Posts Tagged ‘الرحابنة’
Amber and Ashes: Kamal Nader memoir. Part 13
ذكريات الجمر والرماد . 13 .
ما كاد العام 1970 ينصرم الا وكانت حياتي قد انقلبت رأساً على عقب . ففي اوائل الصيف دعاني رئيس الحزب الامين عبدالله سعاده الى مكتبه وحدثني عن وضع الكورة بكونها منطقة قومية اجتماعية(Syria National Social Party, SNSP( بغالبيتهىا وقلعة من قلاع النهضة ، وطلب مني ان اترك عملي في جريدة النهار وانتقل لأتسلم مسؤولية المنفذ العام للكورة .
حاولت ان اثنيه عن قراره فواجهني بأن مصلحة الحزب تقتضي ذلك وبأننا اقسمنا على التضحية من اجل الامة والقضية وقال لي مصلحة الحزب فوق مصلحتك الفردية وعليك ان تنفذ .
بدا لي الامر مغامرة كبيرة وخطيرة على حياتي التي تصدعت اولاً بسبب السجون وخسرت سنة جامعية وانني ما كدت اعيد ترتيب وضعي في السنة التالية بالالتحاق بكلية الحقوق وبالعمل في وظيفة مهمة بجريدة النهار ومعاش جيد بمقياس ذلك الزمن ، حتى واجهتُ امتحاناً كبيرا وصعباً سيكلفني خسارة كل مستقبلي العلمي والمهني .
لقد احدث القرار ازمة في عائلتي ووقع عليهم كالصاعقة ، ولكننا تجاوزنا كل المحاذير وقبلنا هذا التحدي المصيري ، وهكذا بدأت اصفّي اعمالي وانهي الامور التي اقوم بها تمهيداً للإنتقال الى المهمة الجديدة .
كنا منذ ربيع ذلك العام نقوم بالتحضيرات والتمارين على اداء مسرحية “ ايام فخر الدين ” للأخوين رحباني ، وكان مدير المشروع هو الاستاذ حميد نعمه ،
منفذ الكورة آنذاك وفي نفس الوقت هو استاذ في مدرسة الحدث العالية لصاحبها ومديرها الاستاذ حبيب حبيب وهو من جيل القوميين الاجتماعيين المثقفين والاخلاقيين في الكورة . لقد اسندوا اليّ دور الامير فخرالدين ، والى حياة الحاج دور فيروز وعطر الليل ، وحياة هي صبية قومية اجتماعية من بلدة الحدث ،
ولعبت الرفيقة فداء بنت الامين الياس جرجي دور الاميرة منتهى علم الدين التي تريد انتزاع الامارة من فخر الدين ، كما اسند الى الرفيق ايلي الياس دور الكجك احمد وهو ضابط عثماني كان يعمل بخدمة الامير لكنه يتىآمر عليه مع الاميرة منتهى ،
واتذكر من رفقة ذلك العمل الجميل كلا من سهيل حبايب واخيه سمير وكرم كرم وندى غازي وكثيرين التقوا على مدى ثلاثة اشهر غنوا سوا ورقصوا وفرحوا ثم مضى كلٌ الى حياته وكانوا ناجحين حيثما ذهبوا ،
وبقيت اصواتهم وضحكاتهم في ارجاء المكان الذي تدربوا فيه وعلى شاطئ لبنان حيث قدموا المسرحية .
كانت التمرينات الفنية تتم في ملعب مدرسة الحدث العالية واحدى قاعاتها الكبيرة وكان عدد المشاركين كبيراً تدربوا على لعب الادوار والاغاني وحلقات الدبكة ، مع كل ما يلزم العمل من ثياب فولكلورية ومؤثرات صوتية واضاءة وتمثيل . الى ان وصلنا الى الموعد المحدد لتقديم هذا العمل الفني الصعب على مسرح ” شاطئ لبنان “ وهو منتجع سياحي اقامه رجل اعمال ناجح من آل فرح على الواجهة البحرية في بلدة ” شكّا ” .
كان الجمهور الحاضر كبيراً ومتحمساً لمشاهدة هذا العمل الفني الذي يعتبر من اهم اعمال الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين .ولقد نجحنا في الاداء وقدمنا المسرحية كاملةً وسط حماس الجمهور واعجابهم بالمستوى الراقي وباصوات الذين قدموا الأغاني والذين ادوا الدبكات بالثياب المزركشة والازياء التقليدية الاميرية .
وعادت الحفلة بمردود مالي كبير لمنفذية الكورة اما نحن وجميع الذين قدموا المسرحية فلم نقبل ان نأخذ شيئاً من المال وقلنا ان عملنا هو تقدمة للحزب . يؤسفني اليوم انه لم يتم تسجيل تلك المسرحية على شريط فيديو ففي ذلك الوقت لم تكن وسائل التصوير والتواصل قد تطورت وازدهرت كما هي اليوم .
ما ان انتهينا من المسرحية حتى جاءني القرار بالالتحاق بالمخيم المركزي للتدريب تمهيداً لتسلم مسؤوليتي الحزبية في الكورة . كان المخيم يقوم في اعالي جبل صنين فوق بلدة بسكنتا، ويمتد على ارض جرداء ليس فيها سوى شجرة واحدة لا تكفي لايواء عدد ضئيل منا تحت اشعة شمس آب اللهاب وكانت هناك نبعة ماء صافية وباردة آتية من ذوبان الثلج الذي يبقى من سنة الى سنة على قمة الجبل .
لقد كان عددنا كبيرا في تلك الدورة وهي الثانية من اصل ثلاث دورات حصلت في ذلك المكان .
وكان المخيم تحت قيادة ضابط حازم قليل الكلام شديد الرصانة والجدية يدعى ” الرفيق حبيب ” وعلمنا انه الامين ياسين عبد الرحيم وهو ضابط سابق في الجيش السوري تم تسريحه سنة 1955، يعاونه في التدريب مدرب اسمه ابو الطاهر اسمر طويل القامة ، وابو الوليد الذي عرفنا فيما بعد انه الامين بهجت الحلبي من بلدة ينطا في سفوح جبال لبنان الشرقية .
في ذلك المخيم تدربنا على امور كثيرة عسكرية وادارية ونظامية وثقافية ، وهي كلها من ضرورات البنيان المرصوص لصفوف الحزب الذي كان يعد نفسه لخوض احداث كبيرة كانت تلوح في افق الوطن والشرق عموماً .
هنا نلمس اهمية البناء الذي انشاه انطون سعاده لأنه كان يعرف صعوبة المهمة التي اسس الحزب من اجلها ولم يكن يبغي في الحياة لعبة سياسية او تنظيماً يصل على متنه الى منصب او غاية فردية خصوصية .
انهينا الدورة وعدت الى بيروت وبعد يومين قدمت استقالتي من جريدة النهار ثم مررتُ على مركز الحزب وتسلمتُ مرسوم تعييني منفذا عاماً للكورة موقعاً من رئيس مجلس العمد الامين كامل حسّان ، لأن الأمين عبدالله سعاده كان قد تنحى عن الرئاسة بموجب قرار المؤتمر العام ووضع نفسه بتصرف المحكمة الحزبية التي شكلت خصيصاً لمحاكمة المسؤولين عن الاتقلاب الذي حصل سنة 1962 .
بعد ذلك ودعتُ اهلي واخوتي وحزمتُ بعض اغراضي وكتبي وحملتُ مهمتي الجديدة وانا في عمر العشرين ، لقد كنتُ كمن يحمل الجمر ويمشي في طريق صعب وطويل وما زلتُ فيه من دون نهاية ، وما نهايةُ الجمر الا الرماد .
الى اللقاء في حلقة جديدة واسلموا للحق والجهاد لأجل الوطن والأمة.