Archive for the ‘Antoun Saadi’ Category
افتراءات سامي كليب على حزب الله
صفية سعادة الأربعاء 20 كانون الثاني 2021
(Safiya Saadi). January 20, 2021
في مقالته المنشورة على موقع «خمس نجوم» بعنوان «لبنان: تدمير ممنهج ووهم انتظار بايدن»، عمد الصحافي اللبناني سامي كليب إلى ربط أحداث عالمية بالتطورات على الساحة الداخليّة، بطريقة انتقائية واعتباطية، محملاً حزب الله مسؤولية ما حصل ويحصل في لبنان.
يقول الكاتب:
«قاتل حزب الله عشر سنوات على أرضٍ غير أرضه في سوريا، ورفع مستوى تدريبه القتالي، وحصل على أسلحة استراتيجية، صار المُهدّد الفعلي لإسرائيل، وصار أيضاً رأس حربة إيران في المنطقة، يعادي من تعاديه ويصادق من تصادقه، فتوسّعت رقعة شقاقه مع دول عربية عديدة.
من سيقبل بهذا الواقع؟»
يُظهر هذا المقطع سرداً لتسلسل الأحداث يجافي «الواقع» على عدد من الأصعدة:
أولاً، قلْب الأسباب إلى نتائج. فحزب الله ليس «المهدّد الفعلي لإسرائيل»، بل العكس تماماً، إسرائيل هي
المهدّد ليس فقط لحزب الله، بل لجميع دول «سوراقيا»، وذلك منذ قرار وعد بلفور بإنشائها عام 1917. لم تخفِ الحركة الصهيونية، آنذاك، مشاريعها بالاستيلاء على منطقة الهلال الخصيب بأجمعها، في ما أسمته «إسرائيل الكبرى»، وهذا واضح في رسائل حاييم وايزمان إلى رؤساء الدول الغربية لمن قرأ الثلاثة وعشرين مجلّداً التي تحتوي على آرائه وأعماله.
لا تمانع إسرائيل بإقامة علاقات طبيعية مع دول الخليج أو شمال أفريقيا، لأنّ لا مطامع لإسرائيل في هذه الدول، لكنّ الوضع مغاير تماماً في ما يختصّ بنا. هي تريد الأرض، والماء والبحر، ولا تخفي ذلك، وما الصراع الأخير حول النفط إلّا عيّنة من مسار طويل من الحروب، والقتل وهدر طاقات لبنان ودول «سوراقيا».
لذلك، حزب الله هو النتيجة وليس السبب. هو المدافع عن هذه الأرض وليس المهاجم.
ثانياً، إدراج مقولة إنّ «حزب الله قاتل على أرض غير أرضه» هي مقولة فيها الكثير من المجافاة لواقع تقسيمات «سايكس – بيكو» الملائمة لإسرائيل وللغرب، لأنّ عنوانها الكبير هو «فرّق تسُد»، والكاتب في موقفه هذا يوافق على التقسيمات التي فرضها الغرب بالقوة العسكرية على المنطقة مع نهاية الحرب العالمية الأولى،
ويعتبر أن لا علاقة بين سوريا ولبنان بأكثر ممّا هي علاقتهما بإسرائيل!
إنّ كلّاً من لبنان وسوريا مهدّدان يومياً من قبل إسرائيل، لأنّ هذه الأخيرة تريد أرضهما، فهي استولت على الجولان ولا تريد إعادته، وقبعت في جنوب لبنان عشرين عاماً ولم تخرج إلّا نتيجة المقاومة المسلّحة التي آزرتها سوريا، لأنّ أيّ دخول لإسرائيل إلى لبنان يعني بالضرورة تهديداً لسوريا، فإذا سقط لبنان، سقطت سوريا، والعكس صحيح أيضاً.
لقد اخترع سايكس – بيكو لبنان كمنطقة مسيحية عازلة لحماية إسرائيل
ثالثاً، يعي الغرب تماماً ترابط دول الهلال الخصيب تاريخياً، واقتصادياً واجتماعياً. لذلك، يعمد إلى فصل بعضها عن البعض الآخر، وإذكاء نار الحقد والخصومة بينها، كالقول إنّ لبنان يدفع ثمن التدخّل السوري، بينما الحقيقة هي أنّ هاتين الدولتين تقومان بالدفاع عن نفسيهما أمام الهجمة الإسرائيلية الآن، وأكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد تخصيص إمكاناتها لمواجهة الصين.
تدرك الولايات المتحدة الأميركية أنّ هذه المنطقة تمثّل وحدة جغرافية استراتيجية شاءت أم أبت، والبرهان على
ذلك أنّها حين احتلّت العراق عام 2003، كانت تعرف تماماً أنّ ذلك يعني سقوط سوريا ولبنان. لذلك، سارع كولين باول، وزير خارجيّتها آنذاك، إلى زيارة الرئيس السوري وتهديده بتدمير سوريا إذا لم تهادن إسرائيل. فالتوازن بين القوى الذي استطاع الرئيس حافظ الأسد المحافظة عليه، لم يعد ممكناً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واتُّخذ القرار في الولايات المتحدة الأميركية باجتياح دول سوراقيا، منذ عام 1996 (راجع The Clean The Clean Break). لم تكن أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر إلّا الحجّة المناسبة للقيام بذلك، بالرغم من أن لا علاقة للعراق بهذه الأحداث،
لكن الإعلام الأميركي قوي لدرجة أنّه استطاع أن يحوّر الوقائع، وينشر الأكاذيب فيصدّقها القارئ؛ فادّعى كولن باول في اجتماع للأمم المتحدة بأنّ العراق يحتوي على أسلحة دمار شامل، وأرفق طوني بلير هذه الكذبة بأنّ الصواريخ المدمّرة ستطاول بريطانيا خلال أقل من ساعة.
رابعاً، احتلال القوات الأميركية للعراق يمثّل تهديداً وجودياً لإيران. ووجود محور المقاومة ليس بأكثر من تعاضد دول المنطقة وحراكها الشعبي ضد الاحتلال الصهيوني والأميركي معاً، فحتّى حرب صدّام حسين ضد إيران كانت لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، وحين انتهى دور الرئيس العراقي بادرت أميركا ليس فقط إلى تصفيته بل إلى تدمير العراق. لذلك، القول بأنّ حزب الله صار «رأس حربة إيران» هو قول يجافي الحقيقة، فهذا محور متكامل يدافع عن أرضه ووجوده، وكما يقول المثل: «في الاتحاد قوة».
خامساً وأخيراً، إنّ تدمير لبنان ليس بسبب وجود حزب الله كما يقول سامي كليب، وليس بسبب إيران، بل لأنّ علّة وجوده قد انتفت! ولقد كتبت حول هذا الموضوع في مقالة ستنشرها جريدة «الأخبار» عنوانها: «دولة لبنان الكبير: بدايته ونهايته».
لقد اخترع سايكس وبيكو لبنان كمنطقة مسيحية عازلة بين «دولة يهودية» ودول عربية «إسلامية»، وذلك حماية لإسرائيل. لكن، ومع فتح العلاقات الطبيعية والعلنية بين بعض دول الخليج «الإسلامية» وإسرائيل، انتفى دور لبنان المنطقة العازلة، لا بل أصبح عائقاً بفضل مقاومته. هدف تدمير لبنان إلحاقه بإسرائيل، فهل هذا ما يريده الكاتب؟
* أستاذة جامعية
Lebanese-based Armenian Party Tashnag: Resuscitating the ideology of Antoun Saadi, Syria National Social Party founder
Posted by: adonis49 on: March 20, 2021
Recalling the messages of the leader Antoun Saadi, 70 years ago
أنطون سعاده بعين مصلحة طلاب زواريان لحزب الطاشناق
كريس تشوبوريان* (Chris Tshabourian) March 14, 2021
في زمن قلّ فيه الوطنيون وكثر فيه العملاء، يفتقد وطننا لبنان اليوم لرجل بقيمة أنطون سعاده. “نحن أمّة قوية عظيمة: قوية بمواهبها، غنية بمواردها، نشيطة بروحها”،
وماذا كان ليقول أنطون سعاده اليوم حيث مواهب بلادنا القوية هاجرت، ومواردنا نُهبت، وروحنا النشيطة استُنزفت؟ “لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى
” وماذا كان ليقول أنطون سعاده اليوم في زمنٍ ارتهن فيه معظم زعماء بلادنا للخارج، فباعوا الوطن والكرامة وشرف المقاومة مقابل المال والسلطة وشرف الجلوس مع أمراء؟ “إننا نريد الإقطاعيين والرسماليين أن يسلموا للشعب بحق الأمة، ويعترفوا بحق العمال والفلاحين، بحق هذا المجموع العظيم في الحياة والعزّ”.
ماذا كان ليقول أنطون سعاده بعد أن استولى الإقطاعيون على الوطن منذ ما قبل الحرب الأهلية وحتّى يومنا هذا وحوّلوه إلى ممتلكات عائلية، وبعد أن اشترى الرأسماليون الوطن وقراره منذ التسعينيات وحوّلوه إلى شركة خاصة؟
نحن في زمنٍ، غاب عن وطننا أنطون سعاده ليقول لعديمي الوطنية “نريد حقوقنا كاملة” لا سيما في ملف ترسيم الحدود البحرية حيث تبيّن أنّ المفاوضين في السابق كانوا قد وافقوا على التخلّي عن جزء من حقوقنا، وغيرها من الملفات.
نحن في زمنٍ، غاب عن وطننا أنطون سعاده ليذكّر اللبنانيين أن “مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب”
في ظلّ كثرة عملاء الداخل الذين يحرقون البلاد ويخدمون العدو خدمةً لمصالحهم السياسية والمالية الضيّقة.
لمَن لا يعرف الراحل أنطون سعاده، يكفي أن يقرأ أقواله ورؤيته للوطن وللعروبة، ليعلم ماذا خسر لبنان حينها برحيله وربّما سبب التخلّص منه، فلو بقي سعاده لما استطاع الإقطاعيون والرأسماليون تنفيذ مشروعهم بالاستيلاء على الوطن،
وكأنّ الشعب أيضاً تخدّر بعد رحيله وسهّل مهمّة أمراء الحرب وحيتان المال. في زمن انهيار الاقتصاد اللبناني وتردّي الأوضاع المعيشية، تذكّروا أقوال أنطون سعاده ربّما يعود الأمل لنشقّ طريق الخلاص لوطننا.
تذكّروا حين قال “إنّ أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة”. فهل تقبلون أن تكونوا شعباً ميّتاً يستسلم أمام أوّل حاجزٍ؟
فكم من صعوبات مرّ بها أنطون سعاده من الاعتقال وصولاً إلى الإعدام، بقي صامداً ولم يقبل الاستسلام فرحل مرفوع الرأس واسمه محفور في أذهان اللبنانيين كإسمٍ محفورٍ على صخرةٍ لا يمكن حتّى للزمن أن يمحوه.
تذكّروا حين قال “إنّ أشدّ حروبنا هي الحرب الداخلية. وهي آلمها وأمرّها، لأنّها بيننا وبين فئات من أمّتنا نعمل على رفعها وتعمل على خفضنا، نريد لها العزّ وتريد لنا الذلّ، نتوجّه إليها بالاحترام وتتوجّه إلينا بالاحتقار، نأتيها بالجدّ وتأتينا بالاستهزاء”
. ألم يحن الوقت أن نكفّ عن العمل على خفض واحتقار بعضنا البعض لمنع نشوب حرب أهلية جديدة التي ستولد أمراء وحيتان مال وجدد وستدمّر ما تبقى من الوطن؟ أليس من الأفضل أن نتحد لنهضة وطننا؟
أقوال ورؤية أنطون سعاده ستبقى راسخة في أذهاننا، متمنّين أن يأتي يوم تتحقق فيه رؤيته وأهدافه.
*منسق في لجنة العلاقات السياسية
في مصلحة طلاب زاواريان لحزب الطاشناق
A comprehensive understanding of the Syria National Social Party through the combination of 2 expansive articles
Posted by: adonis49 on: January 9, 2021
How the Syria National Social party, created in 1936, managed to cross a century of antagonism and persecutions, and emerge strong from the ashes?
In 2017, 2 articles were published relatif to the Syria National Social party. The first was from the academic Asaad Abu Khalil and the “rebuttal” of the party to this article.
After reading the 2 articles, I feel it was Not much of a rebuttal but a complimentary article to Asaad Abu Khalil. which shed a bright light on the steadfastness of the members to its ideology and practices, especially separation of Religion to State affairs and laws.
I decided to combine the two articles in one and edit out the redundant sections from both articles and what I considered superfluous that laden the flow of the ideas.
The fundamentals of the principles and doctrine of this party have proven to be the basis for any rejuvenation of the people in Greater Syria, One people in One nation, after a century of successive failures of the States in the Near East to institute a sustainable Nation against foreign interference and “mandated mentality”.
It is important to notice that French colonialism in the Near-East and North Africa did the most harm to the people in the Near-East than all the other colonial powers combined.
Since 1870, French institutions have been suckering to Zionist movements and preempting their demands all the way, particularly providing jet planes (Mirage) and the nuclear plant in Demona, and training their Mossad spying capability and assassination of Syrian leaders and scientists…
French colonialism extended the French nationality to the Jews in Algeria and forbade the study and the speaking of Arabic in its network of schools throughout its colonies and the Near-East and called “Alliance Francaise”
French colonialism undertook to erase the cohesion in the social fabrics but encouraging allegiance to its culture and history.
Thus producing generations to educated students yearning to emulate France “civilization/culture” and doing their best to emigrate to France or other colonial power nations.
للحزب نموذجٌ في المبدئيّة تفتقر إليه الأحزاب اليساريّة. تجد حالات من قياديّين وأعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني ومن منظمة العمل الشيوعي وقد تحوّلوا إلى الحريريّة وإلى اليمينيّة، وبعضهم ارتقى إلى أعلى مراحل اليمينيّة في الجنادريّة، لكن القومي السوري لا يرتدّ ــ وهذه ظاهرة. قد ينزوي القومي السوري في منزله، قد يبتعد عن العمل السياسي، قد يهاجر ويترك الحزب، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية لعقيدة الحزب
أحسن الحزب القومي، وتفوّق في الثقيف الحزبي، لأن أدبيّاته كانت محليّة مرتبطة بالواقع المحلّي وكانت تتسم بقرب من مشاكل المجتمع السوري (وحتى العربي).
تفوّق الحزب القومي (وهذه نتاج فكر أنطون سعادة) في تلقين العلمانيّة ممارسة ونظريّة , الأحزاب الشيوعيّة العربيّة كانت جد متهاونة في التثقيف العلماني، ولهذا ارتدّ الكثير من قادتها وعناصرها نحو الطائفيّة والفكر الطائفي ونحو الدين والتديّن. هذا قلّما يحدث للقوميّين، حتى لو ابتعدوا عن الحزب لأسباب سياسيّة وتنظيميّة
تمرّس الحزب في فرض هيبته من خلال معاقبة أعدائه على جرائمهم ضد الحزب. لم يعاقب الحزب الشهابيّة على جرائمها ضدّه (وهذا خطأ من أخطاء الحزب، لأن ذلك سهّل من استهداف الحزب من خلال أعدائه)، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكن الحزب عاقب رياض الصلح (وكشف مبكّراً ضلوع تحالف الرجل مع النظام الأردني وعلاقته بالصهيونيّة)، وعاقب الحزب بشير الجميّل على جرائمه الكثيرة.
هذا الحزب، مقارنة بكل أحزاب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، كان أقرب إلى القيادة الجماعيّة على مرّ السنوات من باقي الأحزاب). كانت قيادة الحزب تتخذ القرارات، فيما كان جورج حاوي ومحسن إبراهيم وأبو عدنان يتفرّدون بالقرارات المصيريّة والحزبيّة، وغالباً بناءً على إيعاز من رعاة الحزب الخارجيّين
من حق القوميّين البحث في شؤون الحزب من دون تدخّلات من خارج الحزب. والحزب تعرّض في تاريخه لمؤامرات ومحاربات وحملات قمع قاسية في أكثر من دولة عربيّة. لكن استمراره في الوجود دليل على قوّة أورثها زعيم الحزب لأعضائه عبر مؤسّسات الحزب وعقيدته.
قد يكون الحزب (تحت قيادة أنطون سعادة) من أوّل مَن بدأ بنفخ النفير من أجل التحضير لمعركة كبيرة مع الصهيونيّة، فيما كانت القيادات العربيّة في الجامعة العربيّ تعد الجماهير بخطة «سريّة» لدحر الصهاينة قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨. وخلافاً لأحزاب شيوعيّة وغير شيوعيّة، بقي الحزب محافظاً على موقف صلب ومبدئي ضد الصهيونيّة، وتجد أن القوميّين (والقوميّات) في المهاجر هم أكثر العرب جهراً بالدفاع عن فلسطين، وأعندهم في رفض التعاطي مع صهاينة
A comprehensive review of the set backs of the Syria National Social Party and its awakening from the ashes
Posted by: adonis49 on: January 8, 2021
أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي: النهضة مجدّداً
- أسعد أبو خليل
- السبت 11 آذار 2017
يكنّ مَن تخرّج من وسط التجربة الشيوعيّة الثوريّة (اللبنانيّة والفلسطينيّة) إعجاباً عَن بعد، وبصرف النظر عن الخلاف العقائدي، لجوانب في تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي. فهناك صفات عديدة تميّز بها الحزب، وتفوّق فيها على غيره من الأحزاب. ومنها:
١) شخصيّة الزعيم. من ناحية، فإن زعامة أنطون سعادة كانت أسطورة من حيث الإفراط في «عبادة الشخصيّة»، والمقارنة بينه وبين زعامة الأحزاب الفاشيّة كانت لعبة خصوم الحزب.
لكن المقارنة ظالمة من ناحية ومحقّة في جانب منها. فمن جانب، هي محقّة لأن للزعيم سلطات واسعة في دستور الحزب ــ وإن كانت محدّدة ــ كذلك فإنه في كتاباته لا يتورّع عن التنويه بمنجزاته (في مقدّمة «نشوء الأمم» يتحدّث عن ثاني محاولة عربيّة في علم الاجتماع بعد ابن خلدون ويعرض بعض المصطلحات التي اجترحها بالعربيّة مثل «المناقبيّة» وهو في ذلك محقّ.
كذلك فإنه يقول في «المحاضرات العشر» إنه أوّل من عرّف الأمّة السوريّة ــ بالطريقة التي عرّفها فيها). لكن من ناحية ثانية، فإن الزعيم كان على تواصل ودود غير اعتيادي مع أعضاء الحزب وأصدقائه، وكان مُحاوراً نشيطاً حتى مع منشقّين عن الحزب. والذي قرأ عنه يُعجَب بأنَّ الرجل الذي اتُّهم بالتفرّد والفوهروريّة كان يحاور تلاميذ المدارس والجامعات بصورة لم نعهدها من زعماء أحزاب يساريّة ويمينيّة صغيرة (قارن ذلك بتجربة بعض أحزاب اليسار واليمين في لبنان حيث لجأ زعيم الحزب المُفدّى إلى اغتيال معارضيه، وببساطة شديدة).
حاورَ سعادة مطوّلاً غسان تويني وفايز صايغ ويوسف الخال وغيرهم. تقارن ذلك بسلطة جورج حاوي المطلقة في حزبه (لم تحدّ من سلطاته إلا مشيئة موسكو) أو محسن إبراهيم في حزبه أو أبو عدنان في حزب العمل الاشتراكي العربي ـ لبنان أو نايف حواتمه في الجبهة الديموقراطيّة.
لكن هل طقوس تحيّة الزعيم تحتاج إلى إعادة نظر؟ هذه تعود للقوميّين ونظرتهم إلى تراث الحزب التنظيمي.
٢) صلابة القيادة والأعضاء. هناك مميزات خاصة لقادة الحزب وأعضائه.
إن لمشهد مواجهة سعادة لحكم الإعدام دلالة كبيرة. تقارن صلابة سعادة في طريقه إلى المشنقة بتجربة ميشيل عفلق أو عزيز الحاج في السجن، أو حتى إنعام رعد في سجون المكتب الثاني.
وتقارن صلابة سعادة ورباطة جأشه بمشهد «شهداء لبنان» في ١٩١٦، من الذين لم تقوَ ركابهم على حملهم إلى المقصلة فجُرّوا جرّاً إليها وهم ينتحبون ويرجون جلاّديهم بالرحمة بهم، حسب شهادات شهود عيان يومها.
لو أن سعادة واجه إعدامه بغير ما عُرف عنه من شجاعة وقوّة، لكانت رسالته إلى القوميّين مختلفة، ولكان ميراثه أقلّ رسوخاً. هذه الصلابة عرفتها الثورة الجزائريّة، لكنها أقل شيوعاً في التجارب الحزبيّة المشرقيّة.
ابتسم أنطون سعادة بوجه جلّاديه ولم يتنازل قيد أنملة عن عقيدته. لكن سعادة في ما تركه لمناصريه من بعده نجح في تخريج مناضلين ومناضلات من طينة صلبة.
أذكر في منتصف الثمانينيات كيف أن «جمعيّة خريجي الجامعات العرب الأميركيّين» في أميركا أرادوا إسماع صوت الحركة الوطنيّة لجمهور عربي وأميركي في واشنطن. وجّهوا دعوة إلى جورج حاوي وعبد الله سعادة.
كان الفارق بين الرجليْن كبيراً جداً، وشعر الكثير من الشيوعيّين (العرب والأميركيّين) بين الحضور بغيرة إزاء شخصيّة عبد الله سعادة الاستثنائيّة (هذا الرجل الذي منح ابنه شهيداً للثورة اللبنانيّة في مطلع الحرب الأهليّة، والذي عانى ــ ولم يَلِن ــ من تعذيب سامي الخطيب الوحشي). بقدر ما بدا سعادة ثوريّاً وقويّاً وهادراً، كان أداء جورج حاوي تهريجيّاً ومسرحيّاً. ذُهل كثيرون بقدر الخفّة والهزل في تعامل حاوي مع الأسئلة الموجّهة إليه.
أذكر تعليقات الشيوعيّين بيننا يومها أننا نتمنّى لو أن سعادة كان زعيمنا بدلاً من حاوي.
٣) ترك سعادة مؤسّسات حزبيّة فيما فشلت الأحزاب اليساريّة في مأسسة العمل الحزبي وترسيخه. كان كل زعيم لحزب يساري يطبع الحزب ببصماته هو، ويأخذ معه مؤسّسات الحزب (وماله في كثير من الأحيان) عندما يغادر الحزب أو عندما يموت.
إن ما حدث أخيراً عندما أبطلت محكمة الحزب رئاسة أسعد حردان لولاية ثالثة (رداً على طعن مُقدَّم لها) استثنائي في تاريخ الحزبيّة اللبنانيّة. هذه التجربة ليست لها سابقة، لا في أحزاب لبنان ولا في أحزاب عربيّة أخرى.
لم يكتفِ أنطون سعادة بإلهام جماهير حزبه (وفي الإلهام كان مذهلاً في حياته)، لكن الإلهام الأكبر لزعماء الأحزاب هو في الإلهام بعد الممات عبر مؤسّسات الحزب. وهذا ما ميّز الحزب القومي عن الحركة الناصريّة. ليس هناك مَن ألهم الملايين كما ألهم جمال عبد الناصر في حياته، لكن إلهامه لم يستمرّ بعد مماته، لأنه لم يترك لجمهوره عقيدة ولا مؤسّسات حزبيّة تُذكَر (ما سهّل التهاون بأفكاره فيصبح الناصريّون اليوم ــ بمن فيهم أفراد في عائلته ــ مناصرين للطاغية السيسي، حليف نتنياهو).
سعادة ترك الاثنيْن: العقيدة والمؤسّسات الحزبيّة. وقدرة مؤسّسة حزبيّة على إبطال قرار برئاسة مَن تربّع على زعامة الحزب لفترة طويلة وبقوّة مستمدّة من تجربة مسلّحة في الحرب الأهليّة (وبعض هذه التجربة كان في المقاومة الفعّالة ضد العدوّ) يشير إلى قدرة الحزب القومي على الحركة الديناميكيّة المستمرّة وعلى التجدّد في الاستمراريّة.
ابتسم أنطون سعادة
بوجه جلّاديه ولم يتنازل قيد أنملة عن عقيدته
٤) للحزب نموذجٌ في المبدئيّة تفتقر إليه الأحزاب اليساريّة. تجد حالات من قياديّين وأعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني ومن منظمة العمل الشيوعي وقد تحوّلوا إلى الحريريّة وإلى اليمينيّة، وبعضهم ارتقى إلى أعلى مراحل اليمينيّة في الجنادريّة، لكن القومي السوري لا يرتدّ ــ وهذه ظاهرة. قد ينزوي القومي السوري في منزله، قد يبتعد عن العمل السياسي، قد يهاجر ويترك الحزب، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية لعقيدة الحزب. اختلف قوميّون سوريّون مع أسعد حردان، لكنّ أحداً منهم لم يصبح معادياً لمشروع مقاومة إسرائيل، كما حدث في حالات من شيوعيّين تخرّجوا من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي.
هذا ما يميّز الحزب عن غيره من الأحزاب اللبنانيّة، وهذا يرجع إلى تشديد الحزب على التنشئة العقائديّة في سن مبكّرة. أخذ الحزب القومي التثقيف الحزبي على محمل الجدّ، فيما أهملته الأحزاب الشيوعيّة العربيّة. لم تكن الأحزاب الشيوعيّة اللبنانيّة تطلب من العضو التمرّس في الماركسيّة ــ اللينينيّة، وخصوصاً أن قادة هذه الأحزاب كانوا بالكاد مطلعين على التراث الماركسي أو اللينيني.
التثقيف الشيوعي كان مزيجاً من نتفٍ من «ما العمل» للينين (مع حرص على استبعاد «الدولة والثورة» لما في الكتاب الأخير من نزعات فوضويّة ولما في الكتاب الأوّل من نزعات نخبويّة شيوعيّة تفترض تشريب الوعي الطبقي بالملعقة من الطليعة الشيوعيّة للطبقة العماليّة). القراءة الماركسيّة كانت نتفاً من «١٨ برومير» ولم يكن الحديث عنها معمّقاً.
كان التراث الماركسي (وبترجمات في غاية السوء عن «دار التقدّم») بعيداً عن الواقع العربي، ولم يكن هناك من تراث ماركسي محلّي كي يُدرَّس. وحدها الجبهة الشعبيّة طلعت بكتيّب «الاستراتيجيّة السياسيّة والتنظيميّة» (وهي بقلم جورج حبش في مرحلة استقلاليّة الجبهة عن موسكو وفي مرحلة قربها المُبكّر من الصين). والكتيّب كان مذهلاً في ثوريّته، لكنه مأخوذ في بنائه وصيغته عن «تحليل الطبقات في المجتمع الصيني» لماو تسي تونغ. لكن مضمون الكتيّب كان يصيب القارئ الشيوعي الملتزم بالحيرة نتيجة التصنيفات الاعتباطيّة للأنظمة البرجوازيّة الصغيرة، التي كانت في حالة تحالف في يوم مع الجبهة وفي حالة تضاد معها في يوم آخر.
أحسن الحزب القومي، وتفوّق في الثقيف الحزبي، لأن أدبيّاته كانت محليّة مرتبطة بالواقع المحلّي وكانت تتسم بقرب من مشاكل المجتمع السوري (وحتى العربي).
٥) ومرتبطاً بالفكرة السابقة، تفوّق الحزب القومي (وهذه نتاج فكر أنطون سعادة) في تلقين العلمانيّة ممارسة ونظريّة (مع أن التعبير عن العداء لليهود كيهود تناقض مع علمانيّة الحزب الصارمة وأضفى بعداً مُستورداً من قوميّات أوروبيّة عنصريّة على عقيدة الحزب).
الأحزاب الشيوعيّة العربيّة كانت جد متهاونة في التثقيف العلماني، ولهذا ارتدّ الكثير من قادتها وعناصرها نحو الطائفيّة والفكر الطائفي
ونحو الدين والتديّن. هذا قلّما يحدث للقوميّين، حتى لو ابتعدوا عن الحزب لأسباب سياسيّة وتنظيميّة.
٦) أثبت الحزب مرونة عقائديّة وسياسيّة يُحسد عليها. كان الحزب في عام ١٩٥٨ حزباً شوفينيّاً مرتبطاً بالحلف الرجعي الإقليمي (الملك حسين)، لكن تجربة السجن القاسية (التي لا تُغفر لفؤاد شهاب الظالم) أدّت بالحزب إلى إجراء مراجعة تحوّلت فيها عقيدة الحزب السياسيّة
نحو اليساريّة والتقدميّة بعد تطعيمها بشيء من الماركسيّة.
٧) بالرغم من عبادة الشخصيّة للزعيم التي تُؤخَذ على الحزب، فإن هذا الحزب، مقارنة بكل أحزاب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، كان أقرب إلى القيادة الجماعيّة على مرّ السنوات من باقي الأحزاب (وإن شابت قيادة حردان تفرّداً لم يألفه الحزب من قبل). كانت قيادة الحزب تتخذ القرارات، فيما كان جورج حاوي ومحسن إبراهيم وأبو عدنان يتفرّدون بالقرارات المصيريّة والحزبيّة، وغالباً بناءً على إيعاز من رعاة الحزب الخارجيّين.
٨) تمرّس الحزب في فرض هيبته من خلال معاقبة أعدائه على جرائمهم ضد الحزب. لم يعاقب الحزب الشهابيّة على جرائمها ضدّه (وهذا خطأ من أخطاء الحزب، لأن ذلك سهّل من استهداف الحزب من خلال أعدائه)، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكن الحزب عاقب رياض الصلح
(وكشف مبكّراً ضلوع تحالف الرجل مع النظام الأردني وعلاقته بالصهيونيّة)، وعاقب الحزب بشير الجميّل على جرائمه الكثيرة.
٩) قد يكون الحزب (تحت قيادة أنطون سعادة) من أوّل مَن بدأ بنفخ النفير من أجل التحضير لمعركة كبيرة مع الصهيونيّة، فيما كانت القيادات العربيّة في الجامعة العربيّة (مثل رياض الصلح، الذي تعرّضت سيرته لتجميل واضح من خلال عدّة كتب استكتبها ورثته في السنوات الأخيرة) تعد الجماهير بخطة «سريّة» لدحر الصهاينة قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨.
وخلافاً لأحزاب شيوعيّة وغير شيوعيّة، بقي الحزب محافظاً على موقف صلب ومبدئي ضد الصهيونيّة، وتجد أن القوميّين (والقوميّات) في المهاجر هم أكثر العرب جهراً بالدفاع عن فلسطين، وأعندهم في رفض التعاطي مع صهاينة.
لكن إذا كان الحزب يتسم بكل هذه السمات الإيجابيّة، فما هو مكمن الخلل فيه؟
لست في وضع أستطيع أن أدخل فيه إلى منظومة الحزب كي أقدّم تحليلاً تفصيليّاً، لكن يمكن من موقع المُتابع أن يلاحظ المرء أن الحزب وقع في أزمات مثله مثل معظم الأحزاب في جسم الحركة الوطنيّة اللبنانيّة. قد يكون مكمن الخلل الأوّل يتمثّل في التعاطي مع عقيدة الزعيم. يحتاج الحزب إلى مراجعة كتابات سعادة (وبعضها كان كثير الركون إلى الكتابات الأكاديميّة الغربيّة على ما تحمله من نفس استشراقي ومن منهجيّة غير علميّة بمقياس العلوم الاجتماعيّة حاليّاً) بهدف الربط بين الحديث في العلوم الاجتماعيّة التي درسها سعادة وكتب فيها وبين عقيدة الحزب.
هذا لا يعني أن سعادة لم يكن ملمّاً بالأكاديميا الغربيّة. كان ملمّاً وهو أكثر اطلاعاً على تلك العلوم، وأكثر تصنيفاً بينها، مما زعم منتقدوه الذين لم يدرسوا كتاب «نشوء الأمم». هذا لا يعني أن الكتاب لم يمرّ عليه الزمن في الدراسات الحديثة. لكن اختزال الكتاب بـ«شكل الجماجم» كما يُؤخذ عليه، لا ينصفه (وكان يصرّ على أن الأمة السوريّة تتضمّن أشكالاً مختلفة من أشكال الرؤوس ــ على نشاز الحديث في الموضوع من أساسه ــ وفضّل امتزاج السلالات على نقاوتها (أعطى مثل تفوّق أثينا على إسبارطة).
لنأخذ مثلاً المرجع الذي اعتمد عليه (في «نشوء الأمم») وهو كتاب فريدريك هرتز «العرق والحضارة». هذا المؤلّف هو حتى تاريخه أقوى تنديد بأدب «علم الأعراق» وإبراز عبثيّة فكر كراهيّة الأعراق (والكتاب أثار ضجّة أكاديميّة لأنه حاول أن يثبت أن السود ليسوا أدنى مرتبة عقليّاً من البيض). وقد أُخذ عليه أنه لم يُعرّف العرق، لكن ذلك يعود لأنه (أي هرتز) يرى أن «ليس هناك من أعراق» (ص. ٢٠-٢١) وأن «الانقسامات ليست إلا أسماء مصطنعة».
وسعادة رفض فكرة «الخلوص الدموي»، وهو يرفض فكرة «الوحدة السلاليّة»، ويشير إلى «مزيج سلالي متجانس» (المحاضرة الرابعة من «المحاضرات العشر». لكن سعادة يقع في تناقضات حول فكرة تفوّق العنصر. لكنه يعود ليتحدّث عن سلالات ثقافيّة «وسلالات منحطّة»، وفي أحكامه كان دوماً قاسياً على السكّان الأصليّين في القارة الأميركيّة من دون ذكر حضارات قديمة فيها سبقت وصول الرجل الأبيض. ويقول في المحاضرة الرابعة: «لا بدّ من الاعتراف بواقع الفوارق السلاليّة ووجود سلالات ثقافيّة وسلالات منحطّة وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوّق السوريّين النفسي الذي لا يعود إلى المزيج المطلق، بل إلى نوعيّة المزيج المتجانس».
هو يعترف بمزيج الدم في الأمة السوريّة، لكن ذلك لا يمنعه من الإيمان بتفوّق عناصرها. هو يسخر من «التحامل على السلالات» في أميركا، ويسخر من إيمان العرب بـ«أوهام السلالة» («نشوء الأمم»، ص. ٢٦)،
وهو ينتقد نظريّة استحالة العبقريّة والنبوغ عند الزنوج، ويرفض نظريّات نقاوة السلالة، لكنه يتحدّث عن «الفوارق السلاليّة» في «المحاضرة الرابعة» ويتحدّث عن تفوّق السلالة الكنعانيّة على سلالة شعوب أفريقيا الشماليّة. وحاجة سعادة إلى إثبات تميّز الأمّة السوريّة عن باقي
العرب دفعته إلى تحقير العنصر العربي بصورة غير علميّة (يتحدّث مثلاً في «نشوء الأمم» بمبالغة عن عادة الثأر عند العرب بناءً على أشعار، مع أن الحديث عن الثأر هو ــ مثل مبدأ «العيْن بالعيْن والسنّ بالسنّ» عند الأقدمين ــ من أجل تجنّبه. أي إنه كان وسيلة للشرطة الذاتيّة في
غياب سلطة الدولة (وفي هذا حجّة للنظريّة اللاسلطويّة ــ الفوضويّة).
كذلك إن سعادة في تناوله لتاريخ الإسلام نهل من الاستشراق التقليدي ولم يرجع إلى المراجع العربيّة والإسلاميّة (لم يذكر في مراجع «نشوء الأمم إلا ابن خلدون في «المقدّمة» والمسعودي في «مروج الذهب») إلا في تعميمات ابن خلدون عن طبيعة العرب وعصبيّتهم ــ وهذه التعميمات كانت دوماً المفضّلة عند المستشرقين. وطبعاً، اعتنق سعادة فكرة هنري لامنس (تحدّث ماكسيم رودنسون عن «احتقاره» للإسلام) عن تفوّق معاوية والدولة الأمويّة في التاريخ الإسلامي، إعلاءً لشأن العنصر السوري.
وإذا كان سعادة يرفض القوميّة بناءً على عامل اللغة والدين، فإنه ينزع نحو التفسير المادّي عن أولويّة الرابطة الاقتصاديّة في «المتحد الراقي» (كان سعادة معجميّاً واجترح عدداً من المصطلحات مثل «المُتحد» للكلمة الألمانيّة «جيمينشافت»). لكنه يهمل عناصر التناحر الطبقي الاقتصادي في الأمّة، مُفضّلاً وحدة المصالح (المتحدة).
قد ينزوي القومي السوري في منزله، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية
واللافت أن سعادة لم يكن جامداً في تعريفه للأمّة على طريقة التعريفات الستالينيّة: فقد استبق كتاب بنديكت إندرسون «المُتحدات الموهومة» (الصادر في عام ١٩٨٣) عندما يتحدّث عن عناصر «موهومة من عادات وتقاليد معيّنة» (ص. ١٥٢ من «نشوء الأمم»). الموضوع يطول في بحث كتابات سعادة، لكن هناك حاجة من «عمدة الثقافة» في الحزب لتوكيل لجنة أكاديميّة حزبيّة من أجل وضع قراءة جديدة (على غرار «القراءة الجديدة» في عام ١٩٧٦ لـ«المحاضرات العشر» من أجل التوفيق بين القوميّة السوريّة والعروبة) للمستندات والقراءات الأكاديميّة لسعادة للأخذ في الاعتبار الدراسات الجديدة التي تجاوزت الكثير من المصادر التي اعتمدها سعادة في كتاباته.
ثم هناك مشكلة قبول الحزب باتفاق الطائف. كيف يمكن الحزب أن يقبل بنهائيّة الكيان اللبناني؟ وكيف يمكن الحزب في تحالفه مع النظام السوري أن يتغاضى عن النواحي القُطريّة التي طرأت على خطاب وأيديولوجيا النظام في السنوات الأخيرة، أو حتى على قوميّته العربيّة سابقاً؟
إن تعارض الحزب مع الكيانيّة اللبنانيّة كان في صلب عقيدته، لكنه تهاون في ذلك في السنوات الأخيرة، ربما كي يدخل في النظام اللبناني. كان الحزب يمثّل القوميّة المبدئيّة التي رفضت الكيانات التي ولَدها الاستعمار، وكان هذا الرفض من ميزات الحزب وعناصر جذبه. لا، وشارك الحزب في الحكومات الحريريّة التي مثّلت نقيض عقيدة الحزب (وقبل أن يتولّى وزارة العمل للتغطية على مؤامرة رفيق الحريري في ضرب الحركة العمّاليّة، وهذه تشين تاريخ الحرب).
وهناك قضيّة حبيب الشرتوني، العطِر الذكر. إن الحزب القومي مشهود له ــ بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه ــ بالبطولات أو «وقفات العزّ».
يحقّ للحزب أن يعتزّ بوقفات سعادة ضد الاستعمار وضد الدولة الاستقلاليّة الحديثة، ويحق له أن يزهو بشهيد الاستقلال (الحقيقي وليس المزيّف) سعيد فخر الدين. كذلك إن الحزب في محاولته الانقلابيّة تصادم مع دولة فؤاد شهاب البوليسيّة (التي لم تزدها المحاولة الانقلابيّة إلا حديديّة).
وقد شارك الحزب بفعاليّة في معارك الحرب الأهليّة (من دون أن يغرق في وحول السرقات و«التشبيح» مثل بعض فصائل الحركة الوطنيّة حتى لا نتحدّث عن جرائم ميليشيات إسرائيل في المقلب الآخر)،
وهو من المساهمين الأساسيّين في مقاومة العدوّ الإسرائيلي. لكن عمليّة نبيل العلم وحبيب الشرتوني قضت بالضربة القاضية على حلم إسرائيلي بصنع جمهوريّة على المقاس الصهيوني. ابتعد الحزب عن الاحتفال بحبيب الشرتوني والزهو به، وابتعد عن الاحتفال ببطولات نبيل العلم. كيف يعقل أن يسمح الحزب للدولة اللبنانيّة بالمضي في محاكمة الشرتوني، وكيف يعقل أن يغيب الحزب رسميّاً عن حملات المناصرة لحبيب الشرتوني؟ هل هي الأسباب القانونيّة؟ وكيف تكون هناك أسباب قانونيّة فيما تزهو كل ميليشيات اليمين اللبناني بجرائم حربها وبتحالفها مع إسرائيل؟
حبيب الشرتوني مثّل وقفة العزّ في أعلى مراحلها، والحزب تنصّل منه؟ يخجل الحزب من فعل البطولات؟
أما علاقة الحزب بالنظام السوري، فهذه إشكاليّة أخرى. يحقّ للحزب أن يعقد تحالفات كما يشاء، ويحق له أن يسعى إلى توحيد «الأمة السوريّة» كما يراها. لكن هل تحالف الحزب مع النظام السوري أدّى إلى ذوبانه فيه؟ والأنكى، أن الحزب تحالف مع السيئ الذكر، إيلي حبيقة، فقط لأنه كان حليفاً للنظام السوري ورفيق الحريري.
ما الذي يميّز الحزب عن فرع حزب البعث في لبنان؟ أذكر أن الحزب القومي أصدر كتيّباً في عام ١٩٧٦ ندّد فيه بـ«الغزو الشامي»، في إشارة إلى تدخّل النظام السوري ضد الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة. أي كان للحزب مسافة في تحالفاته آنذاك. (لكن الحزب اقترب كثيراً جدّاً من قيادة ياسر عرفات ومن القذّافي تحت قيادة إنعام رعد. والتحالف مع القذّافي لا يمكن أن يندرج في نطاق رؤية «الأمّة السوريّة»). الأهم،
أن الحزب يمرّ في أزمة، فقد عانى من انشقاشات ومن تجميد للعضويّة، كذلك إن كثيرين وكثيرات من أعضاء الحزب ابتعدوا عنه في السنوات الأخيرة. لقد عمّر الحزب القومي أكثر من غيره من الأحزاب، وهو خلافاً لمعظم الأحزاب اللبنانيّة (بمن فيها بعض الشيوعيّين) بقي
في منأى عن الصراعات والغرائز الطائفيّة. لكنه أهمل حمله لواء العلمانية كما أهمل رسالة رفض الكيانيّة في رحم الأمّة السوريّة.
قد تكون هذه المقالة تطفّلاً على شؤون الحزب من خارجه، وقد يكون من حق القوميّين البحث في شؤون الحزب من دون تدخّلات من خارج الحزب. والحزب تعرّض في تاريخه لمؤامرات ومحاربات وحملات قمع قاسية في أكثر من دولة عربيّة.
لكن استمراره في الوجود دليل على قوّة أورثها زعيم الحزب لأعضائه عبر مؤسّسات الحزب وعقيدته. لكن كل الأحزاب اللبنانيّة تواجه أخطاراً محدقة والكثير من الأحزاب الشيوعيّة والناصريّة اندثر وطُمر بالتراب. يستطيع الحزب الذي رفع لواء نهضة الأمّة أن ينهض بحركته مرّة أخرى، لو أنه جعل من عقيدته لُحمة جامعة لكل القوميّين (والقوميّات).
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)
An Anthem, a poem: Syria, peace be upon you
Posted by: adonis49 on: July 27, 2020
An Anthem, a poem: Syria, peace be upon you
The Anthem of the Syrian National Social Party
This Anthem was written in 1935 by the founder Antoun Saadeh, a year before mandated France uncovered its secret organization
Zaki Nassif musically composed this anthem
What’s your concept for a Nation? Comparing Antoun Saadi and Michel Aflak (Baath)
Posted by: adonis49 on: July 21, 2020
What’s your concept for a Nation?
The Nation is relatively a new concept that developed after the French revolution when every “citizen” was forced to join the war activities, especially during Napoleon expansion in Europe..
For long time, frequent wars were launched to acquire “rights” of a monarch to other parts of countries as a result of marriages and other excuses to expand territories.
Countries that experienced frequent wars managed to give the illusions to soldiers that they belong to a Nation and must expect to be asked to join the war activities when required, him and his family members.
Apparently, this notion of Nation has withstood the turmoil in the last 2 centuries: 2 World Wars, Communism, multinationals, The European Union, the End of History… and kicking madly to conserve their “identities”
This article is comparing Antoun Saadi and Michel Aflak (Baath) notions of what constitute a Nation
مفهوم شخصية الأمة ما بين عفلق وسعادة
بقلم: نضال القادري
إن النظرة الإيديولوجية لمفهوم الوحدة والأمة هي أساس التباين بين الحزب السوري القومي الإجتماعي من وجهة نظر مؤسس حركته أنطون سعادة، وبين حزب البعث العربي الإشتراكي من خلال أفكار الأستاذ ميشيل عفلق الذي تأثر بالشيوعية وانخرط فيها وسرعان ما تركها لينهي حياته مسلما.
إن أهمية الطريقة العفلقية في الطرح الأديولوجي أنها خاطبت العقل العربي بمقولة جمعت بين المنطق والعاطفة حتى ليصح فيه قولا أن المهادنة المنطقية العاطفية كانت حاضرة وبقوة في أفكاره،
ورغم التناقض الحيوي بين اللفظين فهما تحملان خصوصية العقل العربي الذي عمل له إغراقا لنتائج رعت تطلعاته الفكرية والعاطفية، فإن توقه نحو التحرر من الأجنبي كان حلمه الأول،
ولكي تتم عملية التحرر، وجب أن يتوحّد ومن أجل أن يتوحدّ بسرعة، حتما وجب إزالة الرموز العميقة التي تعيق هذا التوحد،
ولكن كل هذه العملية لم تكن سوى بإسقاط حتمية الأمة العربية في فكره، فهو الذي نادى بالعروبة، وبالعلمنة.
ميشيل عفلق الذي اضطر تحت التعذيب إلى كتابة رسالة يعتذر فيها لحسني الزعيم ويتعهد له بعدم ممارسة العمل السياسي تعتبر إهانة لديمقراطية الإنقلابات والجنرالات في الشام.
ميشيل عفلق الذي مات مسلما دون أن يترك أثرا ثابتا في كيفية الجمع فيما بين اللفظين (المنطق والعاطفة)، وزاد من جرحه أن أخرجته أجنحة البعث السياسية إلى النفي والعزلة والموت فيما بعد، مشوها بالعسكرة والإنقلابات والتصحيحات التقدمية تحت ذريعة الأنسنة والوحدة بشعارات القومية المبتكرة،
ويجدر أن عفلق كان قد ترشح في 17/7/ 1947 حين حصلت أول انتخابات نيابية بعد الاستقلال، فسقط فيها مع رفيقه صلاح البيطار كممثلين عن البعث.
لقد برزت المسألة القومية المرتبطة بمفاهيم البعث في كتابات عفلق، وهو الذي علل في البدء تقديمه للقومية في مضمونها الإنساني الإيجابي قائلا:”لم نر أن من واجبنا البدء في تقديم البراهين على قوميتنا ومبررات وجودها، لأننا لم نتصور هذه القومية تصورا سلبيا، لم نتصور أنها وجدت لتخاصم غيرها، ولكي تثبت وجودها وحقها إزاء قوميات أخرى، أو لكي تدعي التفوق وحق السيطرة على غيرها أو لتدفع التهمة عن نفسها”. ثم أضاف لاحقا: “إن مشكلة القومية ليست في البرهان على وجودها، وإنما في تحقيق مضمون إيجابي حي لها”(1).
ثم أضاف في محاضرة تحت عنوان (القومية حقيقة حية ذات مضمون إيجابي إنساني) قائلا:” لم يظهر لنا التاريخ الإنساني بعد أن القومية شيء طاريء عابر سطحي يمكن أن يتلاشى تبعا لتبدل الظروف السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، بل إن ما يرينا إياه التاريخ هو أن القومية تتغلب على شتى التبدلات الساسية والإجتماعية وغيرها، وتظل حية حتى في حالة ضعفها وتراخي روابطها. والنظرة المتعمقة ترينا أن القومية،
وإن كانت تتأثر وتتغذى بكثير من العوامل الإقتصادية والإجتماعية إلا أنها تظل أعمق من هذه العوامل وأرسخ قدما وأبعد غورا في التاريخ، فهي من صنع أجيال وقرون وهي نتيجة تراكم طويل وتفاعل عميق أوصل إلى خلق صفات مشتركة وروابط روحية ومادية بين مجموعة من البشر أصبحت هي الشخصية المعبرة عن هذه المجموعة وهي المجال الطبيعي والحياتي الذي تنطلق فيه هذه المجموعة في تحقيق إنسانيتها”(2).
لقد رأى الأستاذ ميشل عفلق شخصية الأمة دفعة واحدة، لكنه لم يناقش أو يبدي البرهان على وجودها، ورأى أنها تتغذى بكثير من العوامل وبخاصة الإقتصادرية والإجتماعية.
أما المفكر أنطون سعادة، فهو لم ينظر إلى الأمة التي تكلم عنها غيره من ناحية اللغة أو الدين أو السلالة، ولم يطرح فكرة أسلمة الشرق كحل شامل لقضايا هذا المجتمع ليمكنه من الذوبان أو التفاعل مع غيره من بقاع “الأمة”
بخاصة عندما قال الأستاذ عفلق في نقده للواقع العربي:” ثمة ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي هي: التجزئة، والتخلف وفقدان الإتجاه الحضاري الواحد. فعندما تحسم مسألة القومية بإقرار وحدة الأمة، وعندما تحسم مشكلة التخلف بالخيار التقدمي الواضح الحاسم، يبقى موضوع روح الحضارة، وعندئذ نقرر الحقيقة التالية: أن الإسلام يشكل النسيج الروحي والحضاري للأمة العربية. فحركة الوحدة العربية، وهي حركة تاريخية، لم تتعثر حتى الأن، إلا لأنها لم تطرح بمضمونها الكامل على الجماهير العربية. أي بخياراتها الثلاثة: القومية العربية، والتقدم، والإسلام الحضاري”(3).
وهنا أسقط سعادة رهان الأستاذ عفلق، وذهب إلى العكس من ذلك تماما،
فأصر قولا أن حيث تخيب الرابطة القومية، لا يمكن أن تصيب الرابطة الدينية، لأن الرابطة الدينية تهمل الجغرافية والتاريخ والسلالة والاجتماع والاقتصاد والنفسية الاجتماعية، أي جميع العوامل التي توجد الواقع الاجتماعي وتتكفل بحفظه وسيرورته الواحدة في جغرافية الزمان والمكان،
ثم ربط فكرة الأمة بقيام وحدات على أسس علمية واضحة تتشكل فيها دورة التواصل المجتمعي على أسس إقصادية وسياسية لها مدلولها وشخصيتها المستقلة. أيضا،
لم يسقط سعادة مفهوم الأمة بطريقة عاطفية دون أن يناقش محتواها أو يهادن في مقدمات أو أسباب تخلفها، فلقد أقر بواقع المجتمعات العربية وشخصياتها المنفصلة عن بعضها، ووضع السيل الأيلة للتعاون فيما بينها على أسس السيادة الوطنية مقرا بشخصية الأمة السورية التامة كواقع علمي وإقتصادي وسياسي المكتسبة لشخصيتها عبر التاريخ.
ولأنه أعتبر أن لهذه الأمة رسالة عظيمة وضعها في غاية الحزب وخطته من حيث المبدأ قائلا:”إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الإجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى”(4).
إن هذا لم يكن تنظيرا أو سهوا أو محاباة لأحد،
لقد فسرها سعادة على الشكل التالي:”النظرية السورية القومية الاجتماعية في هذه المسألة هي: النهوض القومي الاجتماعي بسورية أولاً، ثم سلك سياسة تعاونية لخير العالم العربي. ونهضة الأمة السورية تُحرّرُ القوة السورية من سلطة الأجانب وتحوِّلها إلى حركة فعالة لإنهاض بقية الأمم العربية ومساعدتها على الرقيّ.
وهذه العروبة السورية القومية الاجتماعية هي العروبة الصحيحة الصريحة غير الملتوية. هي العروبة العملية التي توجد أكبر مساعدة للعالم العربي وأفعل طريقة لنهوضه.
إنها ليست عروبة دينية، ولا عروبة رسمالية نفعية، ولا عروبة سياسية مرائية: إنها عروبةٌ مثليّةٌ لخير العالم العربي كله”(5).
إنها عروبة سعادة التي تجمع ذوي الأصول السريانية والكردية والأشورية والفينيقية والداغستانية والكلدانية واليزيدية والتركمانية والكنعانية والشركسية،
وتمنحهم الشعور بالإنتماء إلى وحدات قومية يستميتون من أجلها في عالم عربي تكون فيه الأمة السورية التامة صاحبة دور ريادي في التكامل والرقي والتقدم. أيضا،
إنه سعادة الذي جمع الماروني والسني والشيعي والرومي والدرزي والبروتستنطي والنصيري،
وهو القادر على جمع ابن رام الله، والحسكة، وانطلياس والبصرة، وأربد ودمشق..
وهم الفلسطينيون والشاميون واللبنانيون والعراقيون والأردنيون، الذين مزقتهم مقدمات التخلف والنكبات الكيانية في عالم عربي،
لا خلاص له إلا بالعلمنة المؤمنة بالقومية شعارا وممارسة للحياة، كما أرادها سعادة من دون خوف في الولوج بأسباب السبات والتخلف.
إذا، لا يمكن أن نسقط التاريخ لصالح أهدافنا دون النظر إلى إرهاصاته الأولى ومكسباته عمليا،
من هنا أقول أنه لا يمكننا أن نجعل حدود اللغة والدين “حدوداً جغرافية”،
وكذلك الشعوب التي لم تكتسب وعيها القومي أو التي لا قدرة لها على اكتساب الوعي القومي، فهي ليست أمماً ولا أجزاء من أمة، بل جماهير لا شخصية لها، تنخر تاريخها وتتقدم نحو مستقبل الفشل الحتمي، وهي كارثة على مجتمعها من كل النواحي.
من هنا، إن نعتها بالجماهير ليس شانا إنشائيا بحتا، إنه الأساس في المبنى الذي قامت عليه مدرحية سعادة التي قالت بالإنسان ـ المجتمع، وربطتها بالعقل الوالج نحو التطور والإرتقاء، وبعملية المعرفة التي أناط الشرع الأعلى (العقل) عند سعادة مصدر القوة بها
فقال:”إن المجتمع معرفة والمعرفة قوة”.
وإن الإشتراك في بعض مناحي الحياة، قد يخلق إجتماعا بسيطا لا يرقى بمفهوم سعادة إلى مستوى الأمة التي لها وعيا لشخصيتها المكتسبة والموروثة (الأنسنة الملازمة للأمة والعقل الذي هو الشرع الأعلى)،
وأبرز موضع يدلك على ذلك في رسالته إلى السيدين أنيس ومحي الدين النصولي عندما يقول:”إن الأمة ليست الشعب وأن الشعب جزء من الأمة، وأن هذا أصل وذاك فرع”. أما نحن فنقول للسيدين النصولي أن اعترافهما بوجود شعوب في العالم العربي لا شعب واحد، يوازي الإعتراف بوجود أمم في العالم العربي لا أمة واحدة. ذلك لأن كل أمة شعب..
فإذا كان العالم العربي شعوباً لا شعباً واحداً فهو ليس أمة واحدة لأن الأمة هي الشعب الواحد المستفيق لنفسه والمكتسب شخصية سياسية.
وقد اكتسب الشعب السوري وعيه القومي فهو أمة. واكتسب الشعب المصري وعيه القومي فهو أمة أيضاً. أما الشعوب التي لم تكتسب وعيها القومي أو التي لا قدرة لها على اكتساب الوعي القومي فهي ليست أمماً ولا أجزاء من أمة، بل جماهير لا شخصية لها”
Which political and national party was the most serious and determined to prevent the creation of Israel?
Posted by: adonis49 on: May 30, 2020
Which political and national party was the most serious and determined to prevent the creation of Israel?
Any national social support in the struggle against Israel and for the preservation of Palestine?
Apparently, only the Syria National Social Party was the only serious political party to have engaged in the struggle against our existential enemy since its creation in 1936, at all levels, especially on the ideological, national and social fields for the education and awareness of this colonial implant in our midst.
Its members from Palestine, Lebanon, Syria and Jordan participated in the early intifada since 1936 against the Zionists and the English mandated powers.
المساعدات القوميّة في فلسطين
المساعدات القومية الاجتماعية في معارك فلسطين
النشرة الرسميّة للحركة القوميّة الاجتماعيّة، بيروت، المجلّد الأوّل، العدد 9، أيار 1948
كانت سياسة الحزب القومي الاجتماعي في صدد الخطر اليهودي واضحة من أوّل العمل القومي الاجتماعي.
فقد نبّه الزعيم في خطابه الشهير في أوائل سنة 1933، في افتتاح نادي الطلبة الفلسطينيين في الجامعة الأميركانية، إلى الخطر اليهودي على جنوب سورية، ودعا إلى وحدة العمل السوري القومي في فلسطين.
وفي سنة 1937، عندما أفلت سماحة مفتي فلسطين وفرّ إلى بيروت، زاره الزعيم مهنّئًا بسلامته ومرحّبًا. وفي تلك الزيارة استوضح الزعيم من سماحة المفتي وجود خطّة مرسومة للعمل في فلسطين أبدى رأيه في الخطر اليهودي وكيفية العمل الناجح وأعلن استعداد الحزب السوري القومي الاجتماعي للاشتراك في محاربة الخطر اليهودي.
ولكن “المجلس الإسلامي الأعلى” و”اللجنة العربية العليا” انفردا بالعمل في فلسطين فلم يتسنَّ للحزب القومي الاجتماعي أداء المساعدة السياسية والتخطيطية التي كان يمكن أن يؤدّيها وأن توفّر على السوريين في الجنوب ما عانوه فيما بعد بسبب عجز السياسة التي اتّبعت.
بيد أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي، على حداثة عهد نشأته، ظلّ يعمل في سبيل المحافظة على المنطقة الجنوبية المهدّدة ودفع الخطر عنها.
فتابع الزعيم حملاته لإيقاظ الرأي السوري العامّ في جميع الدويلات السورية،
وأخذ يشرح طبيعة القضية الفلسطينية شرحًا جديدًا يعيّن ماهيتها الصحيحة التي لم تكن واضحة من قبل وجعل لها الصفة القومية الحقيقية وأنقذها من النظرات والاعتبارات الرجعية والحزبيات الدينية.
فدخلت قضية فلسطين في وحدة قضايا الأمّة السورية.
وفي سنة 1937 عينها وضع الزعيم مذكّرة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى رابطة الأمم في صدد تقرير لجنة اللورد بيل المشهورة التي قالت بتقسيم فلسطين.
فكانت مذكّرة الحزب المذكّرة الوحيدة التي تناولت قضية فلسطين في أساسها القومي الصحيح وأعطت الحجج القومية التي لا تدحض ولا تجيز أيّ تلاعب في حقوق الأمّة السورية في فلسطين.
وقد صارت مذكّرة الحزب القومي الاجتماعي التي وضعها الزعيم مثلًا للمذكّرات التالية التي وضعتها هيئات حكومية وشعبية في دويلات سورية وفي العالم العربي.
وعلى الرغم من حداثة عهد الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن الملاحقات الاحتلالية والمقاومات الرجعية التي تعرّض لها بعد إظهار أمره، فإنّه اشترك بقوّات صغيرة محدودة في ثورة سنة 1936 وكان لقوّاته الصغيرة أثر فعال في المعارك وفي إبراز مزايا الجندية السورية.
وقد سقط في معارك الثورة المذكورة عدد من المقاتلين السوريين القوميين الاجتماعيين، بينهم القائد المشهور سعيد العاص.
وقد تابع الحزب القومي الاجتماعي اهتمامه بقضية فلسطين فنشر ودعا إلى جعلها قضية سورية عامّة. وكانت دعوته إلى القومية السورية الاجتماعية متضمّنة الدعوة إلى إنقاذ جنوب سورية من الخطر.
ولمّا عاد الزعيم من رحلته إلى المغتربات، بعد غياب استمرّ تسع سنوات بسبب الحرب، عادت المقاومات الرجعية تلعب دورها ودخل الحزب في عراك شديد في الجمهورية اللبنانية ليثبت وجوده نهائيًّا وحقّه في حمل رسالته وبثّ دعوته الحقيقيتين.
وقد استغرق العراك المذكور سبعة شهور طويلة بذل فيها الحزب من المجهود وأنفق من المال ما لو بذل وأنفق في العمل القومي الاجتماعي بانتظام، لكان ينتظر أن يكون أدّى إلى نتائج عملية كبيرة،
ولكنّ السياسات الخصوصية أبت أن تترك لهذه الحركة العظيمة حرّية العمل فقامت تعرقل سير الحزب عرقلة لم تفد إلّا عدوّ الأمّة والوطن.
حالما خرج الحزب السوري القومي الاجتماعي من عراكه الأخير منتصرًا، بعد أن كلّفه العراك ما كلّفه، وكانت المسألة الفلسطينية قد بلغت في تطوّرها الإنترنسيوني حدًّا خطيرًا وجّه الزعيم عنايته الأولى إلى هذه المسألة وقرّر القيام بحشد سوري قومي اجتماعي عامّ في بيروت في الثاني من نوفمبر [تشرين الثاني] الماضي، يوم تصريح بلفور المشؤوم، ليعلن لمنظّمة الأمم المتّحدة وللعالم أجمع موقف الحركة القومية الاجتماعية والأمّة السورية من المحاولات الجارية لنزع حقوق الأمّة السورية عن فلسطين وإعطائها للغرباء اليهود.
ولو لم تتّخذ الحكومة اللبنانية موقفًا مانعًا من تنفيذ الحشد المذكور لكان شهد العالم أعظم حشد منظّم تعرفه سورية كلّها وأعظم حشد منظّم في العالم العربي كلّه.
وقد حالت الصدمة المذكورة بين الحزب والعمل في سبيل فلسطين كما كان في مقدور الحزب أن يفعل.
ولكنّ الزعيم لم يتخلّ عن القصد العظيم، فأوقف الحشد منعًا من الاصطدام مع القوّات اللبنانية وعوّض عن خطابه الذي كان مزمعًا أن يرتجله، برسالة إلى القوميين الاجتماعيين والأمّة السورية، فصّل فيها ببيانه وإقدامه ونظرته العالية قضية فلسطين وغيرها من القضايا القومية وأظهر مساوئ العلاجات اللّاقومية وحمل على سياسة الخصوصيات والاحتكارات الوطنية التي وصلت بالمسألة الفلسطينية إلى الكارثة،
وعلى الروح الاتّكالية التي ولّدتها اعتقاداته لاقومية وأوضح طريق الإنقاذ ودعا الدول السورية إلى مؤتمر تجمع الشؤون السورية ويقرّر نهجًا سوريًّا عامًّا في صدد تطور المسألة الفلسطينية ولكنّ سياسة الخصوصيات وفوضى العمل القومي ظلّتا مسيطرتين.
ولمّا ظهرت نتيجة اقتراع الجمعية العمومية لمنظّمة الأمم المتّحدة قامت السياسة الاعتباطية غير المسؤولة بحملة تحريض عجّلت الأعمال العدائية في فلسطين وابتدأت الإرهابات وأعمال التقتيل فأصاب السوريين إرهاق وخسائر في النفوس والأموال عظيمة وانفضح عجز السياسات الخصوصية التي عالجت المسألة الفلسطينية علاجًا خصوصيًّا.
عندما اشتدت الحالة وكثرت الخسائر السورية في فلسطين وعظمت الفوضى، قامت الإدارة الحزبية المركزية باتّصالات وبعدّة محاولات لتنظيم تعاون بين العاملين لإنقاذ حالة فلسطين. ومن الاتّصالات المتوالية ما قام به حضرة عميد التدريب الأمين أديب قدورة مع “مكتب فلسطين الدائم”.
وقد عرض العميد فكرة تشكيل جحفل سوري قومي اجتماعي يتولّى الأعمال الحربية في جبهة تقرّر مع القيادة العامّة.
ولكنّ مساعي العميد لم تلاقِ روح تعاون وقيل له إنّ “المكتب” لا يتألّف من أحزاب ولا يعمل مع أحزاب!! ولم تصل مساعي الحزب بجميع الطرق، للوصول إلى التسليح، إلى نتيجة إيجابية.
تجاه هذه الحالة أخذت تتشكّل فرق سورية قومية اجتماعية تشكّلًا غير ذي صبغة حزبية.
فقام قوميون اجتماعيون بجمع قوّة متطوّعة غير حزبية انخرط فيها عشرات القوميين الاجتماعيين الذين صاروا مئات وتمركزت أعمال المجاهدين القوميين الاجتماعيين في منطقة صفد وقد سقط منهم عشرات في القتال، خصوصًا الفرقة التي سارت من الحفّة، منفّذية اللّاذقية العامّة، التي سقط عدد قليل من أفرادها في معركة صفد.
وقد قام القوميون الاجتماعيون في مناطق عكّا وحيفا والقدس بتنظيم قوّات قومية اجتماعية أعطت نتائج باهرة شهد بها كلّ العاملين بإخلاص من رؤساء لجان وقادة مواقع وغيرهم.
وأدّى الخبراء القوميون الاجتماعيون في الكهرباء والكيمياء خدمات جليلة بتأمين المواصلات التلفونية وغيرها بين الجبهات ومركز القيادة وبصنع المتفجّرات وبنسف مراكز القوّة اليهودية.
وسنفصّل ذلك في جدول خاصّ حالما نستكمل المعلومات المطلوبة.
في أوائل هذا الشهر، قبل زحف القوّات السورية والمصرية وقد تحرّجت الحالة في أورشليم، اتّصلت رئاسة لجنة الدفاع وقيادة الحركات السورية في تلك المدينة بمنفّذية القدس العامّة وعرضت على المنفّذية استعدادها لقبول أيّة فرقة قومية اجتماعية محاربة تقوم بقوّادها وعلمها وألويتها وتأمين مؤونتها وتعويضًا شهريَّا معيّنًا، وتجهيزها بالسلاح والذخيرة، إذا لم يكن لها سلاح ونقلها من أيّة نقطة إلى جبهة أورشليم.
فأوفد منفّذ أورشليم العامّ مندوبًا يبلّغ عمدة التدريب ما عرض على المنفّذية العامّة. وعرضت عمدة التدريب الأمر على الزعيم الذي قرّر فورًا، قبول العرض وأصدر أوامره بتعبئة كتيبة كاملة وتوجيه سريّة أولى في أقرب فرصة، وبإرسال مفاوض مركزي يجتمع إلى لجنة القدس وقيادتها للاتّفاق النهائي على جميع التريبات التي تؤمّن وصول السرية الأولى إلى مركزها وأماكن إقامتها ونوع سلاحها وإعاشتها وغير ذلك.
وبينما الوفد يتهيّأ للانتقال إلى أورشليم قدم موفد آخر من منفّذية أورشليم يحمل معلومات جديدة وهي أنّ إدارة الموقع السوري في القدس قد عدلت عن تقديم سلاح للفرقة القومية الاجتماعية وأنّها تتعهّد بتقديم الذخيرة والإعاشة والتعويض الشهري فقط. فأوقف الزعيم الوفد المركزي عن السفر وأمر بإبقاء المعبّئين في حالة الاستعداد فقط.
إنّ القوميين الاجتماعيين يجدون أنفسهم في حالة نفسية وألم شديد من الأساليب الخصوصية التي حرمتهم من تقديم كلّ المعونة التي كان يمكن منظّمتهم البديعة تقديمها في الناحيتين السياسية والحربية. والذين يحاربون منهم في عدّة جبهات وتحت عدة أعلام سوريون ويحاربون متألمين لعدم تمكّنهم من رفع علمهم والاستقلال بصفوفهم وقيادتهم المحلّية وحرمانهم من إظهار ما يمكن نظامهم البديع وروحيتهم الحربية الممتازة أداءه في المعارك الدائرة وهم وإن حرموا رفع علم الزوبعة القومية الاجتماعية في الساحة فقد رفعوه خفّاقًا في قلوبهم بين ضلوعهم. الشهداء الذين سقطوا وهم ينشدون:
سورية! لك السلام سورية! نحن الفدى!
سورية! لك السلام سورية! أنت الهدى!
النشرة الرسمية مايو [أيّار] 1948.



Even a Kurdish person can be a Syrian National Social martyr in Ifreen (Syria)
Posted by: adonis49 on: March 23, 2020
Even a Kurdish person can be a Syrian National Social martyr in Ifreen (Syria)
اليوم ذكرى استشهاد الرفيق كمال عبد الحنان ، المعروف باسم الرفيق حنان ..
صاحب وقفة العز القومية أمام المحكمة العسكرية في بيروت ختم حياته بالشهادة نتيجة قصف العدو التركي لمدينة عفرين .
وفاء للشهيد ، ننشر مرافعته أمام المحكمة العسكرية :
” حضرة الرئيس ،
أنا الرفيق كمال عبدالحنان كردي، أصلي من عفرين . في منطقتنا طوائف عديدة: سنة،علويون ،مسيحيون ،يزيديون، عبدة الشيطان و عباد النار و غير … ،
كل واحد منهم يدعي الخلاص وصحة ايمانه حتى أن من يلعن الشيطان أمام عباد الشيطان يُذبح فوراً.
الطوائف جميعها كانت ولا زالت على خلاف مستمر، زاد الطين بلة ظهور حركة القومية العربية العرقية فأسرع الأكراد بالمطالبة بدولة عرقية كردية مستقلة، رغم علم المثقفين أن هذه الدويلة ضررها بالغ عليهم اولاً ثم على غيرهم.
وعندما تعرفت وإعتنقت أنا العقيدة القومية الاجتماعية إختفت عرقيتي الكردية وعنصريتي الجامحة وتصالحت مع المجتمع السوري الذي يحضن الجميع في إطار القومية الاجتماعية.
في القومية الاجتماعية لم أعد معنفصاً بكرديتي على جميع ما عداها، ولا عدت محتقراً إزاء الآخرين. بل الجميع سواسية في المعتقد والانتماء والأخلاق. وشعرت بالمساواة الجوهرية والحقيقية ،
أنا شبه الأمي، بين المتعلمين والأساتذة تلقيت الاحترام من رفقائي وبادلتهم المحبة.
قبل انتمائي الى الحزب كانوا ينادونني “يا كردي” و لما تعرفت على الرفقاء صار اسمي حضرة الرفيق كمال.
حسن معاملة و أمانة وحفاظ على كل مواطن وعلى الوطن.
أنا مديون للنهضة التي علّمتني حبّ بلادي وشعبي كله سواء أكانوا أكراداً أم أرمن أم سوريان أم عرباً ، من مطلق طائفة ومذهب ومنطقة..
النهضة صالحتني مع العروبة الحقيقية غير يعروبية الأوهام الدينية و العرقية و اللغوية.
أصبحت أمتي رابطها اجتماعي شراكة أرض و تفاعل و قيم. صرت مستعداً من كل قلبي وعقلي أن أضحّي لها حتى أن أموت لأجلها.
وكم سررت عندما زرت أهلي في جبل عفرين فوجدت منفذية من شبابنا وفتياتنا يبلغ عددها حوالي 400 رفيق ورفيقة، وقد تحرروا من سخافات التوهّم العرقي وأدركوا معنى الانتماء الاجتماعي والولاء القومي المنبثق من الجغرافية والتاريخ .
حضرة الرئيس انا أحب عقيدتي و حزبي وكل عضو فيه ،ومستعد للفداء .
تحيا سورية ليحي سعادة
Wonderful letter of Alissar Saadi on the occasion of the execution of her father on July 8,1949
Posted by: adonis49 on: July 28, 2019
Wonderful letter of Alissar Saadi on the occasion of the execution of her father Leader Antoun Saadi on July 8,1949
When Leader Antoun Saadi, the founder of the Syrian National Social Party was executed by a firing squad at age of 45, he left 3 little daughters, Alissar (was 4 year-old), Safiyya, Raaghidat and barely 400 LL.
His eldest daughter Alissar published a letter on the anniversary of his execution.
الامينة اليسار أنطون سعاده
ها قد اجتمعنا أخيراً يا والدي.
هل أنت من أرسل إليَّ هذا الزائر القادم من وراء البحار، يدخل بيتي ويفتح خزائني الموصودة، يهز قلبي ويقرعه قرعاً عنيفاً؟!
تعرف أنني حاولت غير مرة أن أكتب إليك، فكانت أناملي تخونني كلما أمكست بالقلم. هل من حسن طالعي أم من سوئه، أن جاءني هذا الزائر الذي لم أره ولم أسمع به من قبل؟
بدأ يسألني أسئلة غريبة محرجة جارحة كأنه يعرفني منذ ألف سنة. حين سألت عنه صديقة لي تعرفه، قالت إنه هجر الصحافة، لكنه يكتب بين حين وآخر كلمات على هواه.
هي فرصة أبتهلها على كل حال، لأترك نفسي على سجيتها وأخاطبك ملء جوارحي. أحبك يا والدي وأشعر ببعاد عينيك. أتصورك ظلاً لما لا أرى وأتساءل: لماذا كُتب عليَّ وعلى شقيقتيَّ صفية وراغدة، أن نحتمل هذا القدر الذي يكاد ثقله يحبس علي أنفاسي؟
كنتَ فاجعتنا الأولى، ثم ماتت والدتنا بعد صراع مر مع المرض.
فقدتُ زوجي الأول، ثم فقدتُ زوجي الثاني، وقبل سنوات فجعتُ بولدي سعادة، ولم يبق لي من زواجي إلا ابنتي الوحيدة. سمّيتها جولييت على إسم جدتها، وهي تسكن بعيدة عني ألوف الأميال.
كيف لطفلة وامرأة مثلي أن تنسى أمها وأن تنسى ولدها الوحيد؟ هو جرح سيرافقني إلى آخر الطريق، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما يقول المؤمنون.
أنا كثيرة الشكوك كثيرة الظنون، يا أبي، ولا أملك من السماء ملاءة أستطيع أن أحتمي بها. تمر أيام فأنسى أن كان لي ولد وكانت لي والدة. أنسى وجودي، لكن لا أخفيك أني ما شعرتُ مرة أنك غبت عني.
ما الذي فعلته في حضورك وفعلته بعد غيابك، حتى صرت كبيراً في حياتي إلى هذا الحد؟ غريب أمري معك ولا أعرف سرّه. رافقتُ والدتي ثلاثين عاماً، ورافقتُ ولديّ ثلاثين عاماً ورافقت زوجي سنوات طويلة. احياناً أنساهما لبعد ما افترقنا، لكن ما مرّ يومٌ ونسيتك، على الرغم من أني لم أرافقك إلا أربع سنوات من طفولتي، لا أذكر منها إلا النزر اليسير.
كثيراً ما تساءلت: لماذ تركتني ووالدتي وشقيقتي بهذه السرعة؟ سمعتُ أن بعض من انضووا في حزبك ساءهم أمر زواجك. منهم من امتعض وتساءل: أما كان أفضل لو أن الزعيم لم يتزوج؟! هكذا البشر، لا يصبحون حكماء إلا بعد فوات الأوان. الآن صرت أفهم سبب امتعاضهم.
أما كان أفضل لو بقيت عازباً؟ أقطع بأنك لو كنت عارفاً بمصيرك وما سوف تخبئه لك الأقدار لعدلت عن الزواج. هل تذكر الدقائق الأخيرة من حياتك، حين سألت جلاديك أن يسمحوا لك بأن ترى زوجتك وبناتك الثلاث، فجاء جوابهم بالرفض. هذا وحده سبب كاف كان ليجعلك تتمنى لو أنك لم تتزوج، وترزق بنات ثلاثاً، ويجعلني أتمنى لو لم آت إلى هذه الدنيا.
قلت إنني اقطع بذلك، غير أنني لا أشك للحظة واحدة، أنه لو عاد الزمن إلى الوراء، وخيِّرت بين طريق القدر المحتوم الذي أدى إلى إعدامك رمياً بالرصاص، وبين أن تعيش بيننا بأمان، أستاذاً جامعياً أو كاتباً في المهجر أو في الوطن، وحولك زوجة تصونك وترعاك، تحبّها وتحبّك، وبنات صغيرات يتسلقن كتفيك ويكبرن أمام ناظريك، لاخترت طريق القدر المحتوم، على رغم علمك بما سوف يكتنف هذا القدر من عذاب ستعانيه زوجتك في السجون وخارج السجون، وما ستعانيه بناتك الصغيرات، من ألوان الحزن والبؤس والشقاء.
هذا ما قلته للزائر الغريب. هل تعرف كيف عرفت الجواب؟ سوف أجيبك: لقد أصغيتُ كثيراً لما كانت والدتنا تقوله عنك، قرأتُ كل كلمة كتبتَها، وسبرتُ أغوار نفسك، وفهمتُ ما كانت الأرض تعنيه لك، وما كانت تعنيه تلك النهضة التي أردتها جبارة “برجالها ونسائها العاملين على حياة سوريا ومجدها”.
أعرف ذلك لأن سوريا المنشودة الموعودة كانت لك أهم من نفسك ومن زوجتك وبناتك. “ألست أنت من علمنا مبادىء الحياة وقواعد البطولة وشق للأمة طريق الشهادة وأعطاها دماءه الطاهرة”، كما كتب أحد رفاقك، ثم ألست أنت من كان يقول: “إن الدماء التي تجري في عروقكم هي وديعة الأمة فيكم متى طلبتها وجدتها؟”.
ولأنني أعرف ذلك، أحببتك زعيماً قبل أن تكون أباً، وأحبتك والدتنا زعيماً وباعث نهضة قبل أن تكون زوجاً وعاشقاً، وأبت بعد رحيلك إلا أن تسير على دروب الكفاح، حيث الوطن، تفانياً وعشقاً وتضحية ونكران ذات.
كثيرة هي المرات التي جلستُ وحيدة أسأل نفسي: لماذا كُتب عليَّ وعلى شقيقتي أن نرحل عن مسقط رأسنا في تلك البلاد التي يعني إسمها أرض الفضة (الأرجنتين) ونأتي إلى بلاد الحديد والرصاص والدم والعدم؟
سألني الزائر الغريب إذا كنت أذكر شيئاً عنك. كيف أذكر وقد كنت في الثالثة من عمري؟ أذهب في التذكر كل مذهب. أحاول أن أسترد أصداء أصوات بعيدة، فيأتيني صوت يشبه هفيف الموج ينساب بين ثنايا الصخور، أو همس النسيم يلامس أوراق شجر الحور. أحاول أن أتبين شيئاً من تلك الصور والخيالات فلا أظفر من ذلك كله بشيء. أقهر نفسي وأجبرها على التذكر.
أتمثلك تحملني بين ذراعيك القويتين. تسرح شعري، تضمني وتلاعبني. تطبع قبلة على خدي، تدب على الأرض وتحملني فوق ظهرك وتقول: هذا حصانك يا أليسارتي. لا أخفيك يا والدي أنني كنت ولا أزال أحس بشعور غريب كلما تأملتُ في صور بيضاء سوداء لك مع أولاد وبنات صغار، فتعتريني غيرة بريئة لا أقدر على وصفها، وأتمنى لو كنت واحدة منهم. لا أعرف شيئاً عن علاقتي بك إلا ما كانت تسره لي الوالدة.
سمعتها مرة تقول إن عينيك لمعتا بدمع الفرح ساعة اجتمعنا بك للمرة الأولى عند مجيئنا إلى لبنان. كنت في الثالثة من عمري حين وصلنا إلى بيروت. كانت الباخرة التي حملتنا من الأرجنتين وعبرت بنا الأطلسي كبيرة، تحمل الناس والحقائب والحنين، وكانت كبيرة إلى حد أنها حجبت عن عيني الصغيرتين ذلك المحيط الذي سمّاه العرب بحر الظلمات. غريب كيف يرتكب العرب كثيراً من الأخطاء، لكن ما أعظمهم حين يصيبون بلغتهم كبد الحقيقة!
لو عرفت قبل رحيلنا عن الأرجنتين ما سوف تسوقه لنا الأقدار في لبنان، لن أجد وصفاً أدق من ذلك الوصف الذي أطلقه العرب على ذلك المحيط الهائل. بحر الظلمات. يا للأمر من مفارقات عجيبة غريبة. لم تكن يا والدي في انتظارنا ساعة وصلت الباخرة إلى مرفأ بيروت. لم أعرف السبب إلا بعد سنوات، حين قرأتُ وفهمتُ من والدتنا أن رجال الشرطة كانوا يبحثون عنك ذلك اليوم، ويطاردونك من مكان إلى آخر.
شعرت بحسرة لأنك لم تكن على المرفأ. كان في انتظارنا كثيرون من رفقائك. لا أنسى ساعة انطلقوا بنا نحو الجبال ووصلنا إلى ضهور الشوير، حيث كنت معتصماً وتحت الحراسة. كان الناس حولك، وكانوا يتكلمون بلهجات لم أفهم منها شيئاً، تختلف عن العربية الفصحى التي علّمتنا أن نتخاطب بها في بيتنا في الأرجنتين.
سألني الزائر الغريب إذا كنت أذكر شيئاً من طفولتي في تلك البلاد؟ أحاول فلا أرى غير أطياف وخيالات، وظل سيارة مسرعة. كنت في الثانية من عمري حين عدوت خارج البيت إلى حيث الشارع الطويل. صدمتني سيارة كان يقودها رجل عجوز وسقطت على الأرض كجثة هامدة. ركضت شقيقتي صفية إلى أمها والرعب في عينيها، تبكي وتصرخ: “ماما ماما السيارة قتلت أليسار“، وإذ أنا فاقدة الوعي، وثيابي ملطخة بالدماء، وعيناي متورمتان. ظنت أمي الواجمة المبهوتة التي كادت تفقد الوعي أني فارقت الحياة. حملوني إلى الطبيب وإلى المصح، وخضعت لفحوص كثيرة بالأشعة وغيرها. وحين أطل فجر اليوم الثاني عادت إليَّ نسمة الحياة، وفتحت عيني وكانت أول كلمة لفظتها بابا، فإذا بوالدي يسألني ما بي فقلت له “عندي واوا” فسأل “من أين هذا الواوا” فأجبت “من السيارة البشعة”.
* * *
سألني الزائر أيضاً عما إذا كنت تمنيتُ مرة لو أنك لم تدعنا يا والدي للمجيء إلى لبنان، ومكثت وحدك في الوطن، تصارع الجلاّدين وشيوخ القبائل والعشائر والمنافع والطوائف، وتجهد ما وسعك الجهد لتنثر بذور الوعي القومي في أرض ذلك الهلال الذي ظننته خصيباً، أو أردته أن يكون خصيباً! لو فعلت ذلك لبقينا في الأرجنتين، وتفادينا المآسي، وتفادت والدتنا عذاب السجون، أليس كذلك يا والدي؟
هل تعرف أنه لم يحدث مرةً أن حاورتُ نفسي على هذا النحو. قد يكون السبب جهلي سر القدر وأسرار الحياة والموت، وقد يكون أنني أضعف من أن أطرح على نفسي مثل هذا السؤال الذي يطرحه عليَّ هذا الزائر الغريب.
سألني الزائر أيضاً عما إذا كنت أذكر شيئاً من طفولتي في بيروت ودمشق، حيث قضيت معظم سنوات عمري. أذكر أول بيت سكنّاه عند وصولنا إلى لبنان. كان في راس بيروت، في الطبقة الأولى من بناية شقير، على بعد خطوات من حيث كان مستشفى خالدي. سكنّاه سنة واحدة (1948- 1949).
من ذاك البيت أذكر المكتب البني، وغرف النوم والرواق الذي يفصل بين الغرف، وأذكر خيالك في صورتين، واحدة جالساً إلى المكتب وأمامك كتب وأوراق، والثانية واقفاً في الحمّام تحلق ذقنك. أذكر وجهك البشوش وابتسامتك الآسرة. أذكر أيضاً مرةً، كنت وشقيقتي صفية قرب البيت نلعب “الإيكس” مع رفيقاتنا في الحي، فرأيتك قادماً نحونا والفرح يلمع في عينيك، اقتربت مني وحملتني بين ذراعيك مثل جرو صغير.
في دمشق سكنّا بيتاٌ قديماً في شارع أبي ذر الغفاري. عشت هناك خمس سنوات، من الخامسة إلى العاشرة، في ظل أشباحٍ، من الخير ألا أفصح عنها حتى لا أنكأ جروحاً!
لم يكن يخفف من صعوبة عيشنا إلا أمّ حنون، كانت كل شيء في حياتنا. عندما ساقوا والدتنا إلى السجن أخذوا أختي صفية للدراسة في معهد الفرنسيسكان، وأدخلوني روضة الأحداث. كنت الوحيدة التي تنام في المدرسة.
قبل ذلك وفي دير سيدة صيدنايا حيث بقينا أشهراً عانينا كثيرا في طعامنا ونومنا وشرابنا. أذكر أنني كنت أصعد في المساء إلى سطح الدير، ساعة يكون الجو صافي الأديم، أرقب القمر والنجوم وأتوسل إلى العناية أن تحفظ والدتي. كان في حوزتي صندوق يحوي بعض أشيائك، سُرق جزء منه وضاع معظمه، بفعل التنقل من بيت إلى بيت. ما زلت أحتفظ بمنديل لك أبيض، وساعة ومنظاراً وعلبة شطرنج.
* * *
عانينا كثيراً بعد رحيلك. بعض من ظننت أنهم كانوا إلى جانبك خانوك، وكثيرون ممن كانوا في الحزب تفرقوا شيعاً، اما سورياك فغدت قبائل ناحرة ومتناحرة.
هل خاب ظنك؟ أعرف أنك كنت تحذّر من مثل هذه النتائج التي تطفو حين تتغافل الأمة عن روحها وحقيقتها ومصالحها وحين تضعف نظرتها المتجانسة إلى الحياة. أعرف أيضاً أنك لو عدت اليوم وشاهدت ما يجري في سورياك، لقلت ما كنت تقوله في الأمس: “في أمتنا تقاليد متنافرة مستمدة من أنظمة مؤسساتنا الدينية والمذهبية، لها أكبر تأثير في إضعاف وحدتنا الإجتماعية”.
وسوف لن تنعى الأمة، بل ستعول كما كنت تعول في الأمس على روحها وتنبهها لوحدة حياتها ومصيرها وتقول كما كنت تقول: “القومية هي الشعور الواحد المنبثق من الأمة، من وحدة الحياة في مجرى الزمان. هي ليست عصبية هوجاء أو نعرة من اعتقادات أولية أو دينية، بل شعور صادق وعواطف حية وحنو وثيق على الحياة التي عهدها الأنسان. هي عوامل نفسية منبثقة من روابط الحياة الإجتماعية الموروثة والمعهودة، قد تطغى عليها في ضعف تنبهها زعازع الدعاوات والإعتقادات السياسية، ولكنها لا تلبث أن تستيقظ في سكون الليل وساعات التأمل والنجوى، أو في خطرات الإنسان في برية وطنه، أو متى تذكر برية وطنه”.
من ثم، ألست أنت من كان يقول “إن لم تكونوا أنتم أحراراً من أمة حرة، فحريات الأمم عار عليكم؟”. كنت واثقاً من نفسك ومن أنك سائر على دروب الإنتصار. وحتى حين أخرجوك من السجن مقيّد اليدين ولمحت عمود الموت المنتظر، لم تجزع، كأن الإعدام نفِّذ فيك غير مرة من قبل، وقلت لجلاديك: “أنا اموت أما حزبي فباق، وأبناء عقيدتي سينتصرون، وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي“.
* * *
قلت إن الكثير من أشيائك سُرق مني وضاع، وهناك أشياء من جسدي وروحي ضاعت مني أيضاً، هي أغلى ما يمكن أن يبقى لنا منك. عنيت بذلك رفاتك. لا نعرف حتى هذه اللحظة مكانه.
سمعنا أقاويل لا نعرف ما الصحيح منها وما هو غير الصحيح، وحاولنا مرات عدة أن نجد أثراً للرفات فلم نوفق. ما اقسى سواعد بعض الناس وما أقسى قلوبهم وأتفه ظنونهم يا أبي. يسرقون رفات عظيم مثلك، يخفونه عن رفاقه ومحبيه، وعن عيون بناته.
آه لو يعرفون ما أعانيه ساعة أرى الناس يدفنون موتاهم، أو ساعة يزورون قبور موتاهم. آه كم أود أن أعثر على شيء من رفاتك يا والدي ويا زعيمي. أزورك ولو مرة واحدة في السنة. أحتفظ لك بدمعة، وأحمل إليك طاقة زهور برية من خيرات أرضنا المعطاء. أضعها على ضريحك، أرفع يميني بالتحية وأردد نداءك: “لمن الحياة يا أبناء الحياة؟”.
وحين تعتري بلادي كآبة خرساء كما يقول خليلك جبران، وألمح التشرذم يفتك بجسد هذه الأمة، لن أفقد الأمل. سأبقى على الماء، أمشي أمشي ولن أغرق، وأنشد المقطع الأخير الأثير من قصيدة “سلام على سوريا”: لعينيك يا سوريا/ حماتك، لا لن تبور الحماة/ ستزرعنا الأمهات/ غنى من طفولة،/ كصحو الينابيع، كالزنبق،/ مواسم من قوة ورجولة،/ غداً نلتقي/ غداً في حصاد البطولة،/ ويهتف كل مع المشرق:/ سلام على سوريا.
Note 1: Israel was created by the colonial powers of USA, England France, Russia and Germany for the purpose of disturbing the daily communication, trade and travel among the same people in the same Nation called “Greater Syria”
Note 2: In 1953, three members of the party shot Lebanese Prime minister Riyad Solh in Jordan. He begged: I have 3 little daughters. the response was: Our leader also had 3 little daughters. When in the hospital in Jordan, it turned out that the surgeon was also a member and he let him die in suffering..
This stand for dignity that resumed an entire life: Leader Antoun Saadi
Posted by: adonis49 on: July 16, 2019
This stand for dignity that resumed an entire life: Leader Antoun Saadi, founder of Syria National Social Party.
Asaad Abu Khalil is a communist but he was impressed by the ideology of his founder and the Syria National Social Party members who never succumbed to waver into other ideologies or be hired as traitors to their party or other organizations.
Those who witnessed the way Antoun Saadi faced his executors on July 8, 1949 were mightily impressed with his dignity and many joined the party.
This is the only party that was bold to proclaim the separation of religion from state civil institutions and laws, and his members never divulged their sect affiliation, since this is a purely personal matter.
Note: USA/England/Israel pressured the local “leaders” in Syria and Lebanon to swiftly execute Antoun Saadi. This true leader demanded that oil be used as a weapon against the creation of the State of Israel
جريدة الأخبار
وقفة العزّ التي اختزل بها الحياة
أسعد أبو خليل….
السبت 13 تموز 2019
وقفة العزّ التي اختزل بها الحياة
مع هشام شرابي على كورنيش بيروت 1948
سبعون عاماً مرّت على إعدام أنطون سعادة ولا زلنا نتحدّث عنه. نحن لا نتحدّث عن ميشال عفلق وصلاح البيطار، بالرغم من أن الحزب الذي تأسّس على أيديهما حكمَ في بلديْن عربيّيْن وانتشرَ في كل الأقطار العربيّة. لا نتحدّث عن خالد بكداش أو أي من زعماء الحركة الشيوعيّة لأنها انهارت بمجرّد أن انهارَ راعيها.
أنطون سعادة ترك إرثاً لم يتركه هؤلاء: هو تركَ عقيدة متماسكة ـــ اختلفتَ معها أم اتفقت ـ وتركَ مؤسّسات حزبيّة ما زالت تعمل، وترك أيضاً مثالاً في البطولة عزَّ نظيره. والعقيدة ما زالت ثابتة في مفاصلها الأساسيّة وإن تشرّبت بعناصر تجديد ماركسيّة يساريّة وقوميّة عربيّة لم يؤثّر تشرّبُها على تميّز العقيدة عن غيرها من العقائد.
لكن النظر إلى أنطون سعادة وعقيدته ليس سهلاً لما اعترى الصورة من تشويه مقصود من قبل أعداء الفكرة القوميّة السورية:
لقد حاربَ هذا الحزب وعقيدته القوميّون العرب ـ على أنواعهم ــ والشيوعيّون والانعزاليّون اللبنانيّون والليبراليّون العرب في مضارب أمراء النفط والغاز.
فالحزب ليس انعزاليّاً وليس قوميّاً عربيّاً.
لكن شروحات الزعيم لمبادئ الحزب تركت من المرونة ما سمح لها بالتطوّر، مثل النزعة العروبيّة التي تصعد أحياناً (في سنوات الحرب الأهليّة) وتنخفض أحياناً (مثل السنوات الأخيرة وتصاعد نغمة المشرقيّة، التي ينطق بها بعض انعزاليّي لبنان).
فسعادة في «المحاضرات العشر»، قال إنه لا مانع من أن تكون «الأمة السوريّة إحدى أمم العالم العربي». لكن أعداء سعادة صوّروه على أنه «فيورر» عربي فيما لا تترك معرفة تاريخ سعادة في حزبه إلا قناعة أنه كان أكثر ديموقراطيّة من قادة الأحزاب الشيوعيّة والليبراليّة والقوميّة.
كان سعادة يتناقش طويلاً مع طلاّب في المدارس والجامعات ويتراسل مع أعضاء تساورهم شكوك في عقيدة وقيادة الحزب.
تقارن ذلك بجورج حاوي أو بكداش أو محسن إبراهيم في أحزابهم، أو حافظ الأسد أو صدّام في قيادة حزبيْ البعث. (لم يعرف الحزب الشيوعي اللبناني الديموقراطيّة والقيادة الجماعيّة إلا بعد مغادرة حاوي وشلّته القيادة). تقارن ذلك أيضاً بقادة أحزاب طاردوا منشقّين وقتلوهم (حزب البعث برعَ في ذلك).
(((السيادة))): لعلّ من أهم ما يلفتُ في مراجعة كتابات سعادة هو مفهوم «السيادة» الوطنيّة (أو القوميّة)، وقد وردت في «المحاضرات العشر» (حيث رأى أن سيادة الشعب نفسه ووطنه هو المبدأ الأساس) وفي «نشوء الأمم»، كما ورد المفهوم في كتابته عن دوافع إنشاء الحزب (في رسالته إلى محامي الحزب في عام ١٩٣٥).
السيادة هي معنى قانوني دستوري محدّد وغير شاعري ومبهم مثل مفهوم الحريّة الذي زرعه الغرب للتضليل بيننا، واجترّه مثقّفو العرب لأنه لا يحمل تهديداً للسلطات الأجنبيّة والمحليّة القائمة. ألم تغزُ أميركا بلادنا باسم «الحريّة»؟ ومفهوم السيادة القومي هو الذي ميّز تركيز سعادة وحزبه على القضيّة الفلسطينيّة أكثر من أي من الأحزاب المعاصرة في حينه. تنبيهات سعادة للخطر الصهيوني (بالرغم من التعبيرات المعادية لليهوديّة والتي تخلّى الحزب عنها فيما بعد) كانت صائبة وثاقبة.
تقارن ذلك بمهادنة الأحزاب الشيوعيّة مع الصهيونيّة، لأنّ أمراً أتاهم من موسكو بقبول قرار التقسيم المشؤوم في عام ١٩٤٧، وهذه الخطيئة لا تزال تقبّح العقيدة الشيوعيّة إلى يومنا.
(((الثوريّة))): الثوريّة شاملة في فكر أنطون سعادة. والذي يأتي من خلفيّة شيوعيّة مثلي لا يستطيع في مراجعة كتابات سعادة وتاريخ الحزب، إلا أن يلحظ النفس والمضمون الثوري في فكر سعادة. فهذا رجل يدعو إلى ثورة شاملة في الدولة والمجتمع (كتاب «نشوء الأمم» مُهدى من الزعيم إلى رجال ونساء الأمة السوريّة).
والثورة عند سعادة ليست كما القوميّة عند عفلق (أي «محبّة»، مع أن حب البعثيّين تحوّل إلى أشنع صراع دموي بين رفاق الحزب الواحد): هي ثورة مسلّحة لا هوادة فيها. الحركة الشيوعيّة العربيّة لم تكن ثوريّة أبداً وكانت دوماً تدور تحت سقف شعارات إصلاحيّة ليبراليّة، ولم يرغب الشيوعيّون من خلالها إلا بالوصول إلى المُرتجى ـ أي البرلمان.
ولولا المقاومة الفلسطينيّة في لبنان لما تسلّح شيوعيّو لبنان الذين كانوا مِن أوّل نابذي العنف بعد انتهاء الحرب، وقاد جورج حاوي ومحسن إبراهيم حركة اعتذاريّة عن دور الحركة الوطنيّة في الحرب ـ وهذه سابقة. وثوريّة الحزب تمثّلت بالثورات المسلّحة التي أعلنها وقادها الزعيم، والتي أدّت إلى إعدامه (لم يكن الإعدام عفويّاً،
لو ربطنا بين «حادث الجميزة» ودور رياض الصلح، وإخفاء جثّة الزعيم — راجع كتاب أنطوان بطرس، «قصة محاكمة أنطون سعادة وإعدامه»). والانقلاب الفاشل في ١٩٦١ كان يفترض فيه أن يشكل ثورة ومشروع إقامة أوّل نظام لبناني غير طائفي هو ثورة بحد ذاتها، بالرغم من الارتباطات الرجعيّة اليمينيّة للحزب من ١٩٥٨ حتى الانقلاب.
اللغة والعقيدة: كتب سعادة بلغة متينة جمعت بين معرفته بعدد من اللغات وأدوات التحليل الاجتماعي. ونحت سعادة عدداً من المصطلحات (مثل «النرفانيّة» عن الـ «نيرفانا» الهنديّة) لكن الأهم أنه كتب لغة علم الاجتماع الغربي الحديث بلغة عربيّة سليمة وبليغة لكن سلسة. وهذا التحدّي لا يزال صعباً على الأكاديميّين العرب.
لكن هنا المشكلة في استعانة سعادة بعلم الاجتماع الغربي:
١) أنه وازاه في اليقينيّة بالعلوم الطبيعيّة،
٢) استعانة سعادة بعلم الاجتماع الغربي، وخصوصاً علم الأنثروبولوجيا، أوقعه في عنصريّة واستشراق هذا العلم، مع ملاحظته لبعض النواحي العنصريّة فيه (مثلما لاحظ «التحامل على السلالات» في أميركا (ص. ٢٦، من «نشوء الأمم»). وسعادة لم يكن كما رسمه كاريكاتور كارهيه: أنه نقل العقيدة النازيّة. من قال ذلك لم يقرأه (نفى ذلك في «المحاضرات العشر»). هو رفض تحديد السلالات على أساس لون البشرة وسخر من ذلك، لكنه اعتمد على الأنثروبولوجيا الغربيّة في الركون إلى فصل السلالات بناء على حجم الجمجمة مع أنه دحض الفكرة العنصريّة الغربيّة عن «نقاوة» السلالة ووصفها بـ «الفاسدة بالمرة» (ص 33 ـ «نشوء الأمم»).
لكن سعادة تحدّث عن سلالات «راقية» وأخرى «منحطة». لكن تطوّر العقيدة يسمح بإهمال هذه العناصر من الفكر المؤسس، ودراسة العقيدة القوميّة السوريّة مزدهرة لكن في اللغة الإنكليزيّة فقط للأسف (كتب سليم مجاعص وعادل بشارة).
إن هذه العقيدة والالتزام الحزبي أنتجا أجيالاً من القوميّين وحميا من الارتداد والتساقط والخيانة: ينعزل القومي السوري، لكنه لا يخون (ألهذا جنّد وديع حدّاد من بينهم ولم يجنّد من أحزاب لبنانيّة أخرى؟).
تقارن ذلك بعشرات القادة والمثقّفين الشيوعيّين الذين انهاروا بمجرّد سقوط الاتحاد السوفياتي. وهذا مرتبط بفشل أو عجز الشيوعية العربيّة عن إنتاج أدب سياسي محلّي على غرار إنتاج سعادة بالرغم من سقطاته وعيوبه. وتماسك العقيدة رسّخ المبدئيّة في الحزب، حتى عند الذين غادروا الحزب. لا ترى في هذا الحزب نماذج مثل كريم مروّة، وهو ينتقل من ستالينيّة سوفياتيّة متحجّرة إلى رأسماليّة ليبراليّة، ومن مديح المقاومة إلى هجائها في ص
(((العلمانيّة))): نجح الحزب في اعتناق وبث علمانيّة جذبت إليه جمهوراً متنوّع الطوائف. لم يتنوّع حزب لبناني في الطوائف (والجنسيّات) كما تنوّع هذا الحزب.
وفيما أحجمت الأحزاب الشيوعيّة العربيّة عن نقد الدين (باستثناء تجربة حسين رحّال في بدايات تاريخ للحزب الشيوعي العراقي) وحتى عن الترويج للعلمانيّة (قصّر الشيوعيّون العرب كثيراً في هذا، خصوصاً في لبنان وفلسطين، حيث تحوّلت ساحة مُرحبة بالعلمانيّة في الستينيّات والسبعينيات إلى ساحة تحتضن تيّارات دينيّة متزمّتة في الثمانينيّات وما بعد). خاف الشيوعيّون العرب من تهمة الإلحاد،
فتجاهلوا الموضوع بالكامل ولم تكن الماديّة جزءاً من الخطاب الشيوعي العربي. سعادة في «نشوء الأمم» لم يتساهل في «نقد التعليل الديني ونقضه»، وفي السخرية منه.
وضع سعادة التفسير العلمي مقابل التفسير الديني الغيبي عن النشوء. والصرامة العلمانيّة للحزب تجلّت في مبادئ الحزب التي شرحها الزعيم في «المحاضرات العشر»، حيث اعتبر أن العلمانيّة تتضمن فصل الدين عن الدولة و«منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء». بهذا الاختصار، وصف الزعيم دولة مدنيّة لم يجرؤ الشيوعيّون على المطالبة بها (كان جورج حاوي يقبّل صلبان رجال الدين عندما يلتقيهم).
(((الأمثولة))): البطولة عند سعادة هي للفرد وللجماعة القوميّة. لقد ترك سعادة مثالاً غير عادي في المشرق العربي نتيجة مواجهته الشجاعة للإعدام، وفي تحدّيه للسلطات اللبنانيّة العميلة. وقفة سعادة في المحكمة الباطلة كانت وقفة العزّ التي اختزل الحياة فيها. لكن هذه الوقفة أصبحت الأمثولة التي ينشأ عليها القوميّون والقوميّات. هي عنصر من عناصر إرث سعادة الكبير.
من ملف : 70 عاماً على استشهاده…..
70 عاماً على استشهاده: أنطون سـعادة الآن وهنا
فكرٌ من وجهة نظر المستعمَرين
قصّة بلاد تقاتل غزاتها
استشرف ثورة الشرق وسقوط أميركا