Posts Tagged ‘الجمر والرماد’
How West Beirut resisted to world pressures in 1982? Part 30
Kamal Nader posted on Fb his biography Amber and Ashes
ذكريات الجمر والرماد . 30 .
عندما وصلت الحرب الى بيروت وتم حصار القسم الغربي منها ، جرى تحصينها بشكل قوي جدا وغير قابل للاختراق برغم كل القصف الجوي والبحري والمدفعي ،
وكان المدافعون عنها مصممين على الصمود الى ما لا نهاية ، ومن بين المدافعين كان هناك لواء من الجيش السوري هو اللواء 83 صمد وقاتل الى جانب القوات الفلسطينية واللبنانية المدافعة عن بيروت .
ولقد بدا واضحا لإسرائيل وامريكا وللدول العربية ان اختراق بيروت الغربية شبه مستحيل خصوصاً بعد معركة المتحف التي اشرنا اليها في الحلقة السابقة .
والجدير بالذكر ان اهالي بيروت تحملوا الحصار والعطش والحرمان من الكهرباء والنقص في المواد الغذائية وحتى الخبز والطحين ، ولم تصدر اصواتٌ تطالب الصامدين بالاستسلام والخروج من بيروت .
كانت الروح القومية ما زالت قوية ولم تتحول الى تيار يتحرك بالعصبية المذهبية والمال كما حصل بعد 1992 .كما أن القيادات السياسية والشعبية ابدت الصبر والصمود ولم تطالب المقاتلين بالتسليم لشروط العدو .
وكان فيليب حبيب يفاوض نيابة عن بيغن وشارون ، تارةً بالديبلوماسية وطوراً بالقصف الجهنمي عندما يرفض المقاتلون شروط الاستسلام والرحيل . وقد توصل اخيرا الى اتفاق مع منظمة التحرير يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان الى بلدان عربية بعيدة عن فلسطين كاليمن وتونس والسودان
، وخروج اللواء 83 السوري الى البقاع، وأن تزال الالغام والتحصينات من محيط بيروت الغربية وان تفتح الطرقات مقابل ان يتوقف القصف الاسرائيلي ، وقدمت امريكا ومجلس الامن الدولي ضمانات بعدم دخول القوات الاسرائيلية او غيرها الى بيروت الغربية وبضمان امن المخيمات الفلسطينية ،
وعلى هذا الاساس غادر ياسر عرفات وقادة منظمة التحرير ومقاتلوها ومختلف الفصائل بيروت على متن سفن قدمت خصيصا لنقلهم الى ” المنافي البعيدة ” وجرى لهم وداعٌ مؤثر جدا شارك فيه كثير من السياسيين وقادة الاحزاب اللبنانية والحركة الوطنية .
في هذا الجو الصاخب والمذهل كان قد تم انتخاب بشير الجميل رئيسا للبنان ، وهو انتخاب مصاب بكثير من العيوب الدستورية والسياسية خاصة وانه تم تحت بنادق الاحتلال وجنازير دباباته ، فقد جرى جلب عدد من النواب الى ثكنة الفياضية بواسطة ملالات اسرائيلية وجمعوا هناك وصوتوا على تنصيب رئيس يتعامل مع دولة العدو وينسق معها منذ زمن بعيد اعمالا حربية ادت وتؤدي الى قتل ابناء الوطن وتدمير عمرانه وقصف مدنه وعاصمته ،
وكل هذا يقع تحت احكام الدستور وقانون العقوبات وبند الخيانة العظمى والتآمر على سلامة الوطن .
جرى هذا الانتخاب في القسم الاخير من شهر آب 1982 ، وشعر انصاره بالنصر وبشروا بولادة “لبنان الجديد ” وتوقع الصهاينة ان يعقد بشير معاهدة صلح معهم وان يكون لبنان رأس السهم في توجههم نحو الفرات ، الخط الازرق الاعلى في علم اسرائيل ، وان يكون الخاصرة الخطيرة التي تحاصر سورية وتلتف حولها من جهة البحر ،
واعتقدوا هم والامركان بأن الشام لا بد ان تستسلم وتوقع الصلح في وقت ليس بعيداً ، وقد جرى لقاء بين بشير الجميل ومناحيم بيغن في مستعمرة نهاريا الساحلية للطلب منه والضغط عليه لتوقيع الصلح في اقرب مدة بعد استلامه الرئاسة في 23 ايلول حسب المهل الدستورية للنظام اللبناني إذ انه في هذا التاريخ عادة ما تنتهي ولاية رئيس وتبدا ولاية الرئيس التالي .
لكن ذلك لم يحصل ففي 14 ايلول حصلت عملية حبيب الشرتوني في الاشرفية فقتل بشير الجميل وتحطمت احلام اسرائيل وامريكا فاصيبوا بنوع من الهستيريا والجنون ،
وفجأة سقطت كل الضمانات الدولية واندفعت قواتٌ اسرائيلية لتجتاح بيروت الغربية وسط ذهول الناس واحباط عام عند المقاتلين الذين خدعهم فيليب حبيب ففككوا خطوط دفاعهم وتحصيناتهم ، وهكذا اصبحت كل بيروت تحت الاحتلال وسادت حالة من الفوضى والضياع عند القيادات والشعب ،
ثم جلب الاسرئيليون ميليشيات عميلة لهم جلبوها من الشريط الحدودي وشاركتها مجموعات من القوات اللبنانية واباحوا لهم مخيمات فلسطينية طيلة ثلاثة ايام ونصف فارتكبوا مجزرة هائلة في مخيمي صبرا وشاتيلا ذهب ضحيتها اكثر من 1400 قتيل من النساء والاطفال والكهول وبعض الفتيان الذين لم ينسحبوا مع اخوتهم المقاتيلن الذين خرجوا الى المنافي ، وصحا العالم على اهوال مذبحة تعيد مشهد المذابح التي ارتكبتها عصابات الصهاينة في فلسطين ومصر وجنوب لبنان خلال كل تاريخ الصراع مع هذا العدو الذي ما زال يسفك دمنا كل يوم .
وسط هذا الجو الرهيب انطلقت اعمال المقاومة الوطنية ،
وكانت طليعتها عملية ” الويمبي ” الشهيرة التي نفذها البطل القومي خالد علوان في شارع الحمرا ببيروت حيث شاهد ضباطا اسرائيليين يجلسون في ذلك المقهى فهاجمهم بواسطة مسدس واصاب عددا منهم فسقطوا بين قتيل وجريح ليغيب هو بين الناس الذين امنوا له مجال التخفي والخروج من مسرح العملية دون ان يستطيع الصهاينة ان يعتقلوه .
كانت هذه العملية الصدمة الايجابية التي اوقفت روح الهزيمة والاستسلام واطلقت روح المقاومة والرد فتتابعت بعدها العمليات ضد الجيش الاسرائيلي وكانت ابرزها عند ” محطة ايوب ” وكورنيش المزرعة وجسر الكولا وعائشة بكّار وكلها عملياتٌ ناجحة وتشارك فيها مقاتلون قوميون وشيوعيون ويساريون جمعهم النضال ضد العدو وادت الى تدمير واعطاب آليات مصفحة ومقتل وجرح عدد كبير من الجنود الصهاينة ،
وهذا الامر ادخل الرعب في قلب جيش العدو فقرر الانسحاب من بيروت الى خلده وراح الجنود يذيعون بمكبرات الصوت نداءات يرجون فيها من الناس ألا يطلقوا النار عليهم ويؤكدون بأنهم خارجون من مدينتهم .
خرجوا اذن لكن العمليات لاحقتهم في الضاحية الجنوبية وعند تقاطع ” كاليري سمعان ” وكورنيش الحدث ، وخلده ،
وفي الجبل واشهرها عملية عاليه التي نفذتها مجموعة من القوميين بقيادة عاطف الدنف كمنت لمدة ثلاثة ايام في بستان يرتفع فوق طريق بيروت – شتورة وانتظرت الى ان وصل باصٌ محمل بالجنود تحرسه جيبات ودبابة ثقيلة فهاجموا الرتل بالقذائف الصاروخية ( آر بي جي ) وبالرشاشات فدمروا الدبابة والجيبات وامطروا الباص بالرصاص ثم انسحبوا الى قراهم الجبلية .
كانت حصيلة العملية باهظة جداً على اسرائيل وتبعتها عمليات عديدة في قرى بعلشميه ورويسة البلوط وراس المتن ،
الى درجة جعلت وزير حرب العدو ارئيل شارون يأتي شخصياً ليعاين هذه القرى التي كان يفترض من الناحية المذهبية بأن تكون موالية له او على الأقل مسالمة مع قواته .
ويروي القوميون في الرويسة انهم اثناء وجود شارون وجدوا أن من الممكن الاغارة عليه وعلى موكبه وقتله لكنه غادر بسرعة قبل ان تكتمل خطواتهم لضربه ونجا من موت شبه مؤكد .
لكن وبكل اسف كان هناك عملاء لهذا العدو وشوا بالمقاومين فجرى اعتقال البطل عاطف الدنف وسجنوه مع رفاقه في معتقل ” انصار ” حيث كان هناك ايضاً سمير خفاجة وامين الاحمر وفيصل الحلبي وهم الذين كانوا في 21 تموز 82 قد نفذوا عملية بارزة سموها ” اسقاط سلامة الجليل “ وهو الشعار او العنوان الذي اعطاه الصهاينة لحربهم واجتياحهم لبنان .
ففي ذلك التاريخ 21 تموز تمكن القوميون من توصيل ثلاثة صواريخ ” غراد ” بواسطة شاحنة بيك أب محملة بالخضار من البقاع الى حاصبيا ، ثم نصبوها عند نقطة ” سوق الخان ” واطلقوها على مستعمرة كريات شمونة في الجليل ليقولوا لبيغن وشارون إنكم لن تكونوا بمأمن لا انتم ولا مستعمراتكم في ارضنا المحتلة .
كان بيغن قد تباهى امام اليهود والعالم قبل يومين من العملية بأن قال ” إنه بتعهد بان لا يسقط اي صاروخ او قذيفة على الجليل طيلة اربعين سنة “ ، فجاءه الرد ليس ببيان كلامي بل بالنار والارادة والشجاعة ،
ويقوم حالياً نصبٌ تذكاري في النقطة التي اطلقت منها الصواريخ في سوق الخان … والمؤسف انه كان هناك ايضا عملاء وشوا بالمقاتلين فتم اعتقالهم وسجنهم في معتقل ” انصار ” وهناك التقوا مع رفاقهم ليخططوا لعملية الخروج الكبير من المعتقل في 8 آب 1983 . وهي عملية اذهلت اسرئيل وترقى بمستواها لتشابه عملية ” الفرار الكبير ” في الحرب العالمية الثانية والتي يتفاخر بها الامريكان ووثّقوها في فيلم سنمائي يحمل هذا الاسم .
طال النص فالى اللقاء واسلموا للحق والجهاد لأجل بلادكم الجميلة والعظيمة والكريمة .
Amber and Ashes: Biography of Kamal Nader
How the members of the Syria National Social Party (SNSP) captured the highest strategic pic in Sannine (The French Observatory” from the allies to Israel during Lebanon civil war.
The USA warned that this position is a threat to its presence in the Eastern shores of the Mediterranean Sea because radars could detect far into Italy.
ذكريات الجمر والرماد . 27 .
مع انتصاف العام 1980 بدا ان الحرب في لبنان تتجه نحو التصعيد الدولي وانها لن تكون بعد الآن حربا داخلية او ” اهلية ” ، بل ستصبح حربا اقليمية تدخل فيها جيوشٌ كبيرة ودول وأُمم ،
وظهر ان ميليشيات كانت الى ذلك الوقت قوى محلية تقاتل من اجل اهداف سياسية موضعية قد تحولت الى جيوش نظامية مجهزة بالدبابات والمدافع الثقيلة وانها بدأت تقيم ما يشبه الدولة ااو الكيان السياسي المتكامل .
لقد ظهرت الى العلن العلاقة بين القوات اللبنانية واسرائيل ولم يعد الامر خافياً على احد وقدمت دولة العدو دبابات ثقيلة من طراز ” سوبر تشيرمان ” مع مدفعية ميدانية الى هذه القوات ودربتها عليها عبر عدة دورات وبعثات من مقاتليها ذهبوا الى فلسطين المحتلة وتلقوا علوما ترقى الى مستوى علوم الضباط والاركان ،
وبات التعاون الامني والعسكري علنياً ومتعدد الوجوه . حتى الثياب العسكرية صارت من اسرائيل والبنادق وطريقة حملها تشبه الطريقة التي نراها عند الجنود الاسرائيليين .
والواضح هو ان امريكا واسرائيل لم تكونا مرتاحتين لوجود القوات السورية في لبنان ،
وبينما كانت الحرب في بدايتها قد استهدفت اخراج القوات الفلسطينية الى مكان بعيد عن فلسطين ، فإن هذه القوات بقيت وزادت فوقها قوات سورية وهذا ما استدعى ان يرسم الحلفاء خططاً لضرب الجميع واخضاع السلطة في لبنان لمبدا الصلح والسلم الاسرائيلي .
تعددت الزيارات المتبادلة بين تل ابيب وجونيه والمجلس الحربي وكان شارون وزيرا للدفاع وبيغن رئيسا لوزراء العدو وكلاهما من المتطرفين الذين يحملون الحلم الصهيوني باسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل ،
وبدا لهم ان الفرصة مؤاتية خاصةً بعدما خرجت مصر من الصراع ومن ثم غرق العراق في حرب طويلة مع ايران دامت من 1980 حتى 1988 ، وبقيت سوريا لوحدها في المواجهة . هنا بدا التخطيط للحرب الاقليمية .
وبالتوازي مع ذلك طفا على السطح حديث عن التقسيم في لبنان وعن ضرورة قيام كانتونات طائفية لأن مبدا التعايش لم يصمد والميثاق الوطني الموروث من سنة 1943 لم يعد صالحاً للعيش المشترك ،
وبات الإعلام عندهم يتحدث عن التجربة السويسرية وظهر مصطلح ” لينشيشتاين ” وهو على اسم كانتونات تقوم في سويسرا ما يعني ان لبنان يمكن ان يتشبه بها .
في ربيع ذلك العام حصلت معارك في زحله بين قوات الردع التي صارت سورية صرف بعدما انسحبت الدول العربية الاخرى منها ، وبين القوات اللبنانية وانصارها وفي احدى تلك المعارك تدخل الطيران الاسرائيلي واسقط طائرتي هليكوبتر سوريتين تحملان جنودا فوق تلال زحلة ، وهذا ما ردت عليه دمشق بادخال صواريخ ” سام 6 ” البقاع ما دفع الامور الى مزيد من التعقيد والتوتر .
في بداية صيف 1980 سعى قائد القوات اللبنانية بشير الجميل الى ربط زحله بالكانتون المسيحي في المتن وبيروت عبر شق طريق جبلي يمتد من اعالي جبل صنين نزولا الى المقلب الشرقي من الجبل وصولاً الى زحله ، لكن المشروع اصطدم بقواتنا القومية في منطقة قريبة من بسكنتا تعرف باسم ” المصاطب “ ،
وجرت معارك خسرنا فيها عددا من الشهداء خاصة عندما اصطدمت شاحنة عسكرية صغيرة يقودها الرفيق خليل ابو حيدر بلغم ارضي كبير فدمرت واستشهد بها خمسة من القوميين ، ومع ذلك تابعنا السيطرة على تلك المنطقة الستراتيجية .
وبالتوازي مع ذلك كنا قد تقدمنا من الخنشارة الى شرين والزغرين وصولاً الى نقطة ” عين التفاحة “ وهي المدخل الشرقي لبكفيا ،
وهذا ما ادى الى عزلها عن بتغرين وبسكنتا ، ولم يطل الوقت حتى كانت قوات من الحزب القومي تصعد الى اعالي جبل صنين المغطى بالثلوج وتستولي على موقع مهم جداً يعرف باسم ” الغرفة الفرنسية “ وهي اعلى قمة في صنين .
لقد استعملوا الزحافات الثلجية وصعدوا في الليل وفاجأوا عناصر القوات في عز الثلوج المتراكمة حيث لا يستطيع الانسان ان يقف خارج الغرف الدافئة اكثر من عشر دقائق . تمت العملية بشكل سريع وخاطف فسيطر رفقاؤنا على القمة واسروا العناصر هناك ثم اطلقوهم ليعودوا الى قراهم دون ان يؤذوهم .
كانت عملية الغرفة الفرنسية هذه ضربة قاصمة للمشروع الاسرائيلي فجن جنون شارون وبيغن وراحوا يهددون بحرب عالمية اذا لم ننسحب او اذا تسلم الجيش السوري تلك القمة وركب عليها رادارات متطورة واسلحة دفاعية جوية ، وقالوا يومها إن ذلك من شأنه ان يرصد حركة الاساطيل الامريكية في البحر المتوسط وصولاً الى شواطئ ايطاليا وجزيرة مالطا وكل افريقيا الشمالية .
وما زلت الى اليوم اتذكر هؤلاء الشبان الابطال كيف اقاموا تحت الثلوج في غرفتين قديمتين بناهما الفرنسيون ايام الانتداب واستعملوهما كمرصد مهم خلال الحرب العالمية الثانية .
ويروي الذين عاشوا في تلك النقطة كيف كانت الثلوج تغطي غرفهم وترتفع عدة امتار فوقها والحرارة تتدنى الى 10 تحت الصفر وكيف كان البخار الصاعد مع انفاسهم يتجمد على شواربهم كما تتجمد البستهم على اجسادهم في الليل ولم تكن نوبة الحراسة تتجاوز العشر دقائق لأن الجندي سيصاب بالجمود كلوح الثلج اذا بقي وقتا اطول دون تدفئة في الداخل .
كانت تلك العملية والبقاء فوق القمة تحدياً كبيرا للطبيعة وللعدو الصهيوني ودخولاً خطيراً في اللعبة العسكرية والستراتيجية الدائرة في الشرق والتي كان يسمع هدير الحرب فيها يكبر مع مرور الوقت .
بذلك كانوا نسوراً في اعالي القمم وما زالت تنتشر لهم صورٌ بثيابهم البيضاء وهم فوق الثلوج . لهم منا كل الحب والتقدير والاعجاب ، وبهم وبمثلهم تنتصر الامم وحركات النهضة القومية وما زالوا يولدون نسوراً يقاتلون في كل مكان وزمان دفاعا عن الوطن والشعب حيث يستجد الخطر وحيث تدعو الحاجة .
طالت الحلقة وفي المرة القادمة نحكي عن تحضيرات الاجتياح الاسرائيلي وعن عملية ” سلامة الجليل ” كما سماها اليهود . فالى اللقاء واسلموا للحق والجهاد لاجل بلادكم العزيزة والجميلة .
Memoir of Kamal Nader: Amber and Ashes. Part 21
ذكريات الجمر والرماد . 21.
كان شتاء العام 1976 فترة فاصلة في تاريخ الاحداث الجارية على ارض لبنان وفي الشرق عموما ،
وبعد الفرصة التي حملها الدكتور عبدالله سعاده والتي تمثلت بارساء تفاهم ينهي الحرب ضمن تلك الفترة الزمنية ، سقطت فرصةٌ ثانية عندما فشل الاجتماع الطويل الذي انعقد بين وفد الحركة الوطنية برئاسة الاستاذ كمال جنبلاط والرئيس حافظ الاسد في اواخر شهر شباط 76 ، وخرج الرجلان اكثر تباعداً واختلافا .
وما هي الا ايام قليلة حتى وقع انقلاب ” الاحدب ” في 11 اذار وانشق الجيش اللبناني وظهر “جيش لبنان العربي ” بقيادة الرائد احمد الخطيب تدعمه منظمة التحرير والحركة الوطنية ،
فانفصل الجنود والضباط عن بعضهم والتحق كل فرد بمنطقته الجغرافية والطائفية ونهبت الاسلحة والثكنات ، واصبحت الميليشيات تمتلك دبابات ومدفعية ثقيلة مع طواقمها ، ووقعت كوارث فظيعة في عدة مناطق .
ففي المتن الشمالي جرت معارك طاحنة ابرزها معركة المتين التي ربحتها الحركة الوطنية لكنها توقفت عند حدود بولونيا ولم تتقدم الى ضهور الشوير ،
ثم حدث شيء مفاجئ وغريب إذ انسحب الجيش من عينطورة وتراجع الى مجدل ترشيش دون اعلامنا ، فدخلت قوة من الكتائب وارتكبت مجزرة رهيبة راح ضحيتها واحد وعشرون من ابناء البلدة بينهم نساء واطفال ومنهم الامين نسيب عازار وما زالت تلك المجزرة ترخي بثقلها على تاريخ المتن وعلى الحزب القومي ، وتقام كل سنة في 28 اذار مراسم لاحياء ذكرى الشهداء .
اما في الكورة فقد كدنا نقع في ورطة كبيرة عندما استولت احدى الميليشيلت الشمالية على كتيبة مدفعية ثقيلة للجيش ، واخذتها نحو منطقة تمركزها ، لكننا تنبهنا للأمر وهي تمر في اميون فاوقفنا القاقلة واخذنا المدافع وهي من عيار 122 ميدانية ، مع ذخائرها وشاحناتها ، ثم اطلقنا سراح الجنود وساعدناهم على الوصول الى قراهم في البقاع وعكار .
في تلك الفترة خسرنا عدة شهداء اذكر منهم الشهيدين جرجي جنورة وسعاده ضاهر من اميون وحنا غازي من ” بصرما ” وطه القدور من طرابلس وشوكت علم الدين من المنيه ،
وازدادت وطأة الحرب والموت علينا كما تصاعدت حدة التوتر بين الكورة والمناطق الجبلية المحيطة بها .
وفي بيروت قام جيش لبنان العربي بقصف القصر الجمهوري بالمدفعية الثقيلة على يد ضابط محترف سدد اصابات دقيقة اليه غرفةً غرفة ، ما اضطر الرئيس سليمان فرنجية الى مغادرة القصر فانتقل الى بلدة ” الكفور ” في كسروان بجوار بلونة وسهيلة ، واقام هناك وادار امور الرئاسة من القصر البلدي الفخم في ذوق مكايل .
هناك جاءه في شهر نيسان 76 موفدٌ امريكي يدعى ” دين براون ” وحاول اقناعه بترحيل المسيحيين من لينان الى كندا واوستراليا ، وفسح المجال لتوطين الفلسطينيين مكانهم ، فما كان من الرئيس فرنجية الا ان رد يوجهه ردا قاسيا وانهى الاجتماع معه بشكل حازم رافضا هكذا افكار وعروض ،
فغادر المبعوث الامريكي وهو يضمر غضبا وتهديدا مبطنا للبنان . والى اليوم ما زال الموفدون الامريكيون يحملون الينا التهديدات ومشاريع التوطين والخراب وكل ذلك خدمةً للكيان الصهيوني .
بعيد ذلك ” المبعوث ” اشتد الحصار على مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا والنبعة ، ودارت معارك كر وفر وقصف عنيف ، فقررت ” القوات المشتركة ” اللبنانية والفلسطينية ان تقوم بهجوم واسع على المتن وكسروان بشكل رئيسي ، وحصل ذلك في اواخر ايار انطلاقاً من ” عيون السيمان ” باتجاه ميروبا وحراجل وعجلتون ،
ولم تستطع قوات الكتائب والجبهة اللبنانية أن تصمد طويلا امام الهجوم الكثيف ، وبدأ الناس يهجرون القرى والمدن هناك باتجاه قبرص عبر البحر ،
واصبحت الجبهة اللبنانية امام كارثة حقيقية فاجتمع الرؤساء فرنجية وشمعون وشارل حلو وشربل القسيس ووجهوا نداءً عاجلاً الى الرئيس حافظ الاسد لإنقاذ المسيحيين ، وذلك بعدما اتصل كميل شمعون مع الامركان عبر ابنه دوري الموجود في واشنطن ، طالباً تدخل الاسطول السادس الامريكي ، فكان جواب هنري كيسينجر :” نحن لا نستطيع ان نتدخل واسرائيل غير قادرة نتيجة الظروف الشرق اوسطية ، وننصحكم بالاستعانة بالاسد ” .
تلقت دمشق النداء فتحركت قواتها بسرعة لوقف الهجوم حتى انها استعملت الطيران الذي رسم بالنار خطا احمر في اعالي جبال كسروان ومنع تقدم القوات المشتركة الى ما دون ذلك الخط فتوقف الهجوم وشعر المواطنون بالامان وعاد الذين هاجروا الى قبرص .
حصل ذلك في يومي 30 و31 ايار 76 ، ويقول التاريخ إن هنري كيسنجر كتب في مفكرته بتاريخ 1 حزيران عبارة بليغة التعبير قال فيها : ” لقد دخل الاسد الى الفخ الذي نصبتُه له في لبنان ” .
إن كل من يريد ان يفهم مجريات تلك الحرب التي سماها الاستاذ غسان التويني ” حرب الآخرين على ارضنا ” يجب ان يعرف مغزى عبارة هذا الوزير الامريكي اليهودي ويتمعن في معانيها ،
واذا شئتم ان تربطوا بينه وبين اليهودي ” كوشنير ” صهر الرئيس الامريكي الحالي ترامب والمبعوثين اليهود الذين ياتون الينا ومعظمهم يحملون اسم ” ديفيد ” ، فان الصورة عما يجري ولمصلحة من هذا الذي يجري ستصبح واضحة .
يطول الحديث فنترك بعضه الى الحلقات القادمة ، والى اللقاء ، واسلموا للحق والخير والنضال لأجل بلادكم وشعبكم المصلوب على تقاطع مصالح الامم الكواسر .
Amber and Ashes: Memoir of Kamal Nader. Part 20
ذكريات الجمر والرماد . 20 .
مع قرب انتهاء العام 1975 كانت الحرب قد اصبحت خطراً يلقي بثقله على الحياة الاجتماعية والسياسية وعلى امن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم ،
وكانت مناطق واسعة قد تعرضت للتهجير وبات سكانها مشردين ونازحين الى مناطق اخرى ضمن لبنان ،
ويمكن ان نعدد المناطق هذه بأنها حي الكرنتينا والمسلخ وحارة الغوارنة وسبنيه ، في ضواحي بيروت الشرقية والمتن ، تقابلها الدامور والسعديات في الساحل الجنوبي لبيروت ،
واعتداءات طالت بلدات في اطراف البقاع الشمالي لأسباب طائفية سببت وقوع عدد من القتلى والجرحى ،
وكل هذه الاحداث زادت التوتر وسخونة الاوضاع والاحقاد وبات اللهب عندما يخبو لبعض الوقت يرخي تحته جمراً شديد الخطورة لا يلبث ان يشعل جبهات اخرى بعد وقت قصير .
ومع بداية العام 76 وسيل الاماني بان تكون السنة الجديدة سنة خير وسلام على لبنان واماني عريضة بأن يكون الميلاد برداً وسلاماً وسروراً على اللبنانيين ، وقداديس ترفع الابتهالات للأمل المرتجى ، كانت قلوبنا تخفق بدقات الخطر الماثل امامنا ،
وقد تعرضت مراكزنا في بيت شباب وديك المحدي وجل الديب وضهور الشوير لحصار عسكري من طرف الميليشيات اليمينية فاضطر رفقاؤنا الى الانسحاب منها تباعاً دون اراقة دماء ،
كما سقط مخيم الضبيه المجاور لكسروان ونهر الكلب بيد قوات الكتائب ونمور الاحرار ، من دون ان تقع فيه اعمال دموية كبيرة نظرا لكونه يضم المسيحيين الذين هجروا فلسطين عام 1948 .
كما كانت مناطق الدكوانه وسن الفيل وجسر الباشا والمنصورية تشهد جولات ساخنة من القتال مع مخيم تل الزعتر وجسر الباشا والنبعة وضهر الجمل ، وتقع فيها ضحايا مدنية من وتصاب الابنية والمؤسسات باضرار كبيرة .
وأذكر ان رفقاء لنا من آل حاموش تعرضوا للتصفية الجسدية في منصورية المتن ورفقاء آخرين من آل خليل في الضبيه ايضاً وعدد مهم من آل الحشيمي في برمانا ،
كما جرت تصفية الرفيق سمير دكاش وعائلته في منطقة العقيبة وهُجر كثيرون من القوميين عن تلك المناطق ، وخضع الباقون للضغوط والاعتقالات المتكررة .
وفي تلك الفترة دخلت على الميدان العسكري قوات الصاعقة وجيش التحرير الفلسطيني وتمركزت في عكار ومحيط طرابلس وفي البقاع .
وعلى الصعيد السياسي اصدرت الحركة الوطنية وثيقة تشبه ” مانيفست ” الثورة تتضمن مطالبها الاصلاحية في ما يتعلق بتطوير النظام اللبناني من جهة وحماية المقاومة الفلسطينية من جهة ثانية ،
كما اصدر الرئيس الجمهورية سليمان فرنجية ” الوثيقة الدستورية ” بالتشارك مع الجبهة اللبنانية التي تضم حزب الكتائب وحزب الوطنيين الاحرار برئاسة الرئيس كميل شمعون وتنظيم الرهبانية اللبنانية بقيادة الاباتي شربل القسيس ، وغاب عنها عميد الكتلة الوطنية ريمون اده بعدما تعرض لعدة محاولا اغتيال بين جبيل وبيروت فغادر لبنان نهائياً واقام في فرنسا ورفض ان يشارك حزبه في القتال .
يبرز هنا حدثٌ مهم تمثل بزيارة خارقة للروتين وللتاريخ ، قام بها الامين عبدالله سعاده الى دمشق حيث عقد عدة اجتماعات مع القيادة السورية المكلفة بمتابعة ما يجري في لبنان وهي تضم وزير الخارجية آنذاك عبد الحليم خدام ورئيس اركان الجيش السوري اللواء حكمت الشهابي وقائد القوى الجوية اللواء ناجي جميل ، وهم مكلفون من الرئيس حافظ الاسد بالملف اللبنلني .
عن هذا الموضوع المهم يقول الامين سعاده ان الاجتماع الاول كان عاصفاً جدا واستمر الى ساعات الفجر وتخلله صراع حاد واتهامات متبادلة بينه وبين الضباط الكبار وفتح لتواريخ قديمة وحديثة وكلها خطيرة الى درجة ان احد الضباط قال له كيف تواجهنا بهذه الحدة والصراحة وانت على بعد امتار قليلة من سجن المزة ، وهو يقصد ان يذكّره بما اصاب الحزب القومي من اضطهاد وتعذيب في هذا السجن الرهيب ،
ولكن الامين الذي لم يرهبه حكم الاعدام وعذاب السجون في لبنان بعد الانقلاب ، لم يكن يخيفه اي تهديد وتذكير .
وفي اليوم التالي كان الاجتماع اكثر هدوءاً ودخلوا في بحث الوضع اللبناني والفلسطيني بالتفصيل فطرح الامين سعاده مطالب الحركة الوطنية ومنظمة التحرير والوثيقة الدستورية ودار نقاش موضوعي حول كل البنود الى ان وصل الامر بالطرفين الى تفاهم مفصلي وتاريخي على معظمها ،
حتى انه بعد مراجعة الرئيس الاسد ، تم تفويضه بأن يبلغ الاطراف اللبنانية والفلسطينية بموافقة دمشق على الوثيقتين وعلى حل يوقف الحرب ونزيف الدم في لبنان ويحفظ المقاومة الفلسطينية ويحمي ظهرها لتستطيع متابعة عملها تجاه العدو . وقالوا للامين سعاده : ” معك كارت بلانش ” ان تبلغ باسمنا الموافقة على كل هذه الشروط .
وعلى هذا الاساس عاد الدكتور عبدالله الى بيروت فابلغ رئيس الحزب الامين انعام رعد بالنتيجة الايجابية ثم ابلغ الرئيس ياسر عرفات فابدى موافقته واثنى على عمله ثم قال له بأن من الضروري ان يذهب ويبلغ قائد الحركة الوطنية الاستاذ كمال جنبلاط ، فاجتمع به وابلغه النتيجة ورحب بها لكنه قال انه يعتقد بأن الرئيس الاسد محشور بالضغوط العربية والدولية ولذلك وافق على المطالب ، وانه من الافضل ان نستمر في المواجهة للحصول على ما هو اكثر .
لقد ضاعت فرصة ثمينة لإنهاء الحرب باقل الخسائر وستضيع فرص ٌ اخرى تباعاً .
عند هذا الحد توقفت المساعي وباءت بالفشل وانفتح الميدان على جولات اخرى من العنف في كل لبنان وزاد الشق والشرخ بين دمشق من جهة والحركة الوطنية ومنظمة التحرير من جهة ثانية ، ليكون ذلك الشق فرصةً تاريخية استفادت منها الجبهة اللبنانية استفادة كبيرة في تنفيذ مشروعها وحربها ضد الفلسطينيين واليسار اللبناني .
وهذا ما سنبيّنه في الفصول اللاحقة ، فالى اللقاء مع ذكريات الجمر والرماد ، واسلموا للحق والجهاد وانتبهوا لما يجري اليوم ولوجه الشبه في ( تفويت فرص الحلول ) وتدهور الاوضاع نحو الحرب لنتفاداها قبل فوات الاوان
What happened in the prisons of Lebanon during President Fouad Chehab? Part 3
Kamal Nader posted on FB . 14 hrs · ذكريات الجمر والرماد Amber and Ashes
ذكريات الجمر والرماد .6.
خرجنا من السجون الى الحرية وبات علينا ان نواجه الواقع وتحديات الحياة .
كان العام الدراسي قد اصبح في منتصفه ولم يعد بامكاني أن ادخل الى اي جامعة لأن نظام التدريس كان يقوم على قاعدة السنة الكاملة وليس الفصول ، فذهبت واشتغلت في جريدة النهار بوظيفة ” مصحح ” لغوي وطباعي ،
وكانت هذه الوظيفة لأخي الاكبر جان وهو تنازل لي عنها ودبر عملا آخر بعدما خرج من السجن .
تقبل الاستاذ غسان التويني الأمر بعد اتصال من ابن خالتي الدكتور نفحة نصر الذي شرح له وضعي وانني قومي خارج من السجن واتمتع بمعرفة قوية باللغة العربية . هكذا وجدت نفسي ادخل الحياة العملية من باب الصحافة ،
وكانت ” النهار ” من كبريات الصحف في العالم العربي وفيها اساتذة كبار في السياسة والادب والشعر والصحافة والفن ، تعرفت عليهم مع مرور الوقت ، وكان بامكاني ان اتعامل مع صحافيين مميزين مثل ميشال ابو جوده وفرنسوا عقل وشوقي ابو شقرا وادمون صعب وجوزيف نصر ،
كما كنت التقي العميد ريمون اده واحياناً علياء الصلح التي تكتب مقالات متفرقة في الجريدة . وقد وفرت لي الصحافة معلومات هائلة عن كل ما يجري من احداث في الشرق والعالم واعطتني ثقافة سياسية وادبية كبيرة ، وما زلتُ اتذكر تفاصيل ما جرى من صراعات في لبنان والاردن ومصر وفلسطين في تلك الحقبة .
كان العمل في الجريدة يبدأ في الساعة العاشرة ليلاً وينتهي قرابة الساعة الثالثة فجراً ،
فاعود الى بيتنا في عين الرمانة ، وفي اليوم التالي اجد متسعاً من الوقت للنشاط الحزبي الاذاعي وامور اخرى ، وكان معاشي كبيرا بمقياس تلك الايام ، فاتقاضى 500 ليرة لبنانية وهو رقم مهم اذا علمنا بان النائب في البرلمان يتقاضى 1200 ليرة .
ولكي استفيد من الوقت التحقتُ بمعهد لتدريس اللغة الانكليزية يقع بجوار الجامعة الامريكية ، وتقدمت بسرعة لأنني كنت قد درستُ اولويات تلك اللغة مع صديقي سامي الصايغ بطريقة طريفة ومحببة .
كان سامي موظفاً في بنك ” الريف “ وهو اساساً من مشغرة وقد نزل هو واخوته ، نصري الصايغ الاديب والكاتب القومي العلماني المميز اليوم ، وعاطف الذي اصبح طبيباً ،وشقيقتهم روزي ، وسكنوا بجوارنا في عين الرمانة ،
وبما انهم من عائلة قومية اجتماعية فقد تعارفنا وبتنا اسرة واحدة تجمعها المحبة القومية وما زلنا الى اليوم رغم تباعد المكان .
كانت عند سامي آلة تسجيل كبيرة وقد اشترى اشرطة وكتباً لتعليم اللغة حسب طريقة اذاعة لندن ، فكنا نجلس معاً كل يوم تقريبا ونستمع الى طريقة التعليم ونقرا ما في الكتب ، وهذا ما جعلنا نمسك مفاتيح الاحرف والكلمات الاولية وطريقة اللفظ . والى اليوم ما زلت اتذكر واضحك في سرّي عندما اسمع اغنية زياد الرحباني بصوت جوزيف صقر “ اسمع يا رضا “ ، خاصةً عندما يقول “ تعلم لغّة اجنبية هيدا العربي ما بيفيد … دوّر لندن من عشيّة ماري بتهجّي وبتعيد “.
امضينا فترة جميلة ومفيدة ، ثم استفدت من فترة السجن فتعلمت من رفيقيّ انطون حتي وغانم خنيصر مزيداً من هذه اللغة .
في ربيع تلك السنة حصلت معي حادثة لا تخلو من عبرة ودلالة . فقد اعتدت ان ادخل الى الجامعة الامريكية وادرس في مكتبتها الغنية بالكتب والمراجع ، وكان لي اصدقاء ورفقاء كثيرون فيها .
وذات يوم شاهدتُ تجمعاً للطلاب امام مبنى الادارة وهو المعروف ب “ الكولدج هول ” ، فذهبت الى الكافتيريا وسالت رفيقي حليم عودة عما يجري فاخبرني ان الادارة رفعت الاقساط وان هناك حركة احتجاج من الطلاب وقد تعرض بعضهم للطرد ، وأن باسم المعلم يقود التظاهرة . كنت احب باسم وهو قومي اجتماعي من كفرحزير الكورة ويتميز بالدينامية والنشاط وبيني وبينه مودة ، فتركت كتبي عند حليم ونزلت ابحث عنه ، فتلقاني بقامته الطويلة ودعاني ان امشي معه في طليعة التظاهرة . تسلمت الميكروفون وسرنا ،
وراحت التظاهرة تجوب طرقات الجامعة باتجاه ” الويست هول ” ثم اتجهت الى منزل رئيسها الدكتور ” كيركوود ” ، والقى باسم كلمة نارية ضده ، ثم عدنا نحو مبنى الادارة ، وهنا جاء من اخبرنا بأن الشرطة باتت تحاصر الجامعة وتنتظر القرار بالدخول الى حرمها وتفريق المتظاهرين واعتقال البعض منهم . طلب مني باسم ان اغادر لأنني لست طالبا ولا يحق لي ان اشارك بمثل هذه النشاطات وإن وقعت في يد الشرطة سيتم توقيفي .
سلمت الميكروفون الى رفيقي محمد حماده وذهبت فاخذتُ كتبي من عند حليم عودة ، واتجهت للخروج من البوابة الرئيسية المفضية الى شارع ” بلِسس ” ، وهناك شاهدتُ في اعلى الدرج الرفيق مفيد الهاشم وكان مسؤولاً في جهاز امن الجامعة ، فاشار الي برفعة من حاجبيه وحركة من يده ، بشكل فهمت منه بأن اغيّر طريقي لأن الشرطة كانت تدقق في الداخلين والمغادرين وتطلب بطاقاتهم .
تابعت سيري بهدوء وانعطفت من جانب المكتبة العامة ثم انحدرت على الدرج الطويل الذي يمر بقرب كلية الهندسة ، وانا اؤمل نفسي بأنني استطيع الخروج من البوابة البحرية ( سي غيتC Gate ) ، لكن الشرطة كانت هناك ايضاً، فدخلتُ الى الملعب الاخضر الكبير وجلست على مدرجه ، كأنني المشاهد الوحيد لمباراة لم تحضر فرقُها .
فتحت كتاب فلسفة كان معي ورحت اقرأ ، ولكنني لا افهم شيئاً مما اراه ، فقد كان ذهني شارداً في كل ما يجري بينما عيناي تجريان منفصلتين على سطور الكتاب .
مرت نصف ساعة وهدأت اجواء المكان وغاب صوت المتظاهرين ، ثم بدأت سيارت الفرقة 16 تبتعد ، وهكذا استطعت ان اغادر الجامعة وصعدتُ في باص الدولة عائدا الى البيت . ولكن العبرة في الأمر هي انني قد اصبحت في مكان آخر غير مكان الطالب والعلم والشهادات … لقد صار عقلي يشتغل على السياسة والنضال وهذا ما سيترك اثراً مهما على مستقبلي .
في الحلقة القادمة نحكي عن العمل الاذاعي وعن ما اكتسبته من عملي ب ” النهار ” ومواكبة الاحداث السياسية الكبيرة في تلك الحقبة . فالى اللقاء .
Amber and Ashes: Memoir of Kamal Nader. Part 16
ذكريات الجمر والرماد . 16.
على اثر الحفلة التي اقمناها في شاطئ فلوريدا دعاني احد ضباط المكتب الثاني ، ليسألني عن الكلام الذي قاله الرفيق خالد زهر عن الاتراك وقطع الاشجار .
كان لديهم تسجيل للقصيدة ولغيرها وهذا امر ليس مستغرباً فالحفلة علنية وفيها اناس كثيرون . المهم في الموضوع انه ركز على معنى عبارة خالد التالية :” من كم سنة رجعوا الاتراك عابلادنا ، رجعوا يقصّوا شجرها وصنوبرها وعملوا الشجر صلبان وعليه صلبوا قيمة الانسان . ” وسال متى رجع الاتراك الى لبنان حتى يقول صاحبك هكذا .
شرحتُ له الموضوع بأنه يقصد ما فعلتموه أنتم سنة 1962 بعد الانقلاب عندما قطعتم اشجار الصنوبر التي يقوم عليها عرزال زعيمنا انطون سعاده واحرقتموها مع العرزال في ساحة ضهور الشوير بعملية انتقامية ظالمة ، وان خالد يعود بالذاكرة الى ايام الحكم التركي الظالم حيث قطع الاتراك غابات لبنان واخذوا الخشب لخدمة جيشهم وقطاراتهم وقصورهم ، حتى كاد لبنان ان يصبح جبلاً اجرد ،
وهو استعمل هذا التشبيه بشكل مجازي فلا الاتراك عادوا ولا جمال باشا السفاح علق المشانق في ساحة الشهداء ، بل انتم قد اعدتم ذلك المشهد والتصرفات .
بالطلع لم ينزل كلامي عليه برداً وسلاماً لكنه لم يجد ما يقوله وهو الذي يعلم مقدار التعذيب الذي مارسوه بحق القوميين والاعدامات الميدانية التي قاموا بها من دون محاكمة وقد قتلوا اكثر من 35 رفيقاً تحت جنح الظلام ، عدا عن الوف الرجال والنساء الذين تم اعتقالهم دون مبرر وقد اكلت السياط من اجسادهم وظهورهم واقدامهم ونزفت دماؤهم والبعض منهم اصيبوا بعطل دائم جراء التعذيب الوحشي .
انتهت الجلسة في هذا الجو المكفهر وغادرت مكتبه ولم اعد اراه مطلقاً إذ انه نقل بعد فترة الى منطقة اخرى .
مرت سنة 1971 ونحن في العمل الاداري والاذاعي وعددنا يزداد ، وفي ليلة اول اذار اشتعلت النيران على كل تلال الكورة بدون اشتثناء في مشهد عز نظيره فجميع المديريات والمفوضيات كانت قد حضرت وسائل ” التشعيل ” ونشرتها في كل مكان مطل ومشرف ، وعند غروب الشمس توهجت المنطقة كلها كأنها كتلة نور ونار تعبيرا عن شعلة النهضة التي لا يمكن ان تموت او تنطفئ .
وفي 8 تموز اقمنا احتفالاً لذكرى استشهاد الزعيم كان حاشداً بشكل كبير ،
ثم ختمنا الصيف بمهرجان مميز على بيادر ” فيع “ تكريماً لذكرى الاديب القومي فؤاد سليمان والمربي جورج ابراهيم عبدالله الذي كان اول منفذ للكورة سنة 1935 ، ثم مات شهيداً للعلم وللمدرسة عندما تدهورت به البوسطة القديمة في نزلة بطرام سنة 1953 .
ولليوم يقوم تمثاله على مدخل البلدة الى جانب نصبٍ اقيم حديثاً لفؤاد سليمان الذي كان مع الزعيم سعاده اول ناموس لعمدة الاذاعة سنة 1936 والذي وافته المنية سنة 1951 اثر مرض عضال وكان موتهما غصة في القلوب لا يمحوها مرور الزمن .
في ذلك المهرجان تكلم الامينان جبران جريج وعبدالله قبرصي وهما من رفقاء الفقيدين بل انهما على معرفة وثيقة بهما والامين جبران هو من ادخل جرجي الى الحزب ،
كما تكلم الاديب سيمون الديري وهو قومي اجتماعي كتب اطروحته في الادب العربي عن فؤاد سليمان ونال بها درجة التخرج من الجامعة اللبنانية بتميز ،
والقى غسان مطر احدى اروع قصائده والتي يقول فيها :” تجري الرياحُ كما تجري سفينتنا نحن الشراعُ ونحن الريحُ والقدرُ “.
كان مدير المديرية كارلو النكت وقد قام مع مديرية فيع بجهد منظم ومميز لنجاح الاحتفال والقى كلمة الافتتاح فيه مرحباً بالحضور ومعرفا عن فيع وادبائها ونشاط المديرية فيها ، وكان التنظيم بعهدة ناظر التريب يوسف الايوبي ( الشهيد لاحقاً ) ،
اما انا فقد القيت الكلمة الختامية شاكراً الحضور والشعراء والادباء وختمتها بمقطع ناري عن الاستشهاد منذ سقراط والسيد المسيح الى انطون سعاده وابطال النهضة القومية .
وانتهى الصيف وشارفت مهمتي على النهاية إذ كنت قد اصبت بقرحة في المعدة صارت تضايقني كثيراً وقد عالجني الدكتور جمال موسى الذي استشهد فيما بعد عند بداية احداث ال 1975 بعملية اغتيال ظالمة وخسرنا بموته طبيباً يزينه العلم والاخلاق والكرم .
في ذلك الوقت اشار علي الدكتور جمال بضرورة التنبه الى نظام الاكل والالتزام باوقات محددة وبأطعمة وادوية مناسبة وهي امور لم تكن ممكنة ان تتوفر لي في ظروف معيشتي لوحدي وانشغالي الدائم ليل نهار عدا عن التعصيب والضغط النفسي والجسدي ،
فابلغت رئيس الحزب الامين يوسف الاشقر بوضعي لكنه طلب مني ان استمر قليلاً في المسؤولية ، ثم فوجئنا جميعاً بانه قدم استقالته من الرئاسة نتيجة ازمة قامت بينه وبين المحلس الاعلى الذي كان يرأسه الامين عصام المحايري والذي انقسم الى كتلتين واحدة تضم اربعة اعضاء والثانية تضم خمسة ،
وبهذا دخل الحزب في دوامة ازمات دستورية وفراغ رئاسي ادى فيما بعد الى تشكيل لجنة ثلاثية تحل مكان الرئيس وكانت تضم الامناء مسعد حجل ومنير خوري وحافظ قبيسي .
لجنة الرئاسة هذه قبلت استقالتي بعد مناقشات طويلة ومحاولات لتغيير رايي وتم تكليف الامين ايلي نصار بمسؤولية المنفذالعام فسلمته المنفذية وعدت الى بيروت لكنني كنت احرص على الذهاب الى الكورة كل اسبوع فلي فيها اصدقاء ورفقاء احباء وهي بطبيعتها وجمالها تنسيني وجع المدينة وجفاف العيش فيها .
الى اللقاء في الحلقة القادمة من هذه الذكريات واسلموا للحق والجهاد .
Amber and Ashes: Memoir of Kamal Nader
ذكريات الجمر والرماد.14.
تسلمتُ مسؤوليتي في الكورة كمنفذ عام في اول ايلول من سنة 1970 ، وكان الاستاذ حميد نعمه قد استقال من هذه المسؤولية وسلمني اياها في جلسة عقدت في بيت الامين ايلي نصار في كوسبا ، وهو كان ناموساً للمنفذية واستمر بهذه المهمة كما كان الرفيق ناهض سليمان ناظرا للإذاعة والامين خليل فارس للتدريب .
بعد التسلم والتسليم دعونا القوميين الى سلسلة من الاجتماعات الادارية للتعرف على الاعضاء وعلى اوضاع الوحدات الحزبية واعتقد ان البعض الكثير ربما تفاجأوا بهذا المنفذ الصغير السن يتولى قيادة منطقة واسعة وفيها قوميون منذ تأسيس الحزب وكلهم من اعمار كبيرة ولهم تاريخ طويل من النضال والعذاب والتضحية ،
وبالفعل احسستُ بهذه المفارقة وتكلمت معهم عنها وقلت لهم إنني احترم اعمارهم ومعظمهم بعمر والدي فكيف اكون مسؤولاً عليهم ، واجبت بأن القيادة اختارتني لهذه المهمة فتركت كل شيء كي اقوم بها وان هذا هو معنى وجودي بينكم وان ما يربطني بكم هو النظام الذي يعلو فوق كل الاعتبارات الشخصية ،
اضافة الى الاخلاق النضالية التي نتحلى بها جميعاً والعزيمة والتصميم كي ننهض بالحزب بعد السنوات الطويلة التي مررتم بها على اثر الانقلاب وما عانيتموه من اضطهاد وعذاب وتضحيات وبقيتم ثابتين على ايمانكم ونظامكم .
كانت الكورة مليئة بالفروع الحزبية ففيها اكثر من 25 مديرية كبيرة ومفوضية ، وكانت كلها تنشط في العمل الاداري وعندها طلاب وشباب بالمئات يتابعون الحلقات الاذاعية ، وهذا رتب علينا ان نقوم بجهد كبير لتأمين مذيعين لحوالى 23 حلقة اذاعية كل اسبوع ،
ولقد برز في هذا النشاط الاذاعي الناظر ناهض سليمان والرفيق الياس النجار وايلي نصار والياس بركات وفوزي بركات من بشمزين وجورج حنا قبرصي من بيترومين والرفيق وجيه الايوبي وشباب من كفريا من آل عدره ومرعي ، وآخرون كنا نعلمهم اساليب العمل الاذاعي كي يتولوا هذه المهام في المستقبل .
لم نكن نهدأ فمنذ الصباح الباكر تبدا جولاتنا ولا نعود الا مع انتصاف الليل ولم يكن عندي بيتٌ لأهلي فسكنت اولا في بيت اقارب لي وحمّلتُهم همي وقلقي ،
ثم دعاني الرفيق سمير سليمان لأقيم عنده في قريتنا ” قلحات ” المجاورة لدير البلمند الشهير ن واتذكر بالخير زوجته ثم والدته التي تنتظرنا كل ليلة الى ان نعود في ايام الشتاء الباردة لتؤمن لنا ما يلزم من حاجات ، ثم تخلد للراحة .
واحياناً كنت ابيت عند الرفيق فيلمون جبور في اميون حيث كانت له غرفة قرميد منفردة نوعاً ما فلا نزعج احداً ،
واذكر هنا بالخير ايضاً والدته ام نعيم التي تظل ساهرة الى ان اعود وعندما تسمع وقع خطواتي تفتح الباب الخشبي القديم وتندهني كي تطعمني شيئاً لئلا انام من دون عشاء .
بهذه المحبة كان الناس يحتضنون الحزب القومي ومناضليه وما زالوا الى اليوم على هذا الوفاء .
لم يكن عندنا مكتب في المنطقة فقدم الينا الرفيق ابو نبيل ابراهيم الخوري سعاده ، وهو شقيق الدكتور عبدالله سعاده ، غرفتين تقعان بجوار بيته في اميون جعلنا منهما مكتباً ومرجعا ادارياً للعمل ولعقد الجلسات والاجتماعات ،
ثم اتخذنا مركزاً آخر على تلة كفرحزير استأجرناه ببضع مئات من الليرات ، وفيه بهو كبير للاجتماعات وعدة غرف اصبحت مسكناً لي ولبعض الشباب الذي يناوبون على الحراسة معي ،
وكانت للبيت حديقة زرعناها بالخضار كنوع من الحياة القروية التقليدية ، لكن الاهم في ذلك البيت انه يقع على مشارف الوديان الممتدة نحو شكا وبرغون فصارت تشكل لنا مكاناً آمناً للتدريب العسكري بعيدا عن الانظار في الليالي .
وكان يتولى اعمال التدريب الامين خليل فارس والرفيق يوسف الايوبي الذي خرج من السجن اثر الانقلاب ثم عاد واستشهد في اول بداية الاحداث سنة 1975 ، كما لحقه الى الشهادة الامين خليل في تشرين من سنة 1986 ,
في تلك الفترة اعاد الحزب القومي اصدار جريدة ” البناء “ بشكل اسبوعي وكنا نوزع منها كل يوم سبت كمية كبيرة تصل الى 400 عدد ، كما كنا نقوم بنشاطات شعبية مشتركة مع منفذيات الشمال ،
وهي كانت ناشطة جداً ، ففي طرابلس كان يتولاها المحامي احمد هاشم ومعه زهير دبوسي واسماعيل بهجت وعبد الستار موسي والامين سليم صافي وفي المنية عبد القادر علم الدين وفي زغرتا بطرس العريجي و يوسف زيدان ونجيب اسكندر وجوزيف نكد،
وفي عكار الاستاذ ميشال الاشقر ومعه ابو عبود مطانيوس جريج والياس نصر وسليمان الورد وعبدالله وهبي ،
وفي البترون كان المنفذ بشارة الحاج ومعه ضاهر يزبك وفؤاد حرب و عبدالله زخريا وعبد السلام الايوبي وكثيرون منهم قد منحوا لاحقا رتبة الامانة عن جدارة واستحقاق .
اقف اليوم متذكرا تلك الايام والناس الطيبين المناضلين الشرفاء الاوفياء واتمنى ان اذكر اسماءهم وانشر صورهم مع نبذة عن كل واحد منهم ، لكن المجال هنا لا يتسع بل ربما اذا اصدرتُ كتاباً لهذه الذكريات استطيع ان اضع بعضا من صورهم وكلمات تفيهم حقهم بالذكر والخلود .
هكذا نحن عابرون في موكب الحياة والنهضة القومية وستأتي بعدنا اجيالٌ تكمل المسيرة حتى تحقيق الاهداف السامية لهذا الحزب الذي تحدى التاريخ وقال انه سيغير وجهه ويبني تاريخاً جديدا راقياً للأمة وللعالم العربي ومستقبلاً سلامياً للإنسانية جمعاء .
الى اللقاء في الحلقة القادمة واسلموا للحق والجهاد .
Amber and Ashes: Kamal Nader memoir. Part 13
ذكريات الجمر والرماد . 13 .
ما كاد العام 1970 ينصرم الا وكانت حياتي قد انقلبت رأساً على عقب . ففي اوائل الصيف دعاني رئيس الحزب الامين عبدالله سعاده الى مكتبه وحدثني عن وضع الكورة بكونها منطقة قومية اجتماعية(Syria National Social Party, SNSP( بغالبيتهىا وقلعة من قلاع النهضة ، وطلب مني ان اترك عملي في جريدة النهار وانتقل لأتسلم مسؤولية المنفذ العام للكورة .
حاولت ان اثنيه عن قراره فواجهني بأن مصلحة الحزب تقتضي ذلك وبأننا اقسمنا على التضحية من اجل الامة والقضية وقال لي مصلحة الحزب فوق مصلحتك الفردية وعليك ان تنفذ .
بدا لي الامر مغامرة كبيرة وخطيرة على حياتي التي تصدعت اولاً بسبب السجون وخسرت سنة جامعية وانني ما كدت اعيد ترتيب وضعي في السنة التالية بالالتحاق بكلية الحقوق وبالعمل في وظيفة مهمة بجريدة النهار ومعاش جيد بمقياس ذلك الزمن ، حتى واجهتُ امتحاناً كبيرا وصعباً سيكلفني خسارة كل مستقبلي العلمي والمهني .
لقد احدث القرار ازمة في عائلتي ووقع عليهم كالصاعقة ، ولكننا تجاوزنا كل المحاذير وقبلنا هذا التحدي المصيري ، وهكذا بدأت اصفّي اعمالي وانهي الامور التي اقوم بها تمهيداً للإنتقال الى المهمة الجديدة .
كنا منذ ربيع ذلك العام نقوم بالتحضيرات والتمارين على اداء مسرحية “ ايام فخر الدين ” للأخوين رحباني ، وكان مدير المشروع هو الاستاذ حميد نعمه ،
منفذ الكورة آنذاك وفي نفس الوقت هو استاذ في مدرسة الحدث العالية لصاحبها ومديرها الاستاذ حبيب حبيب وهو من جيل القوميين الاجتماعيين المثقفين والاخلاقيين في الكورة . لقد اسندوا اليّ دور الامير فخرالدين ، والى حياة الحاج دور فيروز وعطر الليل ، وحياة هي صبية قومية اجتماعية من بلدة الحدث ،
ولعبت الرفيقة فداء بنت الامين الياس جرجي دور الاميرة منتهى علم الدين التي تريد انتزاع الامارة من فخر الدين ، كما اسند الى الرفيق ايلي الياس دور الكجك احمد وهو ضابط عثماني كان يعمل بخدمة الامير لكنه يتىآمر عليه مع الاميرة منتهى ،
واتذكر من رفقة ذلك العمل الجميل كلا من سهيل حبايب واخيه سمير وكرم كرم وندى غازي وكثيرين التقوا على مدى ثلاثة اشهر غنوا سوا ورقصوا وفرحوا ثم مضى كلٌ الى حياته وكانوا ناجحين حيثما ذهبوا ،
وبقيت اصواتهم وضحكاتهم في ارجاء المكان الذي تدربوا فيه وعلى شاطئ لبنان حيث قدموا المسرحية .
كانت التمرينات الفنية تتم في ملعب مدرسة الحدث العالية واحدى قاعاتها الكبيرة وكان عدد المشاركين كبيراً تدربوا على لعب الادوار والاغاني وحلقات الدبكة ، مع كل ما يلزم العمل من ثياب فولكلورية ومؤثرات صوتية واضاءة وتمثيل . الى ان وصلنا الى الموعد المحدد لتقديم هذا العمل الفني الصعب على مسرح ” شاطئ لبنان “ وهو منتجع سياحي اقامه رجل اعمال ناجح من آل فرح على الواجهة البحرية في بلدة ” شكّا ” .
كان الجمهور الحاضر كبيراً ومتحمساً لمشاهدة هذا العمل الفني الذي يعتبر من اهم اعمال الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين .ولقد نجحنا في الاداء وقدمنا المسرحية كاملةً وسط حماس الجمهور واعجابهم بالمستوى الراقي وباصوات الذين قدموا الأغاني والذين ادوا الدبكات بالثياب المزركشة والازياء التقليدية الاميرية .
وعادت الحفلة بمردود مالي كبير لمنفذية الكورة اما نحن وجميع الذين قدموا المسرحية فلم نقبل ان نأخذ شيئاً من المال وقلنا ان عملنا هو تقدمة للحزب . يؤسفني اليوم انه لم يتم تسجيل تلك المسرحية على شريط فيديو ففي ذلك الوقت لم تكن وسائل التصوير والتواصل قد تطورت وازدهرت كما هي اليوم .
ما ان انتهينا من المسرحية حتى جاءني القرار بالالتحاق بالمخيم المركزي للتدريب تمهيداً لتسلم مسؤوليتي الحزبية في الكورة . كان المخيم يقوم في اعالي جبل صنين فوق بلدة بسكنتا، ويمتد على ارض جرداء ليس فيها سوى شجرة واحدة لا تكفي لايواء عدد ضئيل منا تحت اشعة شمس آب اللهاب وكانت هناك نبعة ماء صافية وباردة آتية من ذوبان الثلج الذي يبقى من سنة الى سنة على قمة الجبل .
لقد كان عددنا كبيرا في تلك الدورة وهي الثانية من اصل ثلاث دورات حصلت في ذلك المكان .
وكان المخيم تحت قيادة ضابط حازم قليل الكلام شديد الرصانة والجدية يدعى ” الرفيق حبيب ” وعلمنا انه الامين ياسين عبد الرحيم وهو ضابط سابق في الجيش السوري تم تسريحه سنة 1955، يعاونه في التدريب مدرب اسمه ابو الطاهر اسمر طويل القامة ، وابو الوليد الذي عرفنا فيما بعد انه الامين بهجت الحلبي من بلدة ينطا في سفوح جبال لبنان الشرقية .
في ذلك المخيم تدربنا على امور كثيرة عسكرية وادارية ونظامية وثقافية ، وهي كلها من ضرورات البنيان المرصوص لصفوف الحزب الذي كان يعد نفسه لخوض احداث كبيرة كانت تلوح في افق الوطن والشرق عموماً .
هنا نلمس اهمية البناء الذي انشاه انطون سعاده لأنه كان يعرف صعوبة المهمة التي اسس الحزب من اجلها ولم يكن يبغي في الحياة لعبة سياسية او تنظيماً يصل على متنه الى منصب او غاية فردية خصوصية .
انهينا الدورة وعدت الى بيروت وبعد يومين قدمت استقالتي من جريدة النهار ثم مررتُ على مركز الحزب وتسلمتُ مرسوم تعييني منفذا عاماً للكورة موقعاً من رئيس مجلس العمد الامين كامل حسّان ، لأن الأمين عبدالله سعاده كان قد تنحى عن الرئاسة بموجب قرار المؤتمر العام ووضع نفسه بتصرف المحكمة الحزبية التي شكلت خصيصاً لمحاكمة المسؤولين عن الاتقلاب الذي حصل سنة 1962 .
بعد ذلك ودعتُ اهلي واخوتي وحزمتُ بعض اغراضي وكتبي وحملتُ مهمتي الجديدة وانا في عمر العشرين ، لقد كنتُ كمن يحمل الجمر ويمشي في طريق صعب وطويل وما زلتُ فيه من دون نهاية ، وما نهايةُ الجمر الا الرماد .
الى اللقاء في حلقة جديدة واسلموا للحق والجهاد لأجل الوطن والأمة.
Memoir of Kamal Nader. Part 11
ذكريات الجمر والرماد .11.
في منفذية الطلبة كثر عددنا بشكل كبير فتم فرزها الى منفذيتين ، واحدة للثانويين والثانية للجامعيين ولكل منهما هيئة كاملة وهما تحت اشراف مكتب الطلبة ،
ففي ذلك الوقت لم تكن هناك عمدة للتربية ولا عمدة لعبر الحدود بل مكتب لهذا الاختصاص ومكتب لذاك وكلاهما تحت اشراف عمدة الداخلية منعاً لتضارب الصلاحيات .
وكان يومها الامين الرائع كامل حسان عميدا للداخلية وهو من اروع من تولى هذه العمدة في تلك الفترة الدقيقة حيث يجب اعادة تنظيم الفروع بعد الخروج من مرحلة العمل السري التي سبق ان وصفتها لكم .
كما كان الامين كامل رئيساً لمجلس العمد ويقوم مقام الرئيس في حال سفره أو شغور المركز . وبكل تواضع كان يعمل اكثر من 15 ساعة في اليوم ، ومكتبه غرفة صغيرة في مركز الحزب في شارع ” فردان ” وليس عنده طاقم عديد في العمدة حتى انه كان يطبع القرارات والتعاميم بنفسه على آلة ” دكتيلو ” يدوية لكنه كان اسرع من الكومبيوتر اليوم .
وكان حازماً وجاداً في الادارة والنظام مع محبة قومية اجتماعية راقية كنا نلمسها في طريقة التعامل معنا حتى عندما يضطر الى قرار فصل او عقوبة فانه يصدرها بقوة مشفوعة بمحبة وحرص على تربية المخطئ واعادته الى خط النظام الصحيح .
اما منفذية الطلبة الجامعيين فكانت مؤلفة من خمسة كوادر ممتازين اذكر منهم المنفذ العام يوسف سالم وناظر التدريب جبران عوّاد وناظر الاذاعة فهيم داغر . كانت هيئة نشيطة جدا تدير عدة مديريات كبيرة العدد تتوزع في كليات الجامعة اللبنانية والاميركية واليسوعية والعربية ، وتلك هي الجامعات في ذلك الزمان وليس مثل اليوم حيث توجد في لبنان حوالى 40 جامعة .
كانت التحركات الطلابية ناشطة جدا ، مظاهرات ، ندوات ، محاضرات ، اشتباكات بالايدي مع احزاب اخرى ، وكانت المدريريات تساند بعضها في الساعات ” العصيبة ” فترى النفير يدق في ” الحقوق ” وبقية الكليات لمساندة شباب ” ألاداب ” ، فيتوافد القوميون الى مكان الاشكال وغالباً ما يحسمونه قبل ان تتدخل القوى الأمنية .
اما التظاهرات فكان معظمها للمطالبة بتطوير الجامعة اللبنانية وزيادة كلياتها خاصة في العلوم التطبيقية كالهندسة والطب ، وتحسين مبانيها وتأمين الكادر التعليمي المتفرغ لها .
وفي الشؤون السياسية كنا نتظاهر لمناهضة الطائفية ولتطوير النظام السياسي ، ودعماً لفلسطين ولمنظمة التحرير ومنع ضربها خاصة مع ظهور خلافات حادة بينها وبين المملكة الاردنية والتي تطورت الى اشتباكات والى مجازر ايلول السوداء سنة 1970 .
وفي الشؤون المعيشية والاجتماعية كنا نساند مطالب العمال والمزارعين ونناهض الحرمان والظلم الاجتماعي والاستغلال ونطالب بالعدل الحقوقي والمعيشي وبتوسعة خدمات الضمان الاجتماعي وحمايته من الاستغلال .
كان نظامنا الداخلي في منفذية الطلبة صارماً جدا وهناك لائحة من الممنوعات التي يمكن ان تؤدي مخالفتها الى الفصل. فالاركيلة والمسبحة ممنوعة لأنهما عادات عثمانية تركية ، واللباس الخلاعي المستورد ممنوع لأنه يعني الميوعة وهو مع امور اخرى في عالم الموسيقى والفن وصرعات ” الهيبيين ” و ” البيتلز ” مستوردة من امريكا والغرب لتسميم نفسيات الشباب ونشر الفساد فيهم ،
بينما يجب ان يكون القوميون الاجتماعيون معروفين من مشيتهم ومن مظهرهم واخلاقهم بين الناس ولا يلجأون الى التقليد السطحي والاعمى للموضة المستوردة . ولم يكن الجلوس في المقاهي لوقت طويل مستحباً لأنه اضاغة للوقت اما القمار فجريمة يعاقب مرتكبها بشدة .
لم يكن للحزب موارد مالية كبيرة فكانت الاشتراكات تجبى لتأمين بعض اللوازم وليس هناك متفرغون يقبضون معاشات بل كلها امور تتم بالتطوع بدون مقابل مالي . حتى اذا ذهبنا الى مخيم تدريب ندفع اشتراكات لتأمين الحاجات اللوجستية والطعام .
في تلك السنوات 69 و70 قمنا بعدة رحلات الى بيت الدين والبقاع الغربي وراشيا ، والى نهر العاصي ، وكانت الاعداد كبيرة جدا ، يرافقنا فيها غسان مطر باشعاره الثورية المتجددة ‘ خاصة قصيدة ” رحمات الله عليه ابي ” وقصيدة ” شرايين الثورة ” و” الجرح النازف ” والتي جمعها فيما بعد ضمن ديوان عنوانه “ احبك يا حزيران ” ولا انسى ايضا قصيدة ” الراهبة ” وغيرها من روائع الشعر .
كما كان صوت حياة الحاج الفيروزي الجميل يزين الرحلات والحفلات وتطل علينا ادال نصر بصوتها الصافي والجبلي القوي في اناشيد ” موطني ” و “على الوادي ” و ” يا فاتح درب القمة بخيمة صنين ” وغيرها من الاناشيد والاهازيج واغلبها من نظم الامين عجاج المهتار .
كما كان يرافقنا فوزي عبد الخالق بشعره الزجلي … على ان قصائد خالد زهر في مهرجانًي اول اذار وعيد العمل قد الهبت العقول والمشاعر والايدي وصارت بعض مقاطعها تدور على كل لسان .
وفي تلك السنة تعرفت لأول مرة على الامين محمود عبد الخالق بقامته الطويلة والكبيرة وظلت رفقتنا طيلة هذه السنين الى حين وفاته سنة 2018 .
يبدو ان المقالة قد صارت طويلة فنترك البقية الى الحلقة التالية .
الى اللقاء واسلموا للحق والحياة وللنهضة وللوطن .
Memoir of Kamal Nader. Part 8
ذكريات الجمر والرماد. 8 .
لنا في ضهور الشوير عرزالٌ وذكرى لقائد ومعلم قلما يأتي الزمان بمثله ، فاما المعلم فقد قتلوه خوفاً من عقله وفكره ومشروعه الكبير ،واما العرزال فقد احرقوه كي لا يبقى اثرٌ منه انتقاما وقهرا لنا وللأمة .
ففي سنة 1962 وعلى اثر الانقلاب تعرض الحزب القومي لاضطهاد وعذاب شديدين ، وزج الالوف في السجون دون ذنب ، واحرقت بيوت وخُرّبت ارزاق ، وتمادى الحقد حتى طال عرزال الزعيم فاقدمت سرية ٌ من الجيش على قطعه مع الصنوبرات التي يقوم عليها ، وحملته الى ساحة ضهور الشوير واحرقته امام القوميين والمواطنين في مشهد تجمعت فيه الحقارة والندالة والحقد والانتقام .
برغم ذلك ظل مكان العرزال والصنوبرات المحيطة به موضع تقديس رمزي عند القوميين ومزاراً لكل من آمن بأن النهضة هي طريق الامة الى الحياة والازدهار والكرامة .
وكنا في كل سنة نحمل امتعتنا وخيمنا ونذهب الى هناك لنقضي بعض الايام في الدرس والتدريب على النظام والقواعد الاخلاقية ومواجهة الاخطار والضغوط .
واذكر انه في يومٍ من الايام ، جاء شابٌ طويل القامة عريض المنكبين وذو قسمات وجه مميزة عرّفوني عليه بأنه الامين جبرايل عون ، فاخذني جانباً واخرج من جيب سترته كتابا صغيرا يبدو انه نجا من الحريق والمصادرة ، وقال لي هنا تجد المبادئ وغاية الحزب وعليك ان تحفظها حرفياً لأن ذلك ضروري لنجاحك في العمل ،
واضاف بأنه سيعود بعد اربع ساعات ويسالني عنها ويستمع الى ما حفظته منها . جلستُ الى جذع صنوبرة بعيدة عن مكان رفقائي ودرست ما في الكتاب كانني امام امتحان رسمي ، ولما عاد الامين جبرايل كنت قد حفظت كل شيء حفظاً دقيقاً وتاماً واسمعتهُ اياه ، ومن يومها ما نسيت حرفاً من هذه المبادئ وانحفرت في قلبي وعقلي وعلمتُها وشرحتُها لألوف من المواطنين والرفقاء …
في ذلك المخيم تعرفت على عصام حريق وجوزيف قربان وايلي عون وغانم خنيصر واخيه فيليب وغيث جديد وسعيد عطايا وياسر الحسنية ( استشهد سنة 76 غدراً ) وايلي ابو ابراهيم وابراهيم الوزير ،
وكلهم صمدوا في خط النضال وما زالوا ، بعضهم حمل رتبة الامانة وبعضهم فارق هذه الدنيا ، ولكن لم ينهزم احدٌ من ذلك الجيل ولم يتراجعوا وما زلنا نحفظ لبعضنا اجمل الذكرى والوفاء والاحترام .
كنا نتردد على بيت الزعيم ونزور الامينة ديانا المير التي تركت الارجنتين حيث اهلها وعادت الى الوطن لتهتم ببنات سعاده بعدما اعتُقلت شقيقتها الامينة الاولى جولييت المير في سجن المزة الظالم بدمشق لمدة تزيد عن سبع سنوات .
وكانت هناك راغدة بنت الزعيم اما صفية واليسار فكانتا خارج الوطن بسبب ظروف الحزب ما بعد الانقلاب .
وانني لا انسى وجه الامينة ديانا وطلتها الجميلة وعينيها وروحها الحلوة وصبرها على مكاره الحياة خاصةً وانه لم تتعرض عائلة للظلم الذي تعرضت له اسرةُ الزعيم انطون سعاده . كما لا انسى راغدة بوجهها الابيض وشعرها الاجعد وبشاشتها وروح النكتة الظاهرة في تصرفاتها وكلماتها برغم حرمانها من امها ومن والدها .
في السنوات التالية ترافقتُ مع صديقي القومي الاجتماعي سميح الدقدوق في مخيم آخر وقضينا سويةً اياماً جميلة لا تُنسى ، ثم غبت عنه بسبب انتقالي الى الكورة وبسبب ظروف الحرب اللبنانية ، الى ان عدنا والتقينا في ضواحي خلده بعد انتهاء الحرب ، وتشاء الصدف ان اكون المندوب عن مركز الحزب يوم وفاته في تشرين الاول من عام 2015 وان القي فيه خطبةً في دار عرمون .
ومع عملي في جريدة النهار كنت اقوم باعمال حزبية كثيرة خاصةً في الحلقات الاذاعية ، ضمن منفذية الطلبة ومنفذية الضاحية الشرقية لبيروت ومنفذية المتن الاعلى .
وذات يوم طلب مني المنفذ الامين محمد غملوش ان اصعد الى بلدة العبادية لأقدم شرحا اذاعيا للمواطنين هناك وقال لي ، عليك ان تدبر نفسك في سيارة او شاحنة صاعدة الى البقاع ثم تنزل على مفرق عاريّا قرب المخفر ومن هناك تستقل سيارة اجرة ، وعندما تصل تسال عن بيت انيس تابت .
قمت بالعمل تماما واستعنت بكتاب المبادئ فدرست موضوع الحلقة ، وشرحتها للمواطنين وكانوا كثراً ، ولما عدت الى البيت فتحت كتاب المحاضرات العشر لأرى إن كنت نسيت شيئا مهما او قصرتُ في الشرح . وبالفعل فقد وجدتُ بعض النقص وقلت ساعوضه في الاسبوع القادم ، وعندما التقيت المنفذ في اليوم التالي قال لي ان الشباب في العبادية كانو مرتاحين جداً لشروحاتك وهم يصرون على ان تعود اليهم كل اسبوع .
وهكذا واظبت على الذهاب الى العبادية متنقلاً من سيارة الى بوسطة وعندما تنتهي الحلقة كان الشباب يوصلونني الى عاليه فاقف قرب ” قصر اسمهان ” انتظر سيارة اجرة انزل بها الى بيروت لألتحق بعملي الليلي في جريدة النهار .
وفي تلك الفترة تعرفت الى عدنان طيارة وسمير ابو ناصيف وميشال خوري ويوسف غندور والى العديد من القوميين الاجتماعيين المثقفين والناشطين في سبيل اعلاء شأن هذه الامة المضروبة بالف نوع من الخراب والذل والقهر والحرمان ، والتي لا تكاد تنتهي من حرب ومجزرة حتى تقع في حرب اشد وادهى .
هكذا كانت تدور حياتي بين العلم والعمل والنشاط الاذاعي وقلما كان عندي وقت فراغ للأمور الخاصة .
الى اللقاء في الحلقة القادمة من هذه الذكريات .