Adonis Diaries

Archive for December 28th, 2022

And I am still wondering “Where are we heading to?”


By Makram Ghoussoub 

جدّي اللي بيكبرني بأكتر من ميّة سنه، عمّر بيتنا على راس تلّه بالفريكه. بيت حجره مقصّب، عالي سبع متار، بوابه عاليه ومفتوحه، قرميده أحمر حدّ الغيم، بطلّ على جبل صنين والبحر وبيناتهم وادي الفريكه…

وطريق البيت الخاصّه نزله! نزله شقّتها دابة جدّي، بس هالدرب ما تسمّت بإسم جدّي ولا بإسم الدابه متل ما كان يصير بوقتها.

يمكن لأنها كانت آخر الدواب اللي شقّت طريق…هالدابه اللي مش باقيلها إسم، كانت رفيقة جدّي وسنده، على ضهرها ينزل على كعب الوادي يحمّلها حطب ويحمل على ضهره الشمس حردبّه. هالدابه اللي مش باقيلها إسم، كانت تحمل جدّي لينزل على انطلياس ويسوق هو وراكب عليها قطيع البقرعلى فلسطين،

يشمّ ريحة الزهر ببساتين الليمون المليانه عصافير عم تغنّي وعم يلاقيها من تاني ميل صوت الموج وريحة البحر،

وما كان متلنا يعلق بعجقة سير ويشم ريحة زباله وتطوشه أصوات الزمامير،

وعم بتخايله معي اليوم بسياره مكيّفه على طريق بيروت، اللي كان توصلها الدابه أسرع منّا، عم يقلّي ” يا محلا شهنقة الحمير“…

هالدابه اللي مش باقيلها إسم، اللي كان خيي وصاحبه، ليتسلّو يركبو عليها ويحطولها بقفاها شوكة بلّان وتصير تركض، كان يحمّلها جدّي خياش التبن مونه للبقرات والاحصنه بالزريبه حدّ البيت، وهو ونازل فيها نزلة البيت، يصير يهرهر التبن عالطريق ويرسم مجرّه.

وأنا اللي كنت بعدني طفل، بعد كلّ نقلة تبن، أطلع من باب البيت العالي وأوقف بالنزله، اتفرّج على صفوف النمل جايي تزّق التبن، وبلحظة ضعف، تعيطلي حبّة عنّاب موشّحه متل شي فكره نيّه، إدعس بلا قصدي على المجرّه وارتكب مجزره بحقّ الحركه الكونيه، انا الإله الطفل...

وحسّ بالذنب تجاه هالنملات اللي متل ما علموني إنهن عاملين نظام اجتماعي تكافلي تضامني وبيجمعو مونه بالصيف للشتي لصرت حس النظرات يعيوني، متل النمل صفوف صوب الشمس رايحه تزقّ الدفا بلكي اجا الشتي قاسي…

ولمّا كبرت شوي ومات جدّي، صرت خاف من خياله المحردب اللي لابسه الموت، يلحقني انا وراجع من اللعب آخر النهار وأول العتمه ،

أركض بالنزله، أجريي عم يدقو بضهري، مش خايف أوقع بس خايف حدا يشوفني خايف، واسأل حالي لما أوصل عالبيت : “لوين منروح”..

.ولوين بروحو النملات اللي قتلتهن بالغلط واللي عرفت إنّه مش متل ما علّموني، صحيح بيجمعو أكل بس مش للشتي القاسي، بياكلوها بنفس النهار! وإنه “الزيز التنبل” اللي بغنّي كلّ الصيف ما كان عم يغنّي، كان عم يتوجّع ووجعه وجودي..

.وهيك صارت كلّ المفاهيم الموروثه عندي موضع تساؤل ونقد وبحث عن الحقيقه اللي بطّلت خافها متل ما بطّلت خاف من خيال جدّي المرحدب اللي لابسه الموت قد ما تشتدّ العتمه،

وصرت كلّ يوم، احمل عصّاه واطلع النزله، اللي سمّيتها “درب التبّانه”، مع إنه بطلّ يهرهر عليها التبن واختفت المجرّه من لمّا ماتت هيديك الدابه اللي مش باقيلها اسم…

بس بعدها صفوف النمل عم تزق عيشها، وأوقات عم تزق موتها إذا ارتكبت فيها شي إجر إله مجزره، وبعده الزيز عم يتوّجع، وانا صرت اتوجّع متله وجع وجودي وغنّي وبدل ما اسأل “لوين منروح؟” صرت اسأل “ليش جينا؟”…


adonis49

adonis49

adonis49

December 2022
M T W T F S S
 1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031  

Blog Stats

  • 1,518,958 hits

Enter your email address to subscribe to this blog and receive notifications of new posts by email.adonisbouh@gmail.com

Join 764 other subscribers
%d bloggers like this: