسلمين.

كانوا على الجبهات هناك مجد من الله، وسمّوا أنفسهم حزب الله. معهم هم فقط قبلنا أن يصبح لله حزب من هذا الطراز. من هؤلاء الرجال وهذا القائد.

نحن جيل صنع التحرير كما انتصار 2006 ثقة عالية في نفوسنا. إرتفعت قاماتنا نحو السماء. عُدنا إلى الحياة بعدما أماتت هزائم جيل الآباء كل أمل فينا.

أنا أتكلم عن حزب يعنيني، فهو كان حزبي وحزب أبي وأمي وحزب شجرتي وترابي ودمي وناسي،

حين أعاد للإنسان وللبنان الإعتبار. كان حزبي حين اخترت أن أنزل من قريتي وأعيش في الضاحية الجنوبية وأختار الجامعة اللبنانية (الحدث) من بين كل جامعات لبنان.

كان حزبي حين سِرتُ مع السائرين على أوتوستراد السيد هادي يومياً من عام 2006 إلى عام 2008 أستمع إلى كل خطاب في كل مناسبة أو حفل سياسي وعاشورائي.

كان حزبي حين نهلت الكتب العقائدية لأفهم صلابة هؤلاء الناس الذين هم أهلي وبلادي وفخري.

كان حزبي حين نزلت بالكاميرا والقلم إلى ميادينه في كل مكان.

أما الآن، فلي الحق بقول الآتي: لا يحق لأحد أن يقولبنا كما يشتهي ويرتأي. فإما أن تكون معه أو ضده.

لا يحق لأحد أن يسلب منا ما زرعه في نفوسنا أولئك الشهداء من خيرة شباب بلادي. لي الحق أن أستمع إلى أغنية أو أختلف معك في السياسة، ولك أن تحترم خياراتي كما أحترم خياراتك.

أكتب عن حزب الله لأنني فعلاً أخاف؛ أخاف على الحزب وأخاف منه وأخاف من كرهي المتزايد لما يتبدى من ممارسات بعض الحزبيين؛ أخاف أن يصبح حزب الملّة؛ أن يصبح حزب الفئة؛ أن يصبح حزب الإستعلاء؛ مهما علت أصوات هاشتاغات المغردين، وحملات المعترضين وجماعات التخوين،

ومهما قلتُ في هذا النص أو في سواه لاحقاً.. وبرغم إقدام مجهولين معلومين على منع الزميل عماد مرمل من استضافتي في “المنار” لأتكلم عن فلسطين، سيبقى هناك جزء من الرأي العام، كلما نطقت يراني “غدي الممانعجية”!

ولعلّ عزاء كل “مثير للجدل” دوماً في عدم إجماع المختلفين سواء على حبه أم في كرهه. ربما لأنه أكثر حريّة ممن يأمنون ألسنة الناس.

أنا لست من الصنف الذي يطمح بأن يرضى أحدٌ عنه في يوم ما. وبعيداً عن “الراجمات الحزبيات ـ الحملات” التي ستنهال عليَّ بعد نشر هذه المقالة،

قررت أن أكتب اليوم لأنني أكره الشعور بالخوف. أكره أن يشعر أحد بأنه قادر على إسكاتي. أنهزم وينهزم معي عقلي ونفسي وكياني إذا لم أمارس فعل الحريّة..

فإذا كان ثمن التعبير عن انتقاد سلوك حزبي ما هو مدعاة تخوين، فلا مشكلة عندي بعد الآن، أهلاً وسهلاً بالتخوين. *** أستدرك لأقول الآتي: أكتب عن حزب الله لأنني فعلاً أخاف؛ أخاف على الحزب وأخاف منه وأخاف من كرهي المتزايد لما يتبدى من ممارسات بعض الحزبيين؛ أخاف أن يصبح حزب الملّة؛ أن يصبح حزب الفئة؛ أن يصبح حزب الإستعلاء؛ أن تودي الحزبية الفئوية الضيقة برمز عزتنا..

وكيف؟ بشحطة قلم؛ أخاف من صمتي.. ودائماً على قاعدة ترتيب الأولويات؛ أخاف أن يستدعيني “المطاوع” إن حكيت ليذكرني بـ”الأعداء”. هؤلاء سيستفيدون من كلماتك يا غدي في موسم كذا وكذا.. وحتماً كل أيامنا هي “مواسم محظورة” عند “المطاوعين الجدد”!

نعم، أخاف من صمت هنا لأجل الوحدة الوطنية، وهناك للوحدة الشيعية، وللحفاظ على الحليف، ولمراعاة الحليف الرديف أو حليف الحليف. مراعاة وصلت إلى يوم توضع فيه راية نصر الحرب الوجودية نفسها على طاولة أمراء الحروب الطائفية تحت عنوان “هؤلاء حكموك يا لبنان”..

مراعاة وصمت وصمت وخوف وأولويات غيّرت هوية حزبنا الكبير. غيّرت مساحة المحرمات، وأدلجتنا على القبول بكل ما يأتي من فوق.

وظيفتنا هي الصمت والولاء والجهوزية التعبوية. وماذا عن حرية أن نفكر بصوت عال؟ أن ننتقد؟ أن نقول لا؟ أن نعترض ونطرح الفكرة البديلة؟

إقرأ على موقع 180  جبران باسيل إن حكى.. “بشير” أم “رابط البترون”؟ أخاف..

بل إن أكثر ما أخاف منه، هو أنني بتعابيري هذه الآن، أثير شماتة عدو لعين، أو فرحة خصم شرير، يتربّص بنا منذ عقود: “قلت لكم، إنهم مثل كل حركات المقاومة، يأفل نجمهم حين يبلغون السلطة. بماذا يختلفون عن بعضهم البعض. خذوا نموذج منظمة التحرير مثلاً”؟

من واجبنا أن نُعبّر. أن نُفكر في ظل حفلة الجنون التي تستهلك بلادنا.. إلى حد ضياع الهوية. أعزي نفسي كما هي حال كثيرين غيري، بعد كل حملة خسيسة نتنة، أن هذه ليست التجربة الحزبية التي عرفناها وتأملنا بها. هؤلاء هم أفراد.. ولكن؛ النجدة يا سماحة السيد، النجدة ممن يحسبون أنفسهم عليك. من الصف الثاني إلى الصف العاشر، ويريدون أن يجتثوا

كل ما بنيته فينا منذ 16 عاما.

النجدة يا سيد، من الإعلام الذي فقد خطابه الوطني واستفحلت فيه الفئوية. لا أعرف اذ كان الكلام هنا ينفع، واذا كان عوضاً من ان نقول “النجدة يا سيد” بات علينا ان نقول: “الله يعينك يا سيد”.

نحسب أنفسنا أقوياء، لا تهزنا كلمات المعلقين. نحسب أنفسنا أحراراً، حتى تصل اللحظة الفاصلة. اللحظة التي نرغب فيها أن نُعبّر. وقبل أن يسيل حبر العقل، وقبل التعبير،

تمر في البال صورة مثل قراءة المستقبل. سأصبح اليوم عميلة، متآمرة، ستطلق عليّ تهمة “الإقامة الذهبية”، وسوف أتلقى كيلاً من الشتائم من كل العيارات والأصناف، وأحدهم سيعلّق على تسريحة شعري، واحدهم سيهين أصلي وفصلي، وآخر سيسخر من مكان عملي أو شكلي أو يدي او رجلي.

كل شيء عرضة للهجوم حين نُعبّر. كل ما في نفوسنا وعقولنا وأجسادنا وكينونتنا عرضة للهتك. لكنهم “مجرد جمهور وهمي”، فلماذا نقيم لهم حساباً؟

حملاتهم هي جزء لا يتجزّأ من ضريبة التعاطي في الشأن العام. هل نبالي؟ نحن لا نعتبر المقاومة فريقا خاصا محتكراً لشخص أو لمذهب أو لحزب. إنه فعل حياة على هذه الأرض، فعل فكر في المجتمع، فعل زرع وحصاد. لا يمكن أن يجبرونا أن نتخلى عنها.

لا يمكن أن يخطفوها منا بمجرد أن صوتهم أعلى، وأن الكراهية والتخوين أسهل تعدى الأمر الدفاع عن الحرية الشخصية. إنه اليوم خطر ينهشنا. خطر أصاب عقولنا بالتصحّر،

فما رأينا انتاجا أو ابداعا قانونيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو إجتماعيا أو اعلاميا لمواجهة هذا التنين الإفتراضي. ترانا نواجه أفراداً.. وكلّ منا يحمل صليبه ونصيبه من الجلد والهتك.

من تفاعل مع 17 تشرين يُهتَك، ومن يريد العلمانية يُهتَك، ومن ينتقد التحالف مع أمل يُهتَك، ومن ينتقد التحالف مع التيار الحر يُهتَك، ومن يتضامن مع ضحايا إنفجار العصر في مرفأ بيروت يُهتك، ومن يعترض على تسمية مرشح في الإنتخابات أو تحالفات يُهتك.

إنه موسم الهتك بكل معنى الكلمة. ممنوع عليك أن تعلّق حتى على الموازنة، أو تُحمّل الحكومة مسؤوليتها. عليك أن تستثني وزراء “المحور”، وإلا بذلك سيطلق عليك حكم مبرم من القاضي الإلكتروني العظيم، وتبدأ حملات قياس منسوب الوطنية في دمك صبحاً وظهراً ومساءً.

بصراحة؛ لقد سئمت من القول بأن ما يجري هو محض سلوك أفراد ولا يُعبر بأي حال من الأحوال عن موقف هذا الحزب أو ذاك.

تذهب إلى جبران باسيل، فيقول لك إنني لست مسؤولاً عن ناجي حايك. تذهب إلى محمد رعد، فلا تجد فيه شيئاً واحداً يشبه سامي خضرة. جيد. من يضبط هذه الفوضى في القواعد والخطاب والمنابر؟

من الذي يعبئ العقول ويراكم عند الجمهور؟

منذ أكثر من 3 أشهر، كتب صحافي عبارة “أقليات مضمحلة”. فرددت على الفكرة لا على الشخص، ونشرت صورة بالصليب فيها بعض من التهكّم الموجّه، قلت “كلما قالوا أقلية.. أُكبّر صليبي”، وذلك طبعاً للدلالة على الحقيقة المثبتة علمياً وتاريخياً وبيولوجياً وسياسياً ان تعزيز شعور الأقلية يرفع منسوب التعصّب والتقوقع والتمسّك بالإختلاف لأنه بذلك يكون دفاعاً عن وجود وجماعات لا عن مجتمعات.

ماذا كان الرد؟ رد الصحافي بحملة شخصية مهينة له قبل أن تكون مهينة لي، فيها بعض من الإتهام بأنني قواتية، وأيضاً بأنني حائزة على إقامة ذهبية في الإمارات.

قلت كلمة في شأن عام، فكالوا لي مضبطة إتهام بالخاص. قلت “معليش”. من المعارضة البحرينية إلى الكلام المفتوح عن السعودية، إلى مناصرة اليمن.

من منهم قدّم ما قدمت، فليمنَّ عليّ بتهمة أو كلمة سواء. خطر الصمت هذا، يجرنا إلى التقيّة السياسيّة. إلى التخويف من الرجم والجلد والهتك.

وفائض القوة المعنوية يشوّه طهر السلاح. وتغطية البازارات السياسية والقبول بها، يغير وظيفة المقاومة.

نحن لا نعتبر المقاومة فريقا خاصا محتكراً لشخص أو لمذهب أو لحزب. إنه فعل حياة على هذه الأرض، فعل فكر في المجتمع، فعل زرع وحصاد. لا يمكن أن يجبرونا أن نتخلى عنها. لا يمكن أن يخطفوها منا بمجرد أن صوتهم أعلى، وأن الكراهية والتخوين أسهل. لولا الحرية لما كانت الشعوب حية؛

لولا الحرية لما اعتنقنا فلسطين والمقاومة والقضايا والسياسة أصلاً، بل كنا بقينا في عباءات قبلية فئوية رجعية. سامحنا يا سيد على صراحتنا معك..

Note: I am still waiting from a potential leader to offer a detailed draft program of how to transfer Hezbollah weapons to the Lebanese Army.

My idea is that the army create a new “battalion” specifically run and trained by Hezbollah for using all kinds of missiles. And let a National government who consider Israel an existential enemy to take the decision of responding to any Israel military attack

شهدت الأسابيع الماضية موجة من الشخصيات العامة التي دأبت على تشبيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بديكتاتور ألمانيا النازية أدولف هتلر.

حتى إنه في بعض الحالات، أُشير إلى هتلر بشكل إيجابي مقارنةً مع بوتين، على شاكلة أنه لم يقتل «شعبه» أبداً و«لم يستخدم الأسلحة الكيماوية».

ورغم أن هذه المقارنات هجومية وغير تاريخية، إلا أنه يجب وضعها ضمن السياق التاريخي الأوسع للولايات المتحدة وحلفائها، الذين عملوا مراراً وتكراراً على تصوير قادة الدول المصنّفة بشكل رسمي بالمعادية لهم على أنهم إعادة تجسيد لهتلر،

وذلك من أجل استعطاف الرأي العام بالشكل الذي يتطلّبه تبرير سياساتهم العدوانية وإضفاء بعد أخلاقي عليها.

تكشف لنا نظرة سريعة للسجل التاريخي للعقود الأخيرة تكرّر هذه المقارنة بشكل مستمر، حتى إنها في بعض الحالات تكاد ترتقي لتكون شكلاً من أشكال إنكار الهولوكوست وإعادة تأهيل خبيثة للنازية.

فلطالما تكرّر هذا النوع من المقارنات بهتلر لخدمة الأجندة السياسية الإمبريالية التوسعية، وذلك عبر تضخيم (وفي كثير من الحالات تلفيق) جرائم أعداء الولايات المتحدة، فيما يتم التقليل من شأن جرائم النازيين وتحجيمها،

وفي بعض الأحيان نفيها تماماً. وصل هذا النهج، خلال الأسابيع الماضية، إلى ذروته، حيث عمد معلّقو الإعلام السائد ومذيعوه، وكذلك السياسيون، بشكل علني ومباشر، الى تبرئة المجموعات العسكرية النازية الجديدة في أوكرانيا، وفي الوقت ذاته وسم بوتين بهتلر الجديد أو ما هو أسوأ من ذلك.


إن لهذه المقارنة جذوراً مديدة بشكل يثير الدهشة، تعود على أقل تقدير إلى العقد الأول من بعد الحرب العالمية الثانية. فعندما عمد الرئيس المصري جمال عبد الناصر الى شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا الشيوعية عام 1955، وهو ما أثار

استياء الولايات المتحدة، بدأت صحيفة «نيويورك تايمز» ــــــــ وهي الناطق الدائم باسم مؤسسة الحكم الأميركية ـــــــ بوسم ناصر بـ«هتلر على ضفاف النيل». ومن ثم لتنتشر هذه التسمية بعد قيام عبد الناصر المناهض للإمبريالية بتأميم قناة السويس عام 1956، حيث شبّهته مجموعة من السياسيين البريطانيين والفرنسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، وبشكل متكرّر، بهتلر،

وذلك من أجل تبرير هجومهم وغزوهم الاستباقي الكارثي، مع الإسرائيليين، لمصر، والذي حدث في وقت لاحق من ذلك العام نفسه.

فبدون تقديم أيّ دليل، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، إلى حد التصريح بأن مركبات ضباط الجيش المصري كانت مزينة بالصليب المعقوف، وهو ادعاء جرى نشره وتداوله دونما تشكيك أو تدقيق من قبل الصحافة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد شبّهت الولايات المتحدة، خلال الثمانينيات، الرئيسَ الكوبي فيديل كاسترو بهتلر، وذلك ضمن حملتها المستمرة لعقود لتشويه سمعة الزعيم الثوري.
ولكن يبدو أن الاستخدام المستمر لنعت «هتلر الجديد» لم يتمظهر بشكل كامل حتى فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث تمتعت الولايات المتحدة ــــــ القوة المهيمنة على العالم بدون منافس ــــــ بحرية السيطرة على أي حكومة تعارض هيمنتها. ولكنها ورغم ذلك ما زالت بحاجة إلى توليد غضب شعبي من أجل تأمين ما يكفي من الدعم الداخلي لـ«تدخلاتها» المتواصلة.

فعلى سبيل المثال، قارن الرئيس جورج بوش الأب الرئيس العراقي صدام حسين ـــــــ الذي كان حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة في السابق ـــــــ بالديكتاتور الألماني واتّهمه بمستوى من «الوحشية التي لا أعتقد أن أدولف هتلر شارك فيها»، وذلك عندما تحدث في تجمع عام في الولايات المتحدة قبل شهرين فقط من إطلاق عملية «عاصفة الصحراء» وبدء حرب الخليج الأولى في كانون الثاني 1991،

وهو تشبيه مضلّل، بل في الواقع إنكار للمحرقة في حد ذاتها. استمر بوش في إجراء المقارنة ذاتها لتبرير الحرب بمجرد اندلاعها وارتكاب الولايات المتحدة بالفعل جرائم حرب متعددة في غضون بضعة أشهر فقط.

ومن المفارقات الفاضحة لاستخدام بوش لهذا الخطاب للتحريض على الحرب أن والده بريسكوت بوش كان نفسه متورطاً بشكل مباشر في تمويل صعود الحزب النازي إلى السلطة، مستفيداً من منصبه في مجلس إدارة الشركات المشاركة مباشرة في الهندسة المالية للنازية حتى عام 1942.

وبالطبع لم يكن جورج بوش الوحيد الذي يجري هذه المقارنة، حيث وجدت دراسة أجرتها مؤسسة «غالانت» أنه بين 1 آب 1990 و28 شباط 1991، قارنت وسائل الإعلام المطبوعة الأميركية وحدها صدام حسين بهتلر في 1035 مناسبة.


عاد هذا التشبيه مرة أخرى للظهور عام 1999، وذلك من أجل تبرير هجوم «الناتو» على يوغوسلافيا وتصويره على أنه مدفوع بالمخاوف الإنسانية.

وعليه، جرت مقارنة الرئيس اليوغوسلافي، سلوبودان ميلوسيفيتش، مراراً وتكراراً بهتلر من قبل المسؤولين الأميركيين. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنه عند توجيه خطاب مباشر إلى الأمّة الأميركية من المكتب البيضاوي في 24 آذار 1999، وهو اليوم الذي بدأ فيه هجوم حلف شمال الأطلسي العسكري على يوغوسلافيا، أجرى بيل كلينتون مقارنات مباشرة بين ميلوسيفيتش والحاكم النازي، متسائلاً: ماذا لو استمع أحدهم إلى ونستون تشرشل ووقف في وجه أدولف هتلر في وقت سابق؟

فقط تخيّل لو كان القادة في ذلك الوقت قد تصرفوا بحكمة وفي وقت مبكر بما فيه الكفاية، كم عدد الأرواح التي كان يمكن إنقاذها، وكم عدد الأميركيين الذين لم يكونوا ليموتوا؟

في الشهر التالي، ردد النائب عن حزب العمّال كين ليفينغستون كلمات كلينتون ذاتها بحجة أنه لم يكن من الخطأ مقارنة الزعيمين كما فعل الرئيس والعديد من غيره من الشخصيات.
وحين توفي ميلوسيفيتش في عام 2006، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالاً عنه كتبه الرجل نفسه الذي قاد حملة القصف القاتلة التي شنها حلف شمال الأطلسي على يوغوسلافيا، أي قائد «الناتو» الأعلى السابق ويسلي كلارك، وكان عنوانه وببساطة «هتلر الصغير».

والجدير بالذكر هنا أن ويسلي كلارك نفسه هو من قاد ما وصفه المدعي العام السابق لمحاكمات نورمبرغ والتر روكلر بأنها «أكثر الاعتداءات الدولية وقاحةً منذ أن هاجم النازيون بولندا، حيث تخلت الولايات المتحدة عن مزاعم الشرعية والأخلاقيات الدولية، وشرعت في مسار الإمبريالية المسعورة».

تكشف لنا حقيقة أن يكتب هو دون غيره مقالاً وتعليقاً أخيراً بعد موت ميلوسيفيتش الكثير عن العطب الأخلاقي في قلب وسائل الإعلام الأميركية وحجم الجدية التي ينبغي أن تؤخذ بها أي من إداناتها بنعت «هتلر الجديد».


وفي شاهد آخر، فعند الدفاع عن نيته العدائية تجاه العراق في آذار 2003، وقبل وقت قصير من شن الغزو الأميركي البريطاني للعراق، استند رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أيضاً إلى شبح هتلر، محاججاً ضد أي «تهدئة»، ومدعياً أنه على الرغم من أن غالبية من الناس الطيبين وذوي النوايا الحسنة قالوا إنه لا حاجة إلى مواجهة هتلر وإن أولئك الذين فعلوا كانوا من دعاة الحرب فإن تلك الأغلبية كانت مخطئة.

بالإضافة إلى ذلك، وكما فعل والده قبله بـ 12 عاماً، قارن جورج بوش الابن صدام حسين بهتلر أكثر من مرة وحاجج مثل نظيره بلير بأن «سياسة التهدئة يمكن أن تجلب (الدمار) من النوع الذي لم يشاهد على وجه الأرض».

لنتوقف هنا ونتساءل، أليست قراءة هذه الحجج بعد فوات الأوان مثيرة للاشمئزاز؟

ونحن نعرف اليوم حجم الدمار الهائل الذي ألحقه الغزو وآثاره بالشعب العراقي والمنطقة بشكل أوسع منذ ذلك الحين.
جرى نفض الغبار عن هذا الخطاب مرة أخرى في عام 2011،

وهذه المرة لتبرير هجوم «الناتو» المدمر على ليبيا برواية التدخل الإنساني ذاتها.

حيث وصفت الـ«ABC» معمر القذافي بـ«هتلر الجديد» في الوقت الذي نُشرت فيه ادعاءات مروّعة من دون أيّ أدلة عن جرائم كالاغتصاب الجماعي والفظائع الأخرى التي ارتكبتها القوات الليبية ـــــ التي ثبت في ما بعد أن لا أساس لها من الصحة ــــــ ذلك من دون أدنى تمحيص في وسائل الإعلام الغربية.

بعد ذلك بعامين، ونظراً إلى أن حرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد الدولة السورية كانت جارية على قدم وساق،

فقد حان دور الرئيس السوري بشار الأسد، الذي جرت مقارنته مباشرة بهتلر ــــــ وكذلك بصدام حسين ـــــــ من قبل وزير الخارجية آنذاك جون كيري.

وكذلك وصفه لاحقاً بأنه «هتلر الجديد» في الصحافة الشعبية الأميركية.


بنيت هذه الحجة في وقت لاحق على نحو مضلّل عندما غرد ديفيد سايمون، المعروف على نطاق واسع كمؤسس صحيفة «The Wire»: «رغم امتلاكه لغاز السارين، فإنّ هتلر لم يستخدمه على الجنود حتى مع سقوط مبنى الرايخ، بل استخدم الغاز ضده في الحرب العالمية الأولى، بينما استخدم الأسد الغاز مرتين مستهدفاً المدنيين».

إن محض إشارة سايمون بأن هتلر اتّخذ موقفاً أخلاقياً جديراً بالثناء بعد استخدام السارين على المدنيين هو أمر بحد ذاته مثير للاشمئزاز، لكن الأكثر فظاعة هو الإدراك المتأخر بأنّ الأدلة تشير إلى أن الهجمات التي يزعم أن الأسد نفذها (أي القوات الحكومية) كانت قد استخدمت في الواقع من قبل المتمردين المدعومين من الغرب.
وكذلك ومنذ مدة، استخدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نعت «أسوأ من هتلر»، حيث ادعى في عام 2018، أثناء محادثة مع جيفري غولدبرغ، الحارس السابق لأحد سجون جيش الدفاع الإسرائيلي، ورئيس تحرير «The Atlantic»: «أعتقد أن المرشد الأعلى الإيراني يجعل هتلر يبدو جيداً،

لم يفعل هتلر ما يحاول المرشد الأعلى فعله، حاول هتلر غزو أوروبا… بينما يحاول المرشد الأعلى غزو العالم».

مثال آخر مماثل وسخيف على هذه الظاهرة هو عندما أشارت صحيفة «ديلي ميل» إلى زعيم كوريا الديموقراطية كيم جونغ أون على أنه «يبرز هتلر الذي بداخله» لمجرد ارتدائه سترة جلدية.
كانت المقارنات الأخيرة بين بوتين وهتلر على وجه الخصوص واسعة الانتشار،

وذلك ليس فقط بسبب الغضب الناتج من الصراع المستمر في أوكرانيا، بل لأن من يقدّمون هذه المقارنة يعتمدون بشكل غير مباشر على مشروع سياسي مديد كرافعة ودعامة لهذه المقارنة وهو مشروع الخلط بين هتلر والنازية بستالين والاتحاد السوفياتي.


وإن ما يمكن الاستدلال به على مدى تضليل هذا النعت ولعبه على العواطف، ليس مجرد الاختلاف في الشخصيات والظروف والتوجهات السياسية لمن تم وسمهم به، بل كيف أن هذه المقارنة استخدمت على الجميع باستثناء حكام الدول التي بالفعل ألهمت هتلر والنازية، أي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

فما يوحّد هذه المجموعة المتباينة من الدول وقادتها هو أنهم إمّا قاوموا بشكل مباشر أو وقفوا بطريقة أو بأخرى في طريق الهيمنة الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة وسيطرة رأس المال الغربي أينما رغب في ذلك.

فبوتين الذي لم يخفِ في السابق معارضته لتقويض الولايات المتحدة المتكرر للقانون الدولي والضوابط والتوازنات يمثّل شاهداً على ذلك.

تعمل عملية إضفاء الطابع الشخصي على الصراعات وشخصنتها عبر التركيز على القادة، على إزالة سياق الأحداث من محيطها الأوسع


إنه ومن خلال التركيز على الأفعال والسياسات غير العقلانية ــــــ ظاهرياً ــــــ وتصوير قادة الدول كالمتعطشين للدماء للتأكيد على مدى تشابههم المفترض مع هتلر، تستطيع الولايات المتحدة وبشكل فعال إخفاء السياق السياسي الأوسع لكل أزمة،

وكذلك تبييض دورها المباشر في التسبب فيها في المقام الأول. حيث تعمل عملية إضفاء الطابع الشخصي على الصراعات وشخصنتها عبر التركيز على القادة، على إزالة سياق الأحداث من محيطها الأوسع، ومحو العوامل الجيوستراتيجية والاقتصادية والسياسية ذات الصلة لمصلحة التركيز بضيق النظر على سمات الشخصية المزعومة للقائد المعني.

وبالتالي تصبح الاعتداءات على دول بأكملها مفهومة بشكل شائع على أنها حملات أخلاقية وحميدة ضد «رجل سيئ» يجب إيقافه.

وأمّا الذين يحاولون مجرد تحليل الأزمة من خلال وضعها في سياقها السياسي وفهم دور الغرب فيها فهم محكومون بأنهم «مدافعون» عن الزعيم المعني.
قد مكن هذا التصور الخيالي الغرب ــــــ على الرغم من الأدلة الكثيرة التي تثبت عدم حقيقة هذا التصوير ـــــــ سواء كان في خطابه المباشر أو باستخدام أجهزته الدعائية الضخمة في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وخارجها، من تصوير نفسه على أنه يقاتل وباستمرار «هتلر جديد» بشكل أو بآخر.

وعليه، بأن يستخدم قوته العسكرية (وغيرها من وسائل العدوان بما في ذلك العقوبات) في السعي لتحقيق العدالة والالتزام بنوع من المعايير العالمية التي تهدف إلى تحسين الظروف أو تخفيف معاناة الشعوب المتضررة. وعبر القيام بذلك، يخفي الغرب دوافعه الحقيقية، أي السعي الدؤوب إلى تحقيق مصالحه وأهدافه السياسية.

وبناءً على ذلك، يتعيّن على أولئك الذين يعرفون حقيقة تلك الدوافع عدم الخضوع للترهيب والصمت تحت الاتهامات القديمة نفسها بأنهم مدافعون عن الطغاة أو أيّ إهانات مخادعة أخرى من قبل أولئك الذين تتمثّل مهمتهم على الدوام وبأيّ ثمن كان بتعزيز الصورة المتداعية لأخلاقية الغرب.


adonis49

adonis49

adonis49

Blog Stats

  • 1,518,892 hits

Enter your email address to subscribe to this blog and receive notifications of new posts by email.adonisbouh@gmail.com

Join 764 other subscribers
%d bloggers like this: