Posts Tagged ‘Al Imad Hàmàd’
What are your positions and opinions on Literature/Culture?
A review of the positions of Antoun Saadi for the new struggle of ideas in the Syria Nation
من كتاب الصراع الفكري في الأدب السوري
طريق الأدب السوري
بهذا الاتجاه الجديد يمكن أن يترافق الأدب والحياة، فيكون لنا أدب جديد لحياة جديدة، فيها فهم جديد للوجود الإنساني وقضاياه التي نجد فيها الفرد والمجتمع وعلاقاتهما ومُثُلهما العليا كما تراها النظرة الجديدة الأصلية إلى الحياة والكون والفن. إن الأدب الصحيح يجب أن يكون الواسطة المثلى لنقل الفكر والشعور الجديدين، الصادرين عن النظرة الجديدة، إلى إحساس المجموع وإدراكه، وإلى سمع العالم وبصره فيصير أدبًا قوميًّا وعالميًّا ، لأنه يرفع الأمة إلى مستوى النظرة الجديدة، ويضيء طريقها إليه، ويحمل، في الوقت عينه، ثروة نفسية أصلية في الفكر والشعور وألوانهما إلى العالم.
لا يمكن أن ينهض الأدب عندنا، ولا أن يصير لنا أدب عالميٌّ يسترعي اهتمام العالم، وتكون له قيمة عالمية باقية، إلا بهذه الطريقة، ولنفترض أنه يمكن إنشاء أدب جديد، أو إحداث «تجديد» في الأدب، من غير هذا الاتصال الوثيق بينه وبين النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، فما هي الغاية أو الفائدة منه وهو شيء غريب بعيد عن نفس الجماعة وقضاياها الفكرية والشعورية، أو عن قضايا الإنسانية، كما تمثل ضمن حياة الجماعة المعينة وحيز فكرها وشعورها، في أرقى ما يمكن أن يصل إليه هذان العاملان النفسيان؟
إن الأدب الذي له قيمة في حياة الأمة، وفي العالم، هو الأدب الذي يُعنى بقضايا الفكر والشعور الكبرى، في نظرة إلى الحياة والكون والفن عالية أصلية، ممتازة، لها خصائص شخصيتها. فإذا نشأت هذه النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن أَوْجَدَتْ فهمًا جديدًا للقضايا الإنسانية، كقضية الفرد والمجتمع، وقضية الحرية، وقضية الواجب، وقضية النظام، وقضية القوة، وقضية الحق وغيرها. وبعض هذه القضايا يكون قديمًا فيتجدد بحصول النظرة الجديدة إلى الحياة، وبعضها ينشأ بنشوء هذه النظرة. فالحرية، مثلًا، كانت تُفْهَمُ قبل النظرة الجديدة إلى الحياة في أشكال واعتقادات لا وضوح ولا صلاح لها في النظرة الجديدة، فلما جاءت النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، التي نشأت بسببها الحركة السورية القومية الاجتماعية، وقرنت الحرية بالواجب والنظام والقوة، وفَصَّلَت الحرية ضمن المجتمع وتجاه المجتمعات الأخرى هذا التفصيل الواضح الظاهر في تعاليمها، نشأت قضية جديدة للحرية ذات عناصر جديدة يبيِّنها فهم جديد، يتناول أشكال الحياة كما تراها النهضة القومية الاجتماعية، وفعل الحرية وشأنها ضمن هذه الأشكال.
والحب كان قضية شهوات جسدية ملتهبة، لها شكل مادي يظهر في العيون الرامية سهامًا، وفي خمر الرضاب، وفي ارتجاف الضلاع، وتَثَنِّي القدود، فصار قضية جمال الحياة كلها، واشتراك النفوس في هذا الجمال. عُرِضَ علي، مرة، سجل أمثال وأقوال، فرأيت فيه قولًا مفاده أن الصداقة أجمل ما في الحياة، فكتبت في صفحة منه: «الصداقة هي تعزية الحياة، أما الحب فهو الدافع نحو المثال الأعلى.» ومهما يكن من أمر رأيي في الصداقة، فرأيي في الحب يدخل في قضية الحب الجديدة، فالمثال الأعلى هو ما تراه نظرة إلى الحياة والكون والفن واضحة، معينة، والحب الواعي هذه النظرة يتجه دائمًا نحو مثالها الأعلى، ويرمي إلى الاقتراب منه، في كل اختلاجة من اختلاجاته. إن قضية كون الوصال غاية المطالب العليا النفسية هي قضية قد ماتت للنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، وحلت محلها قضية كون الحب اتحاد فكر وشعور، واشتراك نفوس في فهم جمال الحياة، وتحقيق مطالبها العليا.
لقد نشأت نظرة إلى الحياة والكون والفن جديدة في سورية، ونتج عنها مجرى حياة جديد لتيارات النفس السورية، التي كانت مكبوتة ومحجوزة. فهل يتنبه لهذه الحقيقة أدباء سورية، وخصوصًا شعراؤها، ويُلَبُّون هاتف الدعوة، ويشتركون في رفع الشعب السوري إلى مستوى النظرة الجديدة ومُثُلها العليا، ويوجِدون هذا الأدب الغني بالقضايا الفكرية والشعورية، التي كانت كامنة في باطن نفسيتنا، حتى ظهرت في النظرة الجديدة إلى الحياة؟
لا شك عندي في أن هذا ما يحدث الآن عند جميع الأدباء، الذين اتصلوا بالنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، وفهموا قضاياها الكبرى في الحقوق والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وفي الأخلاق والمناقب والمثل العليا، وإني موقن بأن هذا ما سيحدث لجميع الناشئين على اتصال وامتزاج بهذه النظرة المحيية، ولكني أشك في أمر الأدباء الذين نشئوا قبل ظهور النظرة الجديدة إلى الحياة، وظلوا بعيدين عن مراميها وقضاياها الكبرى، وغير متصلين بمجرى الحياة الجديد، الذي وَلَّدَتْهُ هذه النظرة، أو الذين، مع إحساسهم بمجرى الحياة الجديد، لم يجدوا في نفوسهم قوًى كافية لنقلهم من حيز نظرة إلى حيز نظرة أخرى، ومن اتجاه مجرًى إلى اتجاه مجرى آخر.
بعض العلل المانعة لهؤلاء الأدباء من الأخذ بالنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، واضحٌ في النزعة الفردية التي دللت عليها في كتاب السيد يوسف المعلوف إلى نسيبه الشاعر، شفيق معلوف، إذ يقول له: «اعتن في مؤلفاتك المقبلة أن تكون مبتكرًا فيما تنزع إليه، سواء كان بالفكر أو بالعمل، وأن تكون مقلَّدًا لا مقلِّدًا في سائر أعمالك؛ لأن على هذه القاعدة الأساسية تتوقف شهرة المرء في الحياة.» وقد بينتُ في صدر الدرس غلط هذا التفكير الذي يجعل الشهرة الشخصية غاية الفكر والعمل في الحياة. وأَزِيدُ هنا أن العمل بهذه «القاعدة الأساسية» التي وضعها عم الشاعر المذكور يئول إلى هدم الحقائق الأساسية التي يجب أن تكون بُغْيَةَ كل تفكير تعميري وكل شعور حي، جميل، لأنه متى صار كل نابه يسعى ليكون مقلدًا، فكم تكون التفرقة والفوضى عظيمتين بين المتزاحمين على «الابتكار» بقصد الشهرة والاستعلاء على زملائهم، الذين يصيرون أندادًا؟ ألا يبلغ بهم التزاحم والمناقضة حد العداوة والبغضاء والحسد المستورة بظواهر شفافة من الرياء والتدجيل في المظاهر والمطالب؟
قلت في ما تقدم: إن شفيق معلوف قَبِلَ القاعدة الفردية التي وضعها عمه، ولكنه لم يتقيد بها كل التقيد؛ لأنه احتاج إلى تبرير مجاراته سواه في شعره فقال: «ولئن طرقت بابًا ولجه سواي فهل في كل ما تتناوله القرائح ما يطرق الناس بابه؟» وقلت أيضًا إن شفيق معلوف كاد يصل، من هذه الناحية، إلى طَرْق باب ينفتح عن أفق تنبلج فيه أنوار فجر تفكير أصلي جديد، ولا يقصر إلا خطوة، أو قفزة واحدة ليلج هذا الباب. فما هي هذه الخطوة أو القفزة، وكيف تكون؟
سبق لي القول: إن الخطوة المطلوبة تفصل بين عالمين، وقد تحتاج لعكاز؛ ذلك لأنها تنقل صاحبها من نفسية إلى نفسية، ومن نظرة إلى نظرة، فيصير لها عالم جديد بأشكاله وألوانه وغاياته ومُثُله. الخطوة أو القفزة المطلوبة تكون باستعمال جميع القوى النفسية لِرُقِيِّ عالم النزعة الفردية والغايات المادية، وترك جعل حب إبراز الشهرة الفردية غاية أخيرة للفرد، والقفز إلى عالم ابتغاء الحقيقة الأساسية الكبرى، التي يستقر عليها الفكر، ويطمئن إليها الشعور، واتباعها حين توجد، سواء أوجدت بالاهتداء الذاتي أم بهدي هاد، هي حقيقة الفرد والمجتمع، وحقيقة النفسية السامية التي انتصرت على قيود المادية المجلجلة في الحضيض، وحلقت إلى السماء — السماء، التي لا تخلو من ألم وعذاب، ولكن ألمها وعذابها ليسا من أجل الشهوة المتلظية في المهج، بل من أجل ما هو أسمى من ذلك بكثير — من أجل ما لو أُطفئ لظى الشهوة الجسدية، وقضت النزعة البيولوجية وطرها لَظَلَّ لظاه يلذع النفوس ويعذبها حتى تجد له تحقيقًا — من أجل خذل الأقبح والأسفل والأرذل والأذل، ورفع الأجمل والأسمى والأنبل والأعز، فلا تكون هنالك اختلاجات حب إلا ضمن دائرة هذا الوعي، الذي يرفع قيمة الإنسانية طبقات جوية فوق القناعة براحة النزعة البيولوجية ذات الارتباط المادي، الغافلة عن المطالب النفسية الجميلة في نظرة شاملة الحياة والكون والفن.
القاعدة الذهبية، التي لا يصلح غيرها للنهوض بالحياة والأدب، هي هذه القاعدة: طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أَجْوَدَ في عالم أجمل وقيم أعلى. لا فرق بين أن تكون هذه الحقيقة ابتكارك، أو ابتكاري، أو ابتكارَ غيرك وغيري، ولا فرق بين أن يكون بزوغ هذه الحقيقة من شخص وجيه اجتماعيًّا ذي مال ونفوذ، وأن يكون انبثاقها من فرد هو واحد من الناس؛ لأن الغرض يجب أن يكون الحقيقة الأساسية المذكورة، وليس الاتجاه السلبي الذي تقرره الرغائب الفردية، الخصوصية، الاستبدادية.
وقد قرب شفيق معلوف كثيرًا من هذه القاعدة في جوابه إلى عمه، ولكنه وقف خطوة دونها، فإذا هو خطاها تم له هذا الانتقال الفاصل من عالم إلى عالم، واستغنى عن نصائح عمه، التي تحتاج لغربلة متكررة، وعن إرشادات أمين الريحاني الغامضة، الخاوية، التائهة، وعن تَخَبُّط الأدباء السوريين والمصريين في «التجديد» وكيف يكون.
أعتقد أن لشفيق معلوف هذا الاستعداد العقلي-الروحي، لإدراك القاعدة المذكورة آنفًا، والغاية النفسية التي يقوم عليها أدب خالد. فهو قد وقف قريبًا جدًّا من هذا الإدراك الذي وقف معظم شعراء سورية ومصر وأدبائهما بعيدين جدًّا عنه. وهو الإدراك الوحيد الذي يمكن أن يجد مستقرًّا في النفوس وفي الأجيال. وكان اقتراب شفيق معلوف واضحًا في قوله: «إذ ليس الشاعر، في عرفي، من ضج له الجيل الواحد، حتى إذا تبدلت الأوضاع واختلفت الأحوال تناسته من بعده الأجيال.» وهذه منزلة لا يمكن بلوغها إلا بالاتصال بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن، مشتملة على حقيقة أساسية صالحة لإنشاء عالم جديد من الفكر والشعور، إذا لم يكن هو العالم الأخير، الأسمى على الإطلاق، عند المشككين، فهو عالم فوق العوالم الماضية، ودرجة لا بد منها لاطراد ارتقاء الإنسانية النفسي؛ ولذلك هو عالم خالد، لأن ما سيأتي بعده في الآباد البعيدة سيصدر عنه ويثبت نفسه عليه، أو، على الأقل، ستكون النفوس التي ارتقت إلى هذا العالم الجديد مستعدة لاقتبال عالم أَجَدَّ، إذا كشفت مخبآت الأبد إنه سيكون ممكنًا إحداث ذلك العالم، الذي لا يمكننا، الآن وإلى أمد بعيد، تصور موجباته وحقائقه وقضاياه، ولكننا نتصور، بموجب مبدأ الاستمرار والاطراد الفلسفي، الذي أضعه نصب عيني في فهمي الوجود الإنساني، أنه لا بد من أن يكون ذا اتصال وثيق بعالم نظرتنا الجديدة وحقائقه وقضاياه، كما أننا نرى، بموجب هذه النظرة، أن عالمها ليس شيئًا حادثًا من غير أصل، بل شيئًا غير ممكن بدون أصل جوهريٍّ تتصل حقائقه بحقائقه، فتكون الحقائق الجديدة صادرة عن الحقائق الأصلية القديمة بفهم جديد للحياة وقضاياها والكون وإمكانياته والفن ومراميه.
ها قد بلغتُ غايةَ ما أردت توجيه فكر أدباء سورية وشعورهم إليه، في هذا الدرس المستعجل المقاطع مرارًا عديدة في سياقه، ورجائي إليهم أن لا يظنوا أن ما دفعني إليه هو محبة سبقهم إلى «الابتكار» أو رغبة في أن أكون «مقلدًا». إن ما دفعني إليه هو محبة الحقيقة الأساسية، التي وصل إليها تفكيري ودرسي، وأوصلني إليها فهمي، الذي أنا مديون به كله لأمتي وحقيقتها النفسية، وشعرت بالواجب يدعوني لوضعها أمام مفكِّري أمتي وأدبائها، وأمام أمتي بأجمعها، من أجل ما هو أبقى وأفضل وأسمى لحقيقة الأمة، وهي حقيقة تساعد كل مفكر وأديب على تثبيت شخصيته ضمنها والبقاء فيها، وتمكن الأمة من أن يكون لها أدب عالمي تبقى فيه شخصيتها وتخلد.
انطون سعادة

What’s your concept for a Nation? Comparing Antoun Saadi and Michel Aflak (Baath)
Posted by: adonis49 on: July 21, 2020
What’s your concept for a Nation?
The Nation is relatively a new concept that developed after the French revolution when every “citizen” was forced to join the war activities, especially during Napoleon expansion in Europe..
For long time, frequent wars were launched to acquire “rights” of a monarch to other parts of countries as a result of marriages and other excuses to expand territories.
Countries that experienced frequent wars managed to give the illusions to soldiers that they belong to a Nation and must expect to be asked to join the war activities when required, him and his family members.
Apparently, this notion of Nation has withstood the turmoil in the last 2 centuries: 2 World Wars, Communism, multinationals, The European Union, the End of History… and kicking madly to conserve their “identities”
This article is comparing Antoun Saadi and Michel Aflak (Baath) notions of what constitute a Nation
مفهوم شخصية الأمة ما بين عفلق وسعادة
بقلم: نضال القادري
إن النظرة الإيديولوجية لمفهوم الوحدة والأمة هي أساس التباين بين الحزب السوري القومي الإجتماعي من وجهة نظر مؤسس حركته أنطون سعادة، وبين حزب البعث العربي الإشتراكي من خلال أفكار الأستاذ ميشيل عفلق الذي تأثر بالشيوعية وانخرط فيها وسرعان ما تركها لينهي حياته مسلما.
إن أهمية الطريقة العفلقية في الطرح الأديولوجي أنها خاطبت العقل العربي بمقولة جمعت بين المنطق والعاطفة حتى ليصح فيه قولا أن المهادنة المنطقية العاطفية كانت حاضرة وبقوة في أفكاره،
ورغم التناقض الحيوي بين اللفظين فهما تحملان خصوصية العقل العربي الذي عمل له إغراقا لنتائج رعت تطلعاته الفكرية والعاطفية، فإن توقه نحو التحرر من الأجنبي كان حلمه الأول،
ولكي تتم عملية التحرر، وجب أن يتوحّد ومن أجل أن يتوحدّ بسرعة، حتما وجب إزالة الرموز العميقة التي تعيق هذا التوحد،
ولكن كل هذه العملية لم تكن سوى بإسقاط حتمية الأمة العربية في فكره، فهو الذي نادى بالعروبة، وبالعلمنة.
ميشيل عفلق الذي اضطر تحت التعذيب إلى كتابة رسالة يعتذر فيها لحسني الزعيم ويتعهد له بعدم ممارسة العمل السياسي تعتبر إهانة لديمقراطية الإنقلابات والجنرالات في الشام.
ميشيل عفلق الذي مات مسلما دون أن يترك أثرا ثابتا في كيفية الجمع فيما بين اللفظين (المنطق والعاطفة)، وزاد من جرحه أن أخرجته أجنحة البعث السياسية إلى النفي والعزلة والموت فيما بعد، مشوها بالعسكرة والإنقلابات والتصحيحات التقدمية تحت ذريعة الأنسنة والوحدة بشعارات القومية المبتكرة،
ويجدر أن عفلق كان قد ترشح في 17/7/ 1947 حين حصلت أول انتخابات نيابية بعد الاستقلال، فسقط فيها مع رفيقه صلاح البيطار كممثلين عن البعث.
لقد برزت المسألة القومية المرتبطة بمفاهيم البعث في كتابات عفلق، وهو الذي علل في البدء تقديمه للقومية في مضمونها الإنساني الإيجابي قائلا:”لم نر أن من واجبنا البدء في تقديم البراهين على قوميتنا ومبررات وجودها، لأننا لم نتصور هذه القومية تصورا سلبيا، لم نتصور أنها وجدت لتخاصم غيرها، ولكي تثبت وجودها وحقها إزاء قوميات أخرى، أو لكي تدعي التفوق وحق السيطرة على غيرها أو لتدفع التهمة عن نفسها”. ثم أضاف لاحقا: “إن مشكلة القومية ليست في البرهان على وجودها، وإنما في تحقيق مضمون إيجابي حي لها”(1).
ثم أضاف في محاضرة تحت عنوان (القومية حقيقة حية ذات مضمون إيجابي إنساني) قائلا:” لم يظهر لنا التاريخ الإنساني بعد أن القومية شيء طاريء عابر سطحي يمكن أن يتلاشى تبعا لتبدل الظروف السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، بل إن ما يرينا إياه التاريخ هو أن القومية تتغلب على شتى التبدلات الساسية والإجتماعية وغيرها، وتظل حية حتى في حالة ضعفها وتراخي روابطها. والنظرة المتعمقة ترينا أن القومية،
وإن كانت تتأثر وتتغذى بكثير من العوامل الإقتصادية والإجتماعية إلا أنها تظل أعمق من هذه العوامل وأرسخ قدما وأبعد غورا في التاريخ، فهي من صنع أجيال وقرون وهي نتيجة تراكم طويل وتفاعل عميق أوصل إلى خلق صفات مشتركة وروابط روحية ومادية بين مجموعة من البشر أصبحت هي الشخصية المعبرة عن هذه المجموعة وهي المجال الطبيعي والحياتي الذي تنطلق فيه هذه المجموعة في تحقيق إنسانيتها”(2).
لقد رأى الأستاذ ميشل عفلق شخصية الأمة دفعة واحدة، لكنه لم يناقش أو يبدي البرهان على وجودها، ورأى أنها تتغذى بكثير من العوامل وبخاصة الإقتصادرية والإجتماعية.
أما المفكر أنطون سعادة، فهو لم ينظر إلى الأمة التي تكلم عنها غيره من ناحية اللغة أو الدين أو السلالة، ولم يطرح فكرة أسلمة الشرق كحل شامل لقضايا هذا المجتمع ليمكنه من الذوبان أو التفاعل مع غيره من بقاع “الأمة”
بخاصة عندما قال الأستاذ عفلق في نقده للواقع العربي:” ثمة ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي هي: التجزئة، والتخلف وفقدان الإتجاه الحضاري الواحد. فعندما تحسم مسألة القومية بإقرار وحدة الأمة، وعندما تحسم مشكلة التخلف بالخيار التقدمي الواضح الحاسم، يبقى موضوع روح الحضارة، وعندئذ نقرر الحقيقة التالية: أن الإسلام يشكل النسيج الروحي والحضاري للأمة العربية. فحركة الوحدة العربية، وهي حركة تاريخية، لم تتعثر حتى الأن، إلا لأنها لم تطرح بمضمونها الكامل على الجماهير العربية. أي بخياراتها الثلاثة: القومية العربية، والتقدم، والإسلام الحضاري”(3).
وهنا أسقط سعادة رهان الأستاذ عفلق، وذهب إلى العكس من ذلك تماما،
فأصر قولا أن حيث تخيب الرابطة القومية، لا يمكن أن تصيب الرابطة الدينية، لأن الرابطة الدينية تهمل الجغرافية والتاريخ والسلالة والاجتماع والاقتصاد والنفسية الاجتماعية، أي جميع العوامل التي توجد الواقع الاجتماعي وتتكفل بحفظه وسيرورته الواحدة في جغرافية الزمان والمكان،
ثم ربط فكرة الأمة بقيام وحدات على أسس علمية واضحة تتشكل فيها دورة التواصل المجتمعي على أسس إقصادية وسياسية لها مدلولها وشخصيتها المستقلة. أيضا،
لم يسقط سعادة مفهوم الأمة بطريقة عاطفية دون أن يناقش محتواها أو يهادن في مقدمات أو أسباب تخلفها، فلقد أقر بواقع المجتمعات العربية وشخصياتها المنفصلة عن بعضها، ووضع السيل الأيلة للتعاون فيما بينها على أسس السيادة الوطنية مقرا بشخصية الأمة السورية التامة كواقع علمي وإقتصادي وسياسي المكتسبة لشخصيتها عبر التاريخ.
ولأنه أعتبر أن لهذه الأمة رسالة عظيمة وضعها في غاية الحزب وخطته من حيث المبدأ قائلا:”إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الإجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى”(4).
إن هذا لم يكن تنظيرا أو سهوا أو محاباة لأحد،
لقد فسرها سعادة على الشكل التالي:”النظرية السورية القومية الاجتماعية في هذه المسألة هي: النهوض القومي الاجتماعي بسورية أولاً، ثم سلك سياسة تعاونية لخير العالم العربي. ونهضة الأمة السورية تُحرّرُ القوة السورية من سلطة الأجانب وتحوِّلها إلى حركة فعالة لإنهاض بقية الأمم العربية ومساعدتها على الرقيّ.
وهذه العروبة السورية القومية الاجتماعية هي العروبة الصحيحة الصريحة غير الملتوية. هي العروبة العملية التي توجد أكبر مساعدة للعالم العربي وأفعل طريقة لنهوضه.
إنها ليست عروبة دينية، ولا عروبة رسمالية نفعية، ولا عروبة سياسية مرائية: إنها عروبةٌ مثليّةٌ لخير العالم العربي كله”(5).
إنها عروبة سعادة التي تجمع ذوي الأصول السريانية والكردية والأشورية والفينيقية والداغستانية والكلدانية واليزيدية والتركمانية والكنعانية والشركسية،
وتمنحهم الشعور بالإنتماء إلى وحدات قومية يستميتون من أجلها في عالم عربي تكون فيه الأمة السورية التامة صاحبة دور ريادي في التكامل والرقي والتقدم. أيضا،
إنه سعادة الذي جمع الماروني والسني والشيعي والرومي والدرزي والبروتستنطي والنصيري،
وهو القادر على جمع ابن رام الله، والحسكة، وانطلياس والبصرة، وأربد ودمشق..
وهم الفلسطينيون والشاميون واللبنانيون والعراقيون والأردنيون، الذين مزقتهم مقدمات التخلف والنكبات الكيانية في عالم عربي،
لا خلاص له إلا بالعلمنة المؤمنة بالقومية شعارا وممارسة للحياة، كما أرادها سعادة من دون خوف في الولوج بأسباب السبات والتخلف.
إذا، لا يمكن أن نسقط التاريخ لصالح أهدافنا دون النظر إلى إرهاصاته الأولى ومكسباته عمليا،
من هنا أقول أنه لا يمكننا أن نجعل حدود اللغة والدين “حدوداً جغرافية”،
وكذلك الشعوب التي لم تكتسب وعيها القومي أو التي لا قدرة لها على اكتساب الوعي القومي، فهي ليست أمماً ولا أجزاء من أمة، بل جماهير لا شخصية لها، تنخر تاريخها وتتقدم نحو مستقبل الفشل الحتمي، وهي كارثة على مجتمعها من كل النواحي.
من هنا، إن نعتها بالجماهير ليس شانا إنشائيا بحتا، إنه الأساس في المبنى الذي قامت عليه مدرحية سعادة التي قالت بالإنسان ـ المجتمع، وربطتها بالعقل الوالج نحو التطور والإرتقاء، وبعملية المعرفة التي أناط الشرع الأعلى (العقل) عند سعادة مصدر القوة بها
فقال:”إن المجتمع معرفة والمعرفة قوة”.
وإن الإشتراك في بعض مناحي الحياة، قد يخلق إجتماعا بسيطا لا يرقى بمفهوم سعادة إلى مستوى الأمة التي لها وعيا لشخصيتها المكتسبة والموروثة (الأنسنة الملازمة للأمة والعقل الذي هو الشرع الأعلى)،
وأبرز موضع يدلك على ذلك في رسالته إلى السيدين أنيس ومحي الدين النصولي عندما يقول:”إن الأمة ليست الشعب وأن الشعب جزء من الأمة، وأن هذا أصل وذاك فرع”. أما نحن فنقول للسيدين النصولي أن اعترافهما بوجود شعوب في العالم العربي لا شعب واحد، يوازي الإعتراف بوجود أمم في العالم العربي لا أمة واحدة. ذلك لأن كل أمة شعب..
فإذا كان العالم العربي شعوباً لا شعباً واحداً فهو ليس أمة واحدة لأن الأمة هي الشعب الواحد المستفيق لنفسه والمكتسب شخصية سياسية.
وقد اكتسب الشعب السوري وعيه القومي فهو أمة. واكتسب الشعب المصري وعيه القومي فهو أمة أيضاً. أما الشعوب التي لم تكتسب وعيها القومي أو التي لا قدرة لها على اكتساب الوعي القومي فهي ليست أمماً ولا أجزاء من أمة، بل جماهير لا شخصية لها”