Posts Tagged ‘Antoun Saadi’
Articles by Leader Antoun Saadi
Posted by: adonis49 on: July 20, 2021
تحيا سورية،
إضاءة اليوم:
[…] قامت الأعمال السّياسيّة في الماضي على روح الطّائفيّة والتّكتّل الطّائفيّ، وظلّ سياسيّو العهد العتيق يتّخذون النّعرة الدّينيّة سلّماً لنفوذهم وأغراضهم، حتّى نشأ الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ من دماغ فردٍ خَرجَ منذ نعومة أظفاره على العصبيات الدّينيّة والرّوح الطّائفيّة، ووجّه دعوته إلى جميع أبناء الأمّة وبناتها لا فرق بين درزيٍّ ومسيحيٍّ ومحمّديّ. وسار الحزب سرّاً يجمع الصّفوف في غفلةٍ من رجال الدّين والإقطاع وذوي النّفوذ السّياسيّ المبنيّ على النّعرة الدّينيّة، حتّى انكشف أمره للحكومة وأُزيح السّتار عن وجوده ودعوته. فهبّ سياسيّو الطّائفيّة والرّجعة الدّينيّة من رقادهم مذعورين لأنّ لهيب الثّورة الفكريّة قد امتّد إلى ما في أيديهم وأخذوا لساعتهم يقاومون حدّة النّار بكلّ قوّتهم وبجميع ما بقي لهم من الوسائل. […]
[…] قام ذوو النّعرة الدّينيّة في لبنان يقولون إنّ الحزب هو ضدّ المسيحيّة والمسيحيّين، وإنّه بطلبه الوحدة السّوريّة يريد وضع المسيحيّين تحت رحمة المحمّديّين، وقام زملاؤهم في الشّام يقولون إنّ الحزب هو ضدّ المحمّديّة والمحمّديّين وضدّ العروبة المصاحبة للمحمّديّة. ولكي يحقّق كلّ فريقٍ دعواه عمد إلى التّأثير على أبناء ملّته المنخرطين في سلك الحزب ليخرجوا منه فيؤيّد دعواه أمام الجّماهير ففي لبنان تعهّدت بالحملة جمعيّة الجزويت ومقام البطريركيّة المارونيّة وبعض المطارنة الموارنة والأرثوذكس ورجال الأحزاب السّياسيّة المسيحيّة والمحمّديّة، وفي الشّام قام رجال النّفوذ الإقطاعيّ والطّائفيّ بهذه المهمة يدعمهم عددٌ من الشّيوخ المعمّمين. فكانت تُعقد المجالس العائليّة والدّينيّة للضّغط على المنضمّين إلى الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ ليخرجوا منه، كما فعل الدّكتور توفيق شيشكلي في حماه مع الرّفيق القوميّ الاجتماعيّ الدّكتور وجيه البارودي ومع الرّفيق المحامي الأستاذ أكرم حوراني، فعُقدت لهما المجالس الطّائفيّة الّتي قامت تُنكر عليهما انضمامهما إلى هذا الحزب الّذي زعيمه «مسيحيّ» وتُندّد بهما، الأمر الّذي اضطَرَّ منفّذيّة حماه لنشر كرّاسٍ تُفنِّدُ فيه دعوى الّذين يدّعون أنّه لا يجوز، دينيّاً، لمحمديٍّ أن يقبل تولية الأمر أحداً من «أهل الكتاب»، وكما جرى في مدارس البطريركيّة والمعاهد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت وفي جميع المدارس الخاضعة لأيّ نفوذٍ دينيٍّ مسيحيٍّ أو محمّديّ. ومن الدّروز كانت مقاومة المشايخ «الزّرق» واسعة ولكن بدون إجماع، إلّا «نادي الإصلاح الدّرزيّ» المؤلّف من أشخاصٍ يطلبون النّفوذ السّياسيّ عن طريق الطّائفيّة. ولكنّ سعاده كان قد سبقهم شوطاً كبيراً فسدّت العقيدة القوميّة الاجتماعيّة الواضحة الأبواب في وجوههم، فلم يُفلحوا إلّا مع الّذين لم يكن لهم اتّصالٌ وثيق بالحركة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة وعقيدتها، فَصَوَّروا لهم هذه الحركة بصورة الغول المفترس بنيه. […]
سعاده
“جوابٌ مفتوحٌ إلى صاحب العلم العربيّ”
“الزّوبعة”، بيونس آيرس، العدد 57، 1942/12/1
#إضاءة_اليوم
What are your positions and opinions on Literature/Culture?
A review of the positions of Antoun Saadi for the new struggle of ideas in the Syria Nation
من كتاب الصراع الفكري في الأدب السوري
طريق الأدب السوري
بهذا الاتجاه الجديد يمكن أن يترافق الأدب والحياة، فيكون لنا أدب جديد لحياة جديدة، فيها فهم جديد للوجود الإنساني وقضاياه التي نجد فيها الفرد والمجتمع وعلاقاتهما ومُثُلهما العليا كما تراها النظرة الجديدة الأصلية إلى الحياة والكون والفن. إن الأدب الصحيح يجب أن يكون الواسطة المثلى لنقل الفكر والشعور الجديدين، الصادرين عن النظرة الجديدة، إلى إحساس المجموع وإدراكه، وإلى سمع العالم وبصره فيصير أدبًا قوميًّا وعالميًّا ، لأنه يرفع الأمة إلى مستوى النظرة الجديدة، ويضيء طريقها إليه، ويحمل، في الوقت عينه، ثروة نفسية أصلية في الفكر والشعور وألوانهما إلى العالم.
لا يمكن أن ينهض الأدب عندنا، ولا أن يصير لنا أدب عالميٌّ يسترعي اهتمام العالم، وتكون له قيمة عالمية باقية، إلا بهذه الطريقة، ولنفترض أنه يمكن إنشاء أدب جديد، أو إحداث «تجديد» في الأدب، من غير هذا الاتصال الوثيق بينه وبين النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، فما هي الغاية أو الفائدة منه وهو شيء غريب بعيد عن نفس الجماعة وقضاياها الفكرية والشعورية، أو عن قضايا الإنسانية، كما تمثل ضمن حياة الجماعة المعينة وحيز فكرها وشعورها، في أرقى ما يمكن أن يصل إليه هذان العاملان النفسيان؟
إن الأدب الذي له قيمة في حياة الأمة، وفي العالم، هو الأدب الذي يُعنى بقضايا الفكر والشعور الكبرى، في نظرة إلى الحياة والكون والفن عالية أصلية، ممتازة، لها خصائص شخصيتها. فإذا نشأت هذه النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن أَوْجَدَتْ فهمًا جديدًا للقضايا الإنسانية، كقضية الفرد والمجتمع، وقضية الحرية، وقضية الواجب، وقضية النظام، وقضية القوة، وقضية الحق وغيرها. وبعض هذه القضايا يكون قديمًا فيتجدد بحصول النظرة الجديدة إلى الحياة، وبعضها ينشأ بنشوء هذه النظرة. فالحرية، مثلًا، كانت تُفْهَمُ قبل النظرة الجديدة إلى الحياة في أشكال واعتقادات لا وضوح ولا صلاح لها في النظرة الجديدة، فلما جاءت النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، التي نشأت بسببها الحركة السورية القومية الاجتماعية، وقرنت الحرية بالواجب والنظام والقوة، وفَصَّلَت الحرية ضمن المجتمع وتجاه المجتمعات الأخرى هذا التفصيل الواضح الظاهر في تعاليمها، نشأت قضية جديدة للحرية ذات عناصر جديدة يبيِّنها فهم جديد، يتناول أشكال الحياة كما تراها النهضة القومية الاجتماعية، وفعل الحرية وشأنها ضمن هذه الأشكال.
والحب كان قضية شهوات جسدية ملتهبة، لها شكل مادي يظهر في العيون الرامية سهامًا، وفي خمر الرضاب، وفي ارتجاف الضلاع، وتَثَنِّي القدود، فصار قضية جمال الحياة كلها، واشتراك النفوس في هذا الجمال. عُرِضَ علي، مرة، سجل أمثال وأقوال، فرأيت فيه قولًا مفاده أن الصداقة أجمل ما في الحياة، فكتبت في صفحة منه: «الصداقة هي تعزية الحياة، أما الحب فهو الدافع نحو المثال الأعلى.» ومهما يكن من أمر رأيي في الصداقة، فرأيي في الحب يدخل في قضية الحب الجديدة، فالمثال الأعلى هو ما تراه نظرة إلى الحياة والكون والفن واضحة، معينة، والحب الواعي هذه النظرة يتجه دائمًا نحو مثالها الأعلى، ويرمي إلى الاقتراب منه، في كل اختلاجة من اختلاجاته. إن قضية كون الوصال غاية المطالب العليا النفسية هي قضية قد ماتت للنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، وحلت محلها قضية كون الحب اتحاد فكر وشعور، واشتراك نفوس في فهم جمال الحياة، وتحقيق مطالبها العليا.
لقد نشأت نظرة إلى الحياة والكون والفن جديدة في سورية، ونتج عنها مجرى حياة جديد لتيارات النفس السورية، التي كانت مكبوتة ومحجوزة. فهل يتنبه لهذه الحقيقة أدباء سورية، وخصوصًا شعراؤها، ويُلَبُّون هاتف الدعوة، ويشتركون في رفع الشعب السوري إلى مستوى النظرة الجديدة ومُثُلها العليا، ويوجِدون هذا الأدب الغني بالقضايا الفكرية والشعورية، التي كانت كامنة في باطن نفسيتنا، حتى ظهرت في النظرة الجديدة إلى الحياة؟
لا شك عندي في أن هذا ما يحدث الآن عند جميع الأدباء، الذين اتصلوا بالنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، وفهموا قضاياها الكبرى في الحقوق والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وفي الأخلاق والمناقب والمثل العليا، وإني موقن بأن هذا ما سيحدث لجميع الناشئين على اتصال وامتزاج بهذه النظرة المحيية، ولكني أشك في أمر الأدباء الذين نشئوا قبل ظهور النظرة الجديدة إلى الحياة، وظلوا بعيدين عن مراميها وقضاياها الكبرى، وغير متصلين بمجرى الحياة الجديد، الذي وَلَّدَتْهُ هذه النظرة، أو الذين، مع إحساسهم بمجرى الحياة الجديد، لم يجدوا في نفوسهم قوًى كافية لنقلهم من حيز نظرة إلى حيز نظرة أخرى، ومن اتجاه مجرًى إلى اتجاه مجرى آخر.
بعض العلل المانعة لهؤلاء الأدباء من الأخذ بالنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن، واضحٌ في النزعة الفردية التي دللت عليها في كتاب السيد يوسف المعلوف إلى نسيبه الشاعر، شفيق معلوف، إذ يقول له: «اعتن في مؤلفاتك المقبلة أن تكون مبتكرًا فيما تنزع إليه، سواء كان بالفكر أو بالعمل، وأن تكون مقلَّدًا لا مقلِّدًا في سائر أعمالك؛ لأن على هذه القاعدة الأساسية تتوقف شهرة المرء في الحياة.» وقد بينتُ في صدر الدرس غلط هذا التفكير الذي يجعل الشهرة الشخصية غاية الفكر والعمل في الحياة. وأَزِيدُ هنا أن العمل بهذه «القاعدة الأساسية» التي وضعها عم الشاعر المذكور يئول إلى هدم الحقائق الأساسية التي يجب أن تكون بُغْيَةَ كل تفكير تعميري وكل شعور حي، جميل، لأنه متى صار كل نابه يسعى ليكون مقلدًا، فكم تكون التفرقة والفوضى عظيمتين بين المتزاحمين على «الابتكار» بقصد الشهرة والاستعلاء على زملائهم، الذين يصيرون أندادًا؟ ألا يبلغ بهم التزاحم والمناقضة حد العداوة والبغضاء والحسد المستورة بظواهر شفافة من الرياء والتدجيل في المظاهر والمطالب؟
قلت في ما تقدم: إن شفيق معلوف قَبِلَ القاعدة الفردية التي وضعها عمه، ولكنه لم يتقيد بها كل التقيد؛ لأنه احتاج إلى تبرير مجاراته سواه في شعره فقال: «ولئن طرقت بابًا ولجه سواي فهل في كل ما تتناوله القرائح ما يطرق الناس بابه؟» وقلت أيضًا إن شفيق معلوف كاد يصل، من هذه الناحية، إلى طَرْق باب ينفتح عن أفق تنبلج فيه أنوار فجر تفكير أصلي جديد، ولا يقصر إلا خطوة، أو قفزة واحدة ليلج هذا الباب. فما هي هذه الخطوة أو القفزة، وكيف تكون؟
سبق لي القول: إن الخطوة المطلوبة تفصل بين عالمين، وقد تحتاج لعكاز؛ ذلك لأنها تنقل صاحبها من نفسية إلى نفسية، ومن نظرة إلى نظرة، فيصير لها عالم جديد بأشكاله وألوانه وغاياته ومُثُله. الخطوة أو القفزة المطلوبة تكون باستعمال جميع القوى النفسية لِرُقِيِّ عالم النزعة الفردية والغايات المادية، وترك جعل حب إبراز الشهرة الفردية غاية أخيرة للفرد، والقفز إلى عالم ابتغاء الحقيقة الأساسية الكبرى، التي يستقر عليها الفكر، ويطمئن إليها الشعور، واتباعها حين توجد، سواء أوجدت بالاهتداء الذاتي أم بهدي هاد، هي حقيقة الفرد والمجتمع، وحقيقة النفسية السامية التي انتصرت على قيود المادية المجلجلة في الحضيض، وحلقت إلى السماء — السماء، التي لا تخلو من ألم وعذاب، ولكن ألمها وعذابها ليسا من أجل الشهوة المتلظية في المهج، بل من أجل ما هو أسمى من ذلك بكثير — من أجل ما لو أُطفئ لظى الشهوة الجسدية، وقضت النزعة البيولوجية وطرها لَظَلَّ لظاه يلذع النفوس ويعذبها حتى تجد له تحقيقًا — من أجل خذل الأقبح والأسفل والأرذل والأذل، ورفع الأجمل والأسمى والأنبل والأعز، فلا تكون هنالك اختلاجات حب إلا ضمن دائرة هذا الوعي، الذي يرفع قيمة الإنسانية طبقات جوية فوق القناعة براحة النزعة البيولوجية ذات الارتباط المادي، الغافلة عن المطالب النفسية الجميلة في نظرة شاملة الحياة والكون والفن.
القاعدة الذهبية، التي لا يصلح غيرها للنهوض بالحياة والأدب، هي هذه القاعدة: طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أَجْوَدَ في عالم أجمل وقيم أعلى. لا فرق بين أن تكون هذه الحقيقة ابتكارك، أو ابتكاري، أو ابتكارَ غيرك وغيري، ولا فرق بين أن يكون بزوغ هذه الحقيقة من شخص وجيه اجتماعيًّا ذي مال ونفوذ، وأن يكون انبثاقها من فرد هو واحد من الناس؛ لأن الغرض يجب أن يكون الحقيقة الأساسية المذكورة، وليس الاتجاه السلبي الذي تقرره الرغائب الفردية، الخصوصية، الاستبدادية.
وقد قرب شفيق معلوف كثيرًا من هذه القاعدة في جوابه إلى عمه، ولكنه وقف خطوة دونها، فإذا هو خطاها تم له هذا الانتقال الفاصل من عالم إلى عالم، واستغنى عن نصائح عمه، التي تحتاج لغربلة متكررة، وعن إرشادات أمين الريحاني الغامضة، الخاوية، التائهة، وعن تَخَبُّط الأدباء السوريين والمصريين في «التجديد» وكيف يكون.
أعتقد أن لشفيق معلوف هذا الاستعداد العقلي-الروحي، لإدراك القاعدة المذكورة آنفًا، والغاية النفسية التي يقوم عليها أدب خالد. فهو قد وقف قريبًا جدًّا من هذا الإدراك الذي وقف معظم شعراء سورية ومصر وأدبائهما بعيدين جدًّا عنه. وهو الإدراك الوحيد الذي يمكن أن يجد مستقرًّا في النفوس وفي الأجيال. وكان اقتراب شفيق معلوف واضحًا في قوله: «إذ ليس الشاعر، في عرفي، من ضج له الجيل الواحد، حتى إذا تبدلت الأوضاع واختلفت الأحوال تناسته من بعده الأجيال.» وهذه منزلة لا يمكن بلوغها إلا بالاتصال بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن، مشتملة على حقيقة أساسية صالحة لإنشاء عالم جديد من الفكر والشعور، إذا لم يكن هو العالم الأخير، الأسمى على الإطلاق، عند المشككين، فهو عالم فوق العوالم الماضية، ودرجة لا بد منها لاطراد ارتقاء الإنسانية النفسي؛ ولذلك هو عالم خالد، لأن ما سيأتي بعده في الآباد البعيدة سيصدر عنه ويثبت نفسه عليه، أو، على الأقل، ستكون النفوس التي ارتقت إلى هذا العالم الجديد مستعدة لاقتبال عالم أَجَدَّ، إذا كشفت مخبآت الأبد إنه سيكون ممكنًا إحداث ذلك العالم، الذي لا يمكننا، الآن وإلى أمد بعيد، تصور موجباته وحقائقه وقضاياه، ولكننا نتصور، بموجب مبدأ الاستمرار والاطراد الفلسفي، الذي أضعه نصب عيني في فهمي الوجود الإنساني، أنه لا بد من أن يكون ذا اتصال وثيق بعالم نظرتنا الجديدة وحقائقه وقضاياه، كما أننا نرى، بموجب هذه النظرة، أن عالمها ليس شيئًا حادثًا من غير أصل، بل شيئًا غير ممكن بدون أصل جوهريٍّ تتصل حقائقه بحقائقه، فتكون الحقائق الجديدة صادرة عن الحقائق الأصلية القديمة بفهم جديد للحياة وقضاياها والكون وإمكانياته والفن ومراميه.
ها قد بلغتُ غايةَ ما أردت توجيه فكر أدباء سورية وشعورهم إليه، في هذا الدرس المستعجل المقاطع مرارًا عديدة في سياقه، ورجائي إليهم أن لا يظنوا أن ما دفعني إليه هو محبة سبقهم إلى «الابتكار» أو رغبة في أن أكون «مقلدًا». إن ما دفعني إليه هو محبة الحقيقة الأساسية، التي وصل إليها تفكيري ودرسي، وأوصلني إليها فهمي، الذي أنا مديون به كله لأمتي وحقيقتها النفسية، وشعرت بالواجب يدعوني لوضعها أمام مفكِّري أمتي وأدبائها، وأمام أمتي بأجمعها، من أجل ما هو أبقى وأفضل وأسمى لحقيقة الأمة، وهي حقيقة تساعد كل مفكر وأديب على تثبيت شخصيته ضمنها والبقاء فيها، وتمكن الأمة من أن يكون لها أدب عالمي تبقى فيه شخصيتها وتخلد.
انطون سعادة

How the Zionist movement acquired all that power on the Vatican? By leader Antoun Saadi
Posted by: adonis49 on: April 27, 2021
Antoun Saadi, leader and founder of the Syria National Social Party in 1933, published on September 4, 1944 this article in the daily Al Zawba3a (Tornado), while in exile in Argentina..
Pope Pius 12 recommended daily reading of the Jewish Bible to the Catholics? Why? The New Testament is not sufficient anymore?
I posted a similar article that covered the consequences during the Vatican Council of 1966, during Pope Jean 23rd.
نفوذ اليهود في الواتيكان
منذ بضعة أشهر صدرت رسالة البابا فيوس الثاني عشر في صدد التوراة، فكانت من أشدّ الرسائل البابوية خطورةً وأكثرها تعديلاً للموقف الكاثوليكي الرسمي فيما يختصّ بالتوراة المعروفة في لغة الكنائس المسيحية بـِ ”العهد القديم“.
كانت الكنيسة الكاثوليكية تكتفي، منذ زمن الإصلاح، بالإنجيل المسيحي، المعروف بـِ ”العهد الجديد“، مرجعًا للتعليم الديني ومصدرًا للروحية الدينية المسيحية كلّها. وكانت قراءة التوراة شبه محرَّمة على أتباع الكنيسة المذكورة.
ولكن بعض البابوات السابقين أشاروا في رسائلهم إلى التوراة واستحسنوا درسها والعناية بها حبًّا بجلاء مسائل تتعلق بخصائص التفسيرات الدينية.
وقد خرجت رسالة البابا فيوس الثاني عشر التي نحن في صددها الآن عن ذلك الحدّ بإثبات وصيّة صريحة لقداسته تحثّ على القراءة اليومية ”للكتاب المقدّس“ في العائلات المسيحية،
وتحرّض الأساقفة على «تحبيذ مساعدة تلك الجمعيات التقيّة التي ترغب في نشر طبعات التوراة بين المؤمنين، وخصوصًا نشر الأناجيل، وأن يسعوا بكلّ اجتهاد أن تُقرأ في العائلات المسيحية باستقامة وتقديس».
بناءً على هذه النصائح والتعليمات الواردة في رسالة قداسة البابا فيوس الثاني عشر، المؤيِّدة لما سبقها من إرشادات للبابا فيوس الحادي عشر والبابا بندكتوس الخامس عشر، لم يعد يصحّ للكاثوليك أن يقولوا إنّ التوراة كتاب أفروتسطنتي غير جائز للكاثوليكي قراءته،
وهذا يعني أن جميع القصص التي أخذها اليهود من الأساطير السورية وأوَّلوها لمصلحتهم وتعزيز شأن جماعتهم ستجد قبولاً و”تقديسًا“ جديدين عند الكاثوليك، كما وجدت قبولاً وتقديسًا عند الشِيَعِ الأفروتسطنتية!
لسنا نريد أن نعالج هنا الدوافع والمرامي الدينية البحت للحثّ على دراسة التوراة توخّيًا لجلاء بعض غوامض التأويلات والتفسيرات اللاهوتية. ولكننا نريد أن نتناول الوجهة السياسية المتضمّنة في ”تقديس“ التوراة وخصوصياتها اليهودية، ولعناتها للأمم والجماعات غير اليهودية، وتفضيلها الإسرائيليين عن جميع خلق الله الذين لا يبلغ اليهود عُشر معشارهم.
إنّ ”تقديس“ التوارة ومراميها اليهودية المخالفة للروحية الناصرية المعلّمةِ المحبَّةَ والمساواةَ الإنسانية هو من أهم ”موجبات“ العطف على اليهود ومطامعهم في سورية عند الشعوب الأفروتسطنتية.
ومع أننا نعلم أن ”العطف“ الذي تُبديه بعض الدول الكبرى لمآرب اليهود هو ذو مصدر سياسي بحت، فلا يمكننا أن نجهل أو نتجاهل أنّ تعميم ذلك العطف في شعوب الدول المذكورة يجد في ”تقديس“ التأويلات اليهودية لوجود الله وعمله وحكمته تسهيلاً كبيرًا وإقبالاً واسعًا.
ومما لا شكّ فيه أن اعتماد الكاثوليك ”تقديس“ صوت إسرائيل وبنيه وتقديس لعنة جميع الأمم سيفتح مجالاً جديدًا للشفقة على ”شعب الله المختار“ ويوجد تأييدًا له في محاولته الجديدة للاستيلاء على بلاد السوريين التي ”وعده يهوه“ أن يعطيه إياها مُلكًا خاصًا به على تعاقب أجياله.
وأيّ تأييد يستطيع ادّعاء اليهود حقوقًا في سورية نواله أقوى من تأييد اعتقاد ملايين المتدينين القارئين ”كلمة الله“ في ”كتابه المقدّس“ أنّ سورية هي لليهود بحقّ إلهي مشروع في التوراة؟!
في العدد الماضي من ”الزوبعة“ بسطنا بعض البسط اتّساع نطاق حركة اليهود الصهيونية ونفوذها بين ”الأمم المتحدة“ خصوصًا في أميركانية وبريطانية.
ولم يتسعِ المجال وحدود الموضوع لتناول واسطة الشعور الديني لدعم المطاليب اليهودية في الرأي العام عند الأمم المذكورة التي ابتدأ يلوح لها النصر في هذه الحرب العالمية الثانية. ولكن لا بدّ من تقرير أنّ هنالك علاقة وثيقة بين اتّجاهات معينة من الشعور الديني والأغراض السياسية للدول والجماعات. ومن ذلك العلاقة الوثيقة بين الحثّ على العودة إلى التوراة وقراءتها ”بتقديس“ ومطامع اليهود السياسية في سورية.
ولا مندوحة لنا، في هذا الموقف، عن ذكر امتداد مساعي اليهود إلى الواتيكان وما تُلاقيه تلك المساعي من اهتمام قداسته ونواميس الدولة البابوية الزمنية. إنّ أخبارًا متعدّدة دلّت على هذه الحقيقة الخطيرة. ومن الأنباء ذات المغزى البعيد في هذا الصدد برقية لشركة ”يونيتد برس“ صادرة عن مدينة الواتيكان في الثامن عشر من حزيران الماضي هذا نصّها:
«استقبل صاحب السيادة سلبيو شركانو، الذي هو ملحق ناموس الواتيكان للمواضيع الكنيسة الاستثنائية، الربّي أنطون صويح، الذي هو الربّي الأول في رومة، وتحادث الاثنان في هذا الاستقبال طويلاً.
«والمفهوم أن صويح سيقابل البابا فيوس الثاني عشر، وهذا يؤيّد بصورة علنية، اهتمام السدّة البابوية بحالة اليهود.
«وقد بلغنا أيضًا أن محادثة اليوم المشار إليها آنفًا اختصّت بالموقف الذي سيتّخذه الواتيكان تجاه المسألة اليهودية في أي مؤتمر صلح سيُعقد.
«وهنالك ظنٌّ عام أن محادثة اليوم ستؤثر في الموقف الذي ستتّخذه السدّة البابوية بتجريم كلّ كره جنسي أو تمييز ديني».
هذه البرقية الصغيرة تخبر عن أمور خطيرة ومنها نرى أنّ العلاقة بين الاتّجاه الذي تشير به رسالة البابا التي نحن في صددها، ومرامي اليهود السياسية هي أقوى مما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. ونكاد نقول إنها تشبه العلاقة بين مساعي اليهود وموقف البطريرك الماروني الذي رحّب باليهود إلى لبنان لأسباب ظاهرها تقوى دينية.
إنّ كثيرًا من الذين يقرأون التوراة ”بتقديس“ كلّ يوم، ومنهم ملايين في أميركانية وبريطانية، يرون في عودة اليهود إلى محاولة الاستيلاء على سورية تحقيق وعد الله أنه ”سيجمع خرافه“ بعد تشتيتها. وموقف السوريين المدافعين عن وطنهم وحقوقهم القومية هو، في نظر أولئك المؤمنين، عصيان لمشيئة الله وأحكامه، والعاصي يستوجب النقمة.
إنّ هذه المسألة لخطيرة جدًّا. ومهما حاولنا أن نكون متدّينين وأتقياء ورعين فلا يمكننا، ولا بوجه من الوجوه، إغفال الأخطار الآتية تحت جنح الشعور الديني لتنزل ضربة شديدة بحقوقنا بصفتنا أمّة حية لها حقّ السيادة على مصيرها ومصير وطنها.
ليست قليلة نكبات سورية الحربية والسياسية المتأتية عن التيارات الدينية التي أخذت مجرى في داخلها.
وكما يُخشى الآن من مجاري الشعور الديني الخارجية الموجَّهة بقصد إلى أغراض سياسية، كذلك يُخشى من المجاري الداخلية المصاحبة للمجاري الخارجية، وهذه الخشية لا تتعلق فقط بالمجاري الروحية المسيحية، بل تشمل المجاري الروحية المحمدية أيضًا.
فالدعوة إلى الخلافة المصرية في شخص الملك فاروق وتحبيذ الوهابية التي يتزعّمها ابن السعود العربي هي من الدعاوة التي تحمل خطرًا سياسيًّا على سورية.
ومن مدهشات الدعاوة السياسية اللابسة لباس الدين محاولة إظهار الحركة الوهابية، التي هي ليست سوى رجوع بالمحمدية إلى أوّليات التفكير العربي الصحراوي المحدودة، بمظهر حركة إصلاحية في الدين.
كثيرٌ من السوريين المسيحيين الذين قرأوا والذين سيقرأون التوراة اليهودية ”بتقديس“ لن يجدوا نكيرًا في
محاولة اليهود الجديدة للاستيلاء على ديارهم وأموالهم، بل يقبلون ذلك بتسليم كليٍّ ”لأحكام الله ومشئيت. وكثير من محمدييهم يغتبطون بدعوة الخلافة المصرية التي تطمح إلى جعل السوريين من أتباع سيادتها لأنهم يرون في تحقيق الأغراض السياسية المصرية الخفيّة ”تعزيزًا“ للمحمدية.
وكثيرٌ منهم يرحّبون بالدعاوة العربية الوهابية الرامية إلى إلحاقهم بسيادتها ويرون فيها ”إعادة مجد العرب وإصلاح الإسلام“.
وهل يبقى مجال ضمن هذه الدعوات الغريبة لدعوة سورية قومية اجتماعية ترمي إلى إيجاد سيادة سورية وتنفيذ إرادة سورية وتحقيق نظام سوري؟
لا نريد مطلقًا، بالتعميمات التي أوردناها صرف الفكر عن خطورة ما ورد في رسالة الباب فيوس الثاني عشر الأخيرة المتعلقة بالتوراة، فهذه نقطة يجب أن لا تضيع بين مختلف المواضيع.
إنّ المساعي اليهودية قد فازت مؤخّرًا بنتائج كبيرة. والفضل في ذلك لوعيهم لقضيتهم وغيرتهم عليها وتنظيم أعمالهم في منظّمة يخضعون لأحكامها ويعملون بتوجيهاتها.
اليهود يعملون للاستيلاء على سورية، والسوريون اللاقوميون يعملون لنكاية أنطون سعاده وللكيد للحركة السورية القومية الاجتماعية التي يقودها أو لنكاية بعضهم بعضًا والكيد بعضهم لبعض.
إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية هي لجميع السوريين، ونظامها أفضل من كلّ ما تمكّن اليهود، حتى الآن، من إنشائه.
فيا للعار أن يُهمل السوريون نظام نهضتهم ومبادئها ويقتلوا قضية أمّتهم ووطنهم بخناجر عنعناتهم، ويدَعوا اليهود يُفلحون بنظامهم ويستولون على أموالهم وديارهم.
ولكن لا يشعر بالعار من لا يعرف العار، ولا يعرف العار من لا يعرف الشرف، ويا لذلّ قومٍ لا يعرفون ما هو الشرف وما هو العار.
أنطون سعاده
”الزوبعة“، العدد 80 في 4 أيلول 1944شاركها
Lebanese-based Armenian Party Tashnag: Resuscitating the ideology of Antoun Saadi, Syria National Social Party founder
Posted by: adonis49 on: March 20, 2021
Recalling the messages of the leader Antoun Saadi, 70 years ago
أنطون سعاده بعين مصلحة طلاب زواريان لحزب الطاشناق
كريس تشوبوريان* (Chris Tshabourian) March 14, 2021
في زمن قلّ فيه الوطنيون وكثر فيه العملاء، يفتقد وطننا لبنان اليوم لرجل بقيمة أنطون سعاده. “نحن أمّة قوية عظيمة: قوية بمواهبها، غنية بمواردها، نشيطة بروحها”،
وماذا كان ليقول أنطون سعاده اليوم حيث مواهب بلادنا القوية هاجرت، ومواردنا نُهبت، وروحنا النشيطة استُنزفت؟ “لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى
” وماذا كان ليقول أنطون سعاده اليوم في زمنٍ ارتهن فيه معظم زعماء بلادنا للخارج، فباعوا الوطن والكرامة وشرف المقاومة مقابل المال والسلطة وشرف الجلوس مع أمراء؟ “إننا نريد الإقطاعيين والرسماليين أن يسلموا للشعب بحق الأمة، ويعترفوا بحق العمال والفلاحين، بحق هذا المجموع العظيم في الحياة والعزّ”.
ماذا كان ليقول أنطون سعاده بعد أن استولى الإقطاعيون على الوطن منذ ما قبل الحرب الأهلية وحتّى يومنا هذا وحوّلوه إلى ممتلكات عائلية، وبعد أن اشترى الرأسماليون الوطن وقراره منذ التسعينيات وحوّلوه إلى شركة خاصة؟
نحن في زمنٍ، غاب عن وطننا أنطون سعاده ليقول لعديمي الوطنية “نريد حقوقنا كاملة” لا سيما في ملف ترسيم الحدود البحرية حيث تبيّن أنّ المفاوضين في السابق كانوا قد وافقوا على التخلّي عن جزء من حقوقنا، وغيرها من الملفات.
نحن في زمنٍ، غاب عن وطننا أنطون سعاده ليذكّر اللبنانيين أن “مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب”
في ظلّ كثرة عملاء الداخل الذين يحرقون البلاد ويخدمون العدو خدمةً لمصالحهم السياسية والمالية الضيّقة.
لمَن لا يعرف الراحل أنطون سعاده، يكفي أن يقرأ أقواله ورؤيته للوطن وللعروبة، ليعلم ماذا خسر لبنان حينها برحيله وربّما سبب التخلّص منه، فلو بقي سعاده لما استطاع الإقطاعيون والرأسماليون تنفيذ مشروعهم بالاستيلاء على الوطن،
وكأنّ الشعب أيضاً تخدّر بعد رحيله وسهّل مهمّة أمراء الحرب وحيتان المال. في زمن انهيار الاقتصاد اللبناني وتردّي الأوضاع المعيشية، تذكّروا أقوال أنطون سعاده ربّما يعود الأمل لنشقّ طريق الخلاص لوطننا.
تذكّروا حين قال “إنّ أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة”. فهل تقبلون أن تكونوا شعباً ميّتاً يستسلم أمام أوّل حاجزٍ؟
فكم من صعوبات مرّ بها أنطون سعاده من الاعتقال وصولاً إلى الإعدام، بقي صامداً ولم يقبل الاستسلام فرحل مرفوع الرأس واسمه محفور في أذهان اللبنانيين كإسمٍ محفورٍ على صخرةٍ لا يمكن حتّى للزمن أن يمحوه.
تذكّروا حين قال “إنّ أشدّ حروبنا هي الحرب الداخلية. وهي آلمها وأمرّها، لأنّها بيننا وبين فئات من أمّتنا نعمل على رفعها وتعمل على خفضنا، نريد لها العزّ وتريد لنا الذلّ، نتوجّه إليها بالاحترام وتتوجّه إلينا بالاحتقار، نأتيها بالجدّ وتأتينا بالاستهزاء”
. ألم يحن الوقت أن نكفّ عن العمل على خفض واحتقار بعضنا البعض لمنع نشوب حرب أهلية جديدة التي ستولد أمراء وحيتان مال وجدد وستدمّر ما تبقى من الوطن؟ أليس من الأفضل أن نتحد لنهضة وطننا؟
أقوال ورؤية أنطون سعاده ستبقى راسخة في أذهاننا، متمنّين أن يأتي يوم تتحقق فيه رؤيته وأهدافه.
*منسق في لجنة العلاقات السياسية
في مصلحة طلاب زاواريان لحزب الطاشناق
Moderate Muslims? Why! Most people live as Silent Majority: They make no waves
Posted by: adonis49 on: March 1, 2021
“Are there moderate Muslims?”
Posted on September 25, 2008 (and written in Oct. 26, 2207)
Note: This lengthy article was meant to be exhaustive. If you want me to split it in two articles, I will be ready to do it.
It coincided that I was reading chapters of two books concomitantly “Quand l’Amerique refait le Monde” by Ghassan Salameh (Salami) and “L’Apocalypse” by Oriana Fallaci when I realized that the topic of current Islamic fundamentalism is wreaking havoc on the disposition of many western people.
Mostly, the western people tended to be liberal in many issues but could no longer reconcile a liberal attitude toward Islam: Mainly the reality of the virulent traditional Islamic behaviors toward strict adoption of the Koranic laws that regulate the daily life for the Muslims and trying to circumvent the civil laws in Europe.
Ghassan Salameh has investigated the genesis of the new trend in the US ruling government toward Islam after the Twin Towers September 11 attack and which was based on the studies of a few “prestigious” American academics on Islam.
Salame stated that the neo-conservative elements in the Bush administration have adopted Bernard Lewis as their guru in matters related to Islam and the anti-Muslim movements.
Professor Lewis was fascinated and excited in the 1950s with everything related to Islam and then turned sour, negative and dissatisfied with the Islamic World: he repeatedly claimed in his studies that the Muslims have a rage and a strong tendency to hate the Western Nations as a product of their sense of inferiority complex toward the West and propagated the concept of an invasion to saw the grains of democracy in the Near East.
After the September 11 attack on the Twin Tower, the neo-conservatives like Perle, Wolfowitz, Abrams, and Gaffneys directed the debate toward the confirmation of pre-emptive offensive against the infantile specie of the political regimes in the Muslim World.
The spreading notion of an ineluctable conflict of Islam with the USA. Pipes went as far as eliminating any cause for using cultural instruments in the arsenal of the war.
It is obvious that Oriana Fallaci has made up her mind that there are no moderate Muslims, unless they are Muslims by birth but No longer practicing believers: simply because the Koran is the Koran and there is no way to interpret the Sourates to coincide with civil laws in the western nations.
Actually, the late Oriana Fallaci was a staunch liberal but could not swallow the latest slaughtering of foreign prisoners by extremist Muslims and how Muslim immigrants are flaunting the civil laws in Europe.
Fallaci insists that the word “terrorism” is not good enough; the mass media should remain consistent and say “Islamic terrorism”; a term that would satisfy the terrorist Zionists immensely.
Fallacy relied on St. John’s apocalyptic vision where a Monster with seven heads and ten horns would emerge from the sea and then the Beast on land would execute all the Monster’s orders. Thus, the Monster is Islam and the Beast is represented by the European liberals and leaders who are trying to appease Muslims and exhorting them to moderation by dangling carrots instead of raising the heavy sticks.
I was surprised by the coincidence to read that Oriana Fallaci also adopted the views of Bernard Lewis on Islam and considered him as the ultimate authority for truth on Islamic matters.
Apparently, the then 80-years old Lewis and growing more senile by the by, gave an interview to a German daily where he lambasted the West for not believing that radical Islam is the main enemy, instead of the new fascists. Lewis is hammering the notion that all of Europe is going to be Islamist by the year 2100. (If mankind survive till then)
Thus, there is a disposition to fit theories that antagonize the Muslim World by accepting as evidence the many terrorist acts perpetrated by extremist Muslims.
The vehement attitude of Fallaci toward Islam stems from two premises:
First, all of the terrorist attacks in the World are perpetrated by Muslims, (obviously wrong and faked wishes) and
Second, the practices of Muslims’ behavior in the Western World are based on the teaching of the Koran which cannot be reconciled with the rational civil laws in the western countries they live in. (How these laws are biased to the privileged elite classes are Not broached)
The first premise may be true if we rely solely on the media accounts that, almost exclusively and consistently, show that the current terrorist attacks in the Western World, such as USA, Spain, Britain, France, Germany, Russia, and Holland where “terrorism had struck”, were done by Muslims. She focused on the terrible acts of slaughtering hostages by Muslim radicals in Iraq, Afghanistan, and Russia.
Fallaci forgot to mention that terrorism has also been striking in Iraq, Afghanistan, Pakistan, India, Philippine, Sri Lanka, Turkey, Palestine, and Lebanon, Africa, to name but a few, in order to destabilize these States, where terrorism was carried by Hindu, Christians, and various Muslim sects against each other castes.
The hidden facts that terrorism is done by the western extremists are not widely publicized and mostly toned down and not taken up relentlessly by the media.
For example, the Oklahoma City bombing was first attributed to Muslim extremists and then the US had to admit that it was a purely US extremist act; not to mention the dozen of mass killings in the US schools and universities.
Moreover, most of the western terrorist acts are ordered by the states or committed by organizations supported by the states and consequently not divulged and buried as national security secrets.
Actually, all the terrorist acts of the Israeli settlers and the government on Palestinians and other adjacent States are coined as “individual actions by crazy people”
Fallaci should have recalled the many terrorist acts that ravaged Italy and Germany in the 60s and 70s and committed by the extremist left movements and done by non-Muslims; she also decided to forget the recent decade long terrorism and genocides that plagued former Yugoslavia and which was started by Christians among themselves in self cleansing mechanisms and then cleansing themselves with the blood of the Muslims in Kosovo and Serbia. (And current far-right parties terrorist activities)
Fallaci should have taken up also these terrorist occurrences of destabilizing many third world countries, and going on even today, by the US and Israel. She has indeed experienced these Western terrorist acts during her long career as a journalist, but she decided to focus her venom on Islam, thus satisfying the present Western propaganda strategy of misinformation and distortion.
As for the second premise, Fallaci poured her venom on those Muslims who claim to be moderate, simply because they didn’t join a radical group or didn’t commit a terrorist act but engage practically in “awful behaviors”.
For example, how can a Muslim claim to be moderate if he prevents his wives or daughters to be integrated in their new societies, ordering them to swim in their long robe “dishdasha/jalabiya”, even if this practice is tantamount to drowning, or having three wives and treating them as slaves, or beating his wives because it is permitted by “Al Shari3a”, killing his daughters because they refused to marry the men that he selected for them, lambasting school directors because they allowed their sons and daughters to be offered sweets containing hints of alcohol, and so on. (But many of these customs are practiced by many non-Muslims religious sects, and the Koran does Not encourage many of those imposed patriarchal privilege systems)
Fallaci claims that nine out of ten of the Islamic divine inspired laws are opposite to the Italian civil laws, and consequently, there is no possibility of coming to acceptable terms with Muslim believers. (Let Italy just carry out the civil laws on non-abiding Muslim citizens to encourage “moderate Muslims” to follow suit)
If we recapitulate the history of the world we can demonstrate that almost every religion encouraged terrorist acts throughout history when the goal was to establish a theocratic state, governed by the clerics, or to maintain the power of the religious hierarchy caste over the citizens and the other minority castes.
European history is packed with genocidal periods where the majority of a Christian sect tried to exterminate other secondary Christian sects in France, Spain, Byzantium, Russia, and Germany, to name a few, and labelled them “heretics” and their shed blood a duty.
The one main factor that permitted the western Christian societies to edge toward rational civil laws and weakens the Christian Orders was that the New Testament dealt only with spiritual doctrines: Christ died before his religion was firmly established and didn’t have to enact laws organizing society when the Roman civil laws were the law of the land.
The major problem with the Muslim religion and its inability to establish rational civil laws for the land is that the Prophet Muhammad vanquished his arch enemy the Koreish tribes in Mecca, while still alive and had to re-organize the tribal society with laws emanating from the “unique God” and the mainstream customs among the tribes.
For maybe esthetic reasons, the Sourats of the Koran were organized according to length and not chronologically as logic would dictate; otherwise, the Muslims would have realized that the sourats in the first 13 years of Islam were purely spiritual and not deviating far from Jesus’ teaching.
Actually, whatever variations there are in Islam and Christianity, are identical to the views of the different schisms in Christianity in the early centuries (mostly based on Jewish customs sect) and which provoked mass extermination of the smaller Christian sects by the dominant Christian sects.
For example, the status of the Virgin Mary, the duality of Jesus, the Holy Ghost and a multitude of other differences that Byzantium was famous with splitting hair were points of contention among the Christian sects and still are.
If the Koran was divided into two volumes, the spiritual volume related to the first 13 years of its formation and the second volume related to the earthly laws governing the City-State of Medina and then society in the Arab peninsula among the tribes, then communication among the two cultures would have been possible and the Muslims would not have reverted to rigid dogma forced upon them by 10 centuries of domination of Central Asian tribes (Mongol Empires) and culminating by their close associated tribe the Ottomans.
As is common among all religions, the religious orders emphasize the earthly concepts that can be impressed upon the believers by attaching heavy burdens on their daily life for total subjugation.
Ironically, Christianity created daily burdens of religious obligations that were Not included in the “Bible”, just to impose its hegemony over the soul of its believers.
Jesus strongly denounced the Jewish Order for the daily heavy burdens they encumbered the Jews with and lambasted the order as a hypocritical order.
Nevertheless, Christianity, whether Roman or Lutheran or Protestant, feverishly created religious obligations that were not in the New Testament but dug up from the Jewish religious books or from the proclamations of the saints and religious leaders to subjugate their members into a tight closed caste.
In general, Christianity is an open religion and the Western Nations in their zest to proselytize their respective dominant religion endeavored to invade the “barbarous” people for the proclaimed purpose of indoctrinating these people into the Christian values; most of these people were subjugated into changing religions nominally but kept their “pagan” traditions.
However, the Christian Maronite sect in Lebanon has reverted to a closed religion and adopted the caste system since the independence of Lebanon in 1943.
The Maronite sect has agreed on a tacit pact with the non-Christian castes not to allow non-Christian members from the other castes in Lebanon to be baptized Maronites; I can testify that even Lebanese living overseas were not permitted to change religion: the Maronite Order made it clear that the process of changing religion is not feasible.
This Maronite Christian sect has sold out its soul to preserve its supremacy as a caste in Lebanon local politics and ended up losing its supremacy in 1989 at the Taef Conference in Saudi Arabia.
Consequently, the divergence between the western societies and the Muslim societies are the result of types of revealed Books; the main Christian Book that basically does not contain earthly laws but were created later by the dominant Christian orders, and the Muslim Book that does specifically include earthly laws for governing societies.
The western societies have succeeded in establishing rational, though debatable, civil laws created by men (women had not yet fully participated in most of these laws); and they don’t have to bend their laws to accommodate Muslim immigrants who are stuck with divine laws to run their daily lives.
This is not to say that the Western World has to adopt pre-emptive strategies of conquering Muslim and Arab countries on the flimsy crusading abstract notion of spreading democracy and the international civil laws, when the geo-political reality is clear and is meant to control energy resources and stopping the expansion of China in world politics.
As for the Moslem World, if the purpose of all these upheavals is catching up with the technology of the western societies then the burden resides mainly on accepting the premise that the spiritual doctrines should be separated from the rational civil laws.
Otherwise, if the Muslim World wants to survive under its own set of divine obligations and be ruled my mullah, and sheikhs, and muftis then let it be proclaimed openly and unite under this purpose and let the world live as separate entities; societies that instituted civil laws and those insisting on man-made “inspired divine laws”.
In either case, there is no basic need for forced hegemony of one civilization over another if the human mind cannot device a method for human communication and entente: forced hegemony has never worked or lasted in history, and all the evidences are leading to the fact that the current western forced hegemony is failing, unless partitioning the Arab World into cantons is viewed as a definite success of the new pre-emptive “war” strategy, which has nothing to do with cultural differences.
Islam is carrying an insurmountable burden of awkward traditions, not just because of the 5 centuries of Ottoman domination, but 11 centuries of Muslim Sunni of Central Asian tribes that dominated most of the Muslim World, from Mongolia, to Kazakhstan, Kirghizia, Azerbaijan, the Caucasus, Iran, Afghanistan, India, and Turkey. These hordes have established empires and the local vassals adopted the rigid dogmas and tribal customs of their caste systems.
Any recent reforms undertaken in the Middle East were thwarted by the Western powers to divide these nations and establish theocratic States and dictators most amenable to their creators. Our inability to change and communicate, even internally among ourselves, is related fundamentally to our autonomous caste structure.
Fallaci was sensing right, but she was fighting cancer. Anyway, rational behavior is not the rule in this somber period within the Bush Administration, even if many of its leaders seem physically fit, aside of Dick Cheney.
Note 1: The proposition that the Sourates of the first thirteen years were spiritual in nature was investigated by Antoun Saadi in the 1940s and published in a book “Al Islam fi ressalataih al Massihiyat wa al Mohammadiyah” translated liberally as “Islam (Message of Peace) by its two messengers Christ and Mohammed”
Note 2: Antoun Saadi is the founder of the Lebanese-bases Syria National Social party in 1936. A secular party , wanting to separate the religious sects dominance in the political and social structure and the government civil laws and regulation. This party was attacked by the sectarian parties encouraged by the mandated colonial powers of France and England on the Near-East region. This party claimed that we are one people in Syria, Palestine, Lebanon, Jordan and Iraq and was the preadhead of confronting the Zionist plans that were backed by the colonial powers and the USA and Russia.
The Swastika symbol is one of the most ancient symbols for Hurricane/Tornado in the Near East: Many pseudo-intellectuals dismiss parties and books as being Nazi, on merely observing this symbol.
Posted by: adonis49 on: February 28, 2021
Note: The Lebanese-based Syria National Social party was founded in 1936 by Antoun Saadi, during the French colonial mandate over Lebanon and Syria. It is a secular party that practice the separation of religion from civil law systems and has been spreading to current Syria, Palestine, Jordan and Iraq.
This party is at a total odd with the concept of ethnic identity and race of the Nazi and Fascist ideologies, and does Not even recognize Language as a basis for National identity or kinds of religions.
The foundation of a National people is the daily trades among the communities and their customs and traditions.
This party had the unfortunate luck to be instituted as the Nazi and Fascist parties got roots in Europe. And the name also included National Social too.
This party was adopting the symbol of the Land that resembled the Nazi Swastika and in color too.
The so-called secular leftist parties in the Near East, which at the time bowed to Stalin communist policies and directives, labelled the Party as Nazist without reading any of its books and daily articles on all the political and cultural issues of the period.
Besides the secular Communist and Syria National Social parties, all the other parties were created on a sectarian affiliation basis, and they still dominating the political systems landscape in the Near East.
هو ضحية «زوبعته»
- أنيس نقاش Anis Naqash
- السبت 13 تموز 2019
كان صديقي الأستاذ الجامعي يستمزج آراء الحاضرين عن عناوين لكتب يمكن أن يرسلها لصديق له في الولايات المتحدة
طلب منه نصيحته وتزويده بكتب تتحدث عن المجتمعات العربية وتاريخ تطورها وأزماتها في المنطقة. وبعدما تطوّع البعض بالإشارة إلى بعض العناوين، قمت بدوري بتذكيره بعدم نسيان أنطون سعادة وكتبه.
كانت ردة فعل صديقي الأستاذ الجامعي فورية من دون أي تلكؤ، فقال: «لا لا لا يمكن أن أروّج للفكر النازي».
كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة إليّ بما أن الحكم على فكر سعدة جاء من قِبل أستاذ جامعي يُفترض أن لا يكون عنده تحيّز تجاه أيّ أفكار، طالما أن المسألة بالنسبة لطالب الكتب في الولايات المتحدة تتعلق بالبحث والدراسة، وبالتالي لا مجال لأخذ موقف ايديولوجي تجاه الأفكار طالما أنها تتعلق بالأبحاث.
المفارقة الثانية كانت في موقف صديقنا الأستاذ الجامعي أنّه حكم على فكر سعادة بأنه جزء من الفكر النازي. من خلال الحكم بالنازية على فكر سعادة، تأكّدت أن صديقنا لم يقرأ، بل لم يطلع بتاتاً على فكر سعادة.
عندما سألته كيف يحكم وهو بالأكيد لم يقرأ سعادة، أجاب: «لا داعي لقراءته فالموضوع واضح من عنوانه. كل مظاهر حزبه وشعاراته كانت نازية». مع هذا الجواب، تأكّد لي ما كنت قد لاحظته من خلال عملية تقييم تاريخية فكرية وسياسية وتنظيمية وحتى أمنية لمسار الحزب السوري القومي الاجتماعي في تاريخ سابق أوصلتني إلى بعض الملاحظات، لا مجال لذكر جميعها هنا، لكن نقطة مهمة جديرة بالذكر والبحث والتمحيص.في المحكمة العسكرية 8 تموز
1949
هذه الملاحظة كانت تتعلق بشعارات الحزب من رايته التي تتوسطها الزوبعة مع اللونين الأحمر والأسود، مما كان يعطي شبه تطابق مع ألوان العلم النازي.
إذا أضفنا إلى ذلك الملابس والتحية وبعض الظواهر الأخرى التي كان يتمظهر بها الحزب النازي، لوجدنا شبه تطابق. ومع إضافة كلمة القومي الاجتماعي، يصبح الأمر كأنه نسخة معدلة للحزب النازي.
لا أخفي أنني في شبابي كنت ضحية لهذا الخلط في المظاهر قبل أن أطّلع على فكر سعادة. لكن بعد الاطلاع على فكره، وجدت المفارقات الكبيرة الصادمة.
أولاً، فكر سعادة هو فكر غاص في التاريخ والجغرافيا السورية وفي المجتمع السوري بشكل عميق ودقيق ولم يكن ناقلاً لمجرد أفكار قومية كانت تتداول في تلك المرحلة التاريخية.
ثانياً، إنّ سعادة لم يرتكز في مقولاته القومية إلى أيّ نظرية عنصرية تتعلق بنوع من البشر، لا بالعلاقة الجينية ولا بالتفوق العرقي ولا بالخصوصية البيضاء، ولا حتى بالجذور الأصولية لتاريخ مكونات المجتمع السوري. كان سعادة خارج كل هذه المواضيع، بل كان عالماً اجتماعياً سياسياً بامتياز. درس ما يمكن أن أسمّيه جيولوجيا الطبقات المتراكمة للحضارة السورية عبر التاريخ. ضم فيها النشاط الاجتماعي الحضاري لكل من سكن وأقام، أو حتى مرّ مرور الكرام وأثّر بنهضة الحضارة السورية. هذا العلم ينطبق على كل الحضارات المتلاقحة والمتتابعة التي تشكل صيروة الحضارة الإنسانية.
ثالثاً، قومية سعادة لم ترتبط بعرق ولا حتى بلغة. فاللغات تتابعت وتلاحقت على مدى امتداد الحضارة السورية والمجتمع السوري. فالسريانية كما الآرامية كانت مستقبلة ومتلاقحة مع اللغة العربية، ورغم أنها سبقتها حضوراً في المجتمع السوري، إلا أنها أغنتها، وما زالت آثارها حتى اليوم.
خامساً، كان سعادة ينظر إلى القومية كحركة إنسانية ارتقائية ومحكوم عليها للبقاء أن تكون حرة أولاً وغير مستعمرة أو مستتبعة. وبالتالي نشر فكر الاستقلال والحرية في مجتمعه مقاومةً للاستعمار، كما نشر فكر التغيير والانتفاض على الواقع المتحجر أو الرجعي والقيام بالعمل الثوري الضروري للتغيير، فاستنهض القوة فينا التي لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ.
سادساً، يسجل لسعادة «الزعيم» أنه كان من الرواد الأوائل لتفصيل والتحذير من الخطر الصهيوني، وحرض على أهمية التصدي له قبل أن يستفحل في السيطرة على المنطقة، وتنبه بفكر وقّاد ويقظ واستشرافي لمن سماهم يهود الداخل.
وكم كانت هناك أحداث لاحقة صادقة وساطعة من خلال تعاون قوى عديدة في الجغرافيا السورية وفي محيطها بالتعامل علناً أو سراً مع العدو، حتى إنّ البعض قاتل معه ومن أجله ضد مجتمعه وأمته.
سابعاً، يسجّل لسعادة أنه قارب المسألة الطائفية بشكل دقيق وشخّص مخاطر هذا المرض، في حين أنّ أحزاباً علمانية كانت تدّعي امتلاك النظرية العلمية، اكتفت بنقل المرويات والنظريات الغربية المتعلقة بالصراع الطبقي، التي قد تكون صحيحة في مجتمعات صناعية لا تنخرها الطائفية، لكنّها تناست خصوصية منطقتنا وابتلاءها بهذا المرض، ألا وهو الطائفية.
ثامناً، يسجّل لسعادة أنه استحضر مقولات غابت عن كبار علماء الدين الذين كانوا وما زالوا غارقين بالتبشير ليس لدينهم بل أيضاً لمذهبهم، فطرح نظرية الإسلام برسالتيه، المحمدية والمسيحية، وهي نظرية قرآنية ابراهيمية، غابت عن منظور وعن خطاب العديد من علماء الدين، فأعاد بذلك الوحدة والألفة بين الديانتين بالإشارة إلى جذورهما المشتركة.
تاسعاً وهي بنظري من أهم ما تفرد به سعادة وخاصة في عصرنا الحالي، بفضل العلوم الحديثة والفوارق بين المادة والطاقة، بين ما هو صلب وملموس وما هو في حيز الأنوار، بفضل علوم الفيزياء الكونتية، فتحدث سعادة عن «المدرحيات» وشدد على أهمية الجمع بين الروحانيات والماديات بحيث يبقى التوازن الفكري والعقائدي عند الإنسان.
أمام عظمة هذا المفكر،
نجد أن المظهريات من شعارت ولباس ورايات وشعائر كانت أولاً العائق الأساسي لحكم البعض وممن لم يقرأوه أن يحكموا عليه بأنه فكر نازي.
سعادة أغنى الفكر ليس فقط السوري، بل العالمي أيضاً بنظريات جديرة.
A comprehensive understanding of the Syria National Social Party through the combination of 2 expansive articles
Posted by: adonis49 on: January 9, 2021
How the Syria National Social party, created in 1936, managed to cross a century of antagonism and persecutions, and emerge strong from the ashes?
In 2017, 2 articles were published relatif to the Syria National Social party. The first was from the academic Asaad Abu Khalil and the “rebuttal” of the party to this article.
After reading the 2 articles, I feel it was Not much of a rebuttal but a complimentary article to Asaad Abu Khalil. which shed a bright light on the steadfastness of the members to its ideology and practices, especially separation of Religion to State affairs and laws.
I decided to combine the two articles in one and edit out the redundant sections from both articles and what I considered superfluous that laden the flow of the ideas.
The fundamentals of the principles and doctrine of this party have proven to be the basis for any rejuvenation of the people in Greater Syria, One people in One nation, after a century of successive failures of the States in the Near East to institute a sustainable Nation against foreign interference and “mandated mentality”.
It is important to notice that French colonialism in the Near-East and North Africa did the most harm to the people in the Near-East than all the other colonial powers combined.
Since 1870, French institutions have been suckering to Zionist movements and preempting their demands all the way, particularly providing jet planes (Mirage) and the nuclear plant in Demona, and training their Mossad spying capability and assassination of Syrian leaders and scientists…
French colonialism extended the French nationality to the Jews in Algeria and forbade the study and the speaking of Arabic in its network of schools throughout its colonies and the Near-East and called “Alliance Francaise”
French colonialism undertook to erase the cohesion in the social fabrics but encouraging allegiance to its culture and history.
Thus producing generations to educated students yearning to emulate France “civilization/culture” and doing their best to emigrate to France or other colonial power nations.
للحزب نموذجٌ في المبدئيّة تفتقر إليه الأحزاب اليساريّة. تجد حالات من قياديّين وأعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني ومن منظمة العمل الشيوعي وقد تحوّلوا إلى الحريريّة وإلى اليمينيّة، وبعضهم ارتقى إلى أعلى مراحل اليمينيّة في الجنادريّة، لكن القومي السوري لا يرتدّ ــ وهذه ظاهرة. قد ينزوي القومي السوري في منزله، قد يبتعد عن العمل السياسي، قد يهاجر ويترك الحزب، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية لعقيدة الحزب
أحسن الحزب القومي، وتفوّق في الثقيف الحزبي، لأن أدبيّاته كانت محليّة مرتبطة بالواقع المحلّي وكانت تتسم بقرب من مشاكل المجتمع السوري (وحتى العربي).
تفوّق الحزب القومي (وهذه نتاج فكر أنطون سعادة) في تلقين العلمانيّة ممارسة ونظريّة , الأحزاب الشيوعيّة العربيّة كانت جد متهاونة في التثقيف العلماني، ولهذا ارتدّ الكثير من قادتها وعناصرها نحو الطائفيّة والفكر الطائفي ونحو الدين والتديّن. هذا قلّما يحدث للقوميّين، حتى لو ابتعدوا عن الحزب لأسباب سياسيّة وتنظيميّة
تمرّس الحزب في فرض هيبته من خلال معاقبة أعدائه على جرائمهم ضد الحزب. لم يعاقب الحزب الشهابيّة على جرائمها ضدّه (وهذا خطأ من أخطاء الحزب، لأن ذلك سهّل من استهداف الحزب من خلال أعدائه)، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكن الحزب عاقب رياض الصلح (وكشف مبكّراً ضلوع تحالف الرجل مع النظام الأردني وعلاقته بالصهيونيّة)، وعاقب الحزب بشير الجميّل على جرائمه الكثيرة.
هذا الحزب، مقارنة بكل أحزاب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، كان أقرب إلى القيادة الجماعيّة على مرّ السنوات من باقي الأحزاب). كانت قيادة الحزب تتخذ القرارات، فيما كان جورج حاوي ومحسن إبراهيم وأبو عدنان يتفرّدون بالقرارات المصيريّة والحزبيّة، وغالباً بناءً على إيعاز من رعاة الحزب الخارجيّين
من حق القوميّين البحث في شؤون الحزب من دون تدخّلات من خارج الحزب. والحزب تعرّض في تاريخه لمؤامرات ومحاربات وحملات قمع قاسية في أكثر من دولة عربيّة. لكن استمراره في الوجود دليل على قوّة أورثها زعيم الحزب لأعضائه عبر مؤسّسات الحزب وعقيدته.
قد يكون الحزب (تحت قيادة أنطون سعادة) من أوّل مَن بدأ بنفخ النفير من أجل التحضير لمعركة كبيرة مع الصهيونيّة، فيما كانت القيادات العربيّة في الجامعة العربيّ تعد الجماهير بخطة «سريّة» لدحر الصهاينة قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨. وخلافاً لأحزاب شيوعيّة وغير شيوعيّة، بقي الحزب محافظاً على موقف صلب ومبدئي ضد الصهيونيّة، وتجد أن القوميّين (والقوميّات) في المهاجر هم أكثر العرب جهراً بالدفاع عن فلسطين، وأعندهم في رفض التعاطي مع صهاينة
A comprehensive review of the set backs of the Syria National Social Party and its awakening from the ashes
Posted by: adonis49 on: January 8, 2021
أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي: النهضة مجدّداً
- أسعد أبو خليل
- السبت 11 آذار 2017
يكنّ مَن تخرّج من وسط التجربة الشيوعيّة الثوريّة (اللبنانيّة والفلسطينيّة) إعجاباً عَن بعد، وبصرف النظر عن الخلاف العقائدي، لجوانب في تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي. فهناك صفات عديدة تميّز بها الحزب، وتفوّق فيها على غيره من الأحزاب. ومنها:
١) شخصيّة الزعيم. من ناحية، فإن زعامة أنطون سعادة كانت أسطورة من حيث الإفراط في «عبادة الشخصيّة»، والمقارنة بينه وبين زعامة الأحزاب الفاشيّة كانت لعبة خصوم الحزب.
لكن المقارنة ظالمة من ناحية ومحقّة في جانب منها. فمن جانب، هي محقّة لأن للزعيم سلطات واسعة في دستور الحزب ــ وإن كانت محدّدة ــ كذلك فإنه في كتاباته لا يتورّع عن التنويه بمنجزاته (في مقدّمة «نشوء الأمم» يتحدّث عن ثاني محاولة عربيّة في علم الاجتماع بعد ابن خلدون ويعرض بعض المصطلحات التي اجترحها بالعربيّة مثل «المناقبيّة» وهو في ذلك محقّ.
كذلك فإنه يقول في «المحاضرات العشر» إنه أوّل من عرّف الأمّة السوريّة ــ بالطريقة التي عرّفها فيها). لكن من ناحية ثانية، فإن الزعيم كان على تواصل ودود غير اعتيادي مع أعضاء الحزب وأصدقائه، وكان مُحاوراً نشيطاً حتى مع منشقّين عن الحزب. والذي قرأ عنه يُعجَب بأنَّ الرجل الذي اتُّهم بالتفرّد والفوهروريّة كان يحاور تلاميذ المدارس والجامعات بصورة لم نعهدها من زعماء أحزاب يساريّة ويمينيّة صغيرة (قارن ذلك بتجربة بعض أحزاب اليسار واليمين في لبنان حيث لجأ زعيم الحزب المُفدّى إلى اغتيال معارضيه، وببساطة شديدة).
حاورَ سعادة مطوّلاً غسان تويني وفايز صايغ ويوسف الخال وغيرهم. تقارن ذلك بسلطة جورج حاوي المطلقة في حزبه (لم تحدّ من سلطاته إلا مشيئة موسكو) أو محسن إبراهيم في حزبه أو أبو عدنان في حزب العمل الاشتراكي العربي ـ لبنان أو نايف حواتمه في الجبهة الديموقراطيّة.
لكن هل طقوس تحيّة الزعيم تحتاج إلى إعادة نظر؟ هذه تعود للقوميّين ونظرتهم إلى تراث الحزب التنظيمي.
٢) صلابة القيادة والأعضاء. هناك مميزات خاصة لقادة الحزب وأعضائه.
إن لمشهد مواجهة سعادة لحكم الإعدام دلالة كبيرة. تقارن صلابة سعادة في طريقه إلى المشنقة بتجربة ميشيل عفلق أو عزيز الحاج في السجن، أو حتى إنعام رعد في سجون المكتب الثاني.
وتقارن صلابة سعادة ورباطة جأشه بمشهد «شهداء لبنان» في ١٩١٦، من الذين لم تقوَ ركابهم على حملهم إلى المقصلة فجُرّوا جرّاً إليها وهم ينتحبون ويرجون جلاّديهم بالرحمة بهم، حسب شهادات شهود عيان يومها.
لو أن سعادة واجه إعدامه بغير ما عُرف عنه من شجاعة وقوّة، لكانت رسالته إلى القوميّين مختلفة، ولكان ميراثه أقلّ رسوخاً. هذه الصلابة عرفتها الثورة الجزائريّة، لكنها أقل شيوعاً في التجارب الحزبيّة المشرقيّة.
ابتسم أنطون سعادة بوجه جلّاديه ولم يتنازل قيد أنملة عن عقيدته. لكن سعادة في ما تركه لمناصريه من بعده نجح في تخريج مناضلين ومناضلات من طينة صلبة.
أذكر في منتصف الثمانينيات كيف أن «جمعيّة خريجي الجامعات العرب الأميركيّين» في أميركا أرادوا إسماع صوت الحركة الوطنيّة لجمهور عربي وأميركي في واشنطن. وجّهوا دعوة إلى جورج حاوي وعبد الله سعادة.
كان الفارق بين الرجليْن كبيراً جداً، وشعر الكثير من الشيوعيّين (العرب والأميركيّين) بين الحضور بغيرة إزاء شخصيّة عبد الله سعادة الاستثنائيّة (هذا الرجل الذي منح ابنه شهيداً للثورة اللبنانيّة في مطلع الحرب الأهليّة، والذي عانى ــ ولم يَلِن ــ من تعذيب سامي الخطيب الوحشي). بقدر ما بدا سعادة ثوريّاً وقويّاً وهادراً، كان أداء جورج حاوي تهريجيّاً ومسرحيّاً. ذُهل كثيرون بقدر الخفّة والهزل في تعامل حاوي مع الأسئلة الموجّهة إليه.
أذكر تعليقات الشيوعيّين بيننا يومها أننا نتمنّى لو أن سعادة كان زعيمنا بدلاً من حاوي.
٣) ترك سعادة مؤسّسات حزبيّة فيما فشلت الأحزاب اليساريّة في مأسسة العمل الحزبي وترسيخه. كان كل زعيم لحزب يساري يطبع الحزب ببصماته هو، ويأخذ معه مؤسّسات الحزب (وماله في كثير من الأحيان) عندما يغادر الحزب أو عندما يموت.
إن ما حدث أخيراً عندما أبطلت محكمة الحزب رئاسة أسعد حردان لولاية ثالثة (رداً على طعن مُقدَّم لها) استثنائي في تاريخ الحزبيّة اللبنانيّة. هذه التجربة ليست لها سابقة، لا في أحزاب لبنان ولا في أحزاب عربيّة أخرى.
لم يكتفِ أنطون سعادة بإلهام جماهير حزبه (وفي الإلهام كان مذهلاً في حياته)، لكن الإلهام الأكبر لزعماء الأحزاب هو في الإلهام بعد الممات عبر مؤسّسات الحزب. وهذا ما ميّز الحزب القومي عن الحركة الناصريّة. ليس هناك مَن ألهم الملايين كما ألهم جمال عبد الناصر في حياته، لكن إلهامه لم يستمرّ بعد مماته، لأنه لم يترك لجمهوره عقيدة ولا مؤسّسات حزبيّة تُذكَر (ما سهّل التهاون بأفكاره فيصبح الناصريّون اليوم ــ بمن فيهم أفراد في عائلته ــ مناصرين للطاغية السيسي، حليف نتنياهو).
سعادة ترك الاثنيْن: العقيدة والمؤسّسات الحزبيّة. وقدرة مؤسّسة حزبيّة على إبطال قرار برئاسة مَن تربّع على زعامة الحزب لفترة طويلة وبقوّة مستمدّة من تجربة مسلّحة في الحرب الأهليّة (وبعض هذه التجربة كان في المقاومة الفعّالة ضد العدوّ) يشير إلى قدرة الحزب القومي على الحركة الديناميكيّة المستمرّة وعلى التجدّد في الاستمراريّة.
ابتسم أنطون سعادة
بوجه جلّاديه ولم يتنازل قيد أنملة عن عقيدته
٤) للحزب نموذجٌ في المبدئيّة تفتقر إليه الأحزاب اليساريّة. تجد حالات من قياديّين وأعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني ومن منظمة العمل الشيوعي وقد تحوّلوا إلى الحريريّة وإلى اليمينيّة، وبعضهم ارتقى إلى أعلى مراحل اليمينيّة في الجنادريّة، لكن القومي السوري لا يرتدّ ــ وهذه ظاهرة. قد ينزوي القومي السوري في منزله، قد يبتعد عن العمل السياسي، قد يهاجر ويترك الحزب، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية لعقيدة الحزب. اختلف قوميّون سوريّون مع أسعد حردان، لكنّ أحداً منهم لم يصبح معادياً لمشروع مقاومة إسرائيل، كما حدث في حالات من شيوعيّين تخرّجوا من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي.
هذا ما يميّز الحزب عن غيره من الأحزاب اللبنانيّة، وهذا يرجع إلى تشديد الحزب على التنشئة العقائديّة في سن مبكّرة. أخذ الحزب القومي التثقيف الحزبي على محمل الجدّ، فيما أهملته الأحزاب الشيوعيّة العربيّة. لم تكن الأحزاب الشيوعيّة اللبنانيّة تطلب من العضو التمرّس في الماركسيّة ــ اللينينيّة، وخصوصاً أن قادة هذه الأحزاب كانوا بالكاد مطلعين على التراث الماركسي أو اللينيني.
التثقيف الشيوعي كان مزيجاً من نتفٍ من «ما العمل» للينين (مع حرص على استبعاد «الدولة والثورة» لما في الكتاب الأخير من نزعات فوضويّة ولما في الكتاب الأوّل من نزعات نخبويّة شيوعيّة تفترض تشريب الوعي الطبقي بالملعقة من الطليعة الشيوعيّة للطبقة العماليّة). القراءة الماركسيّة كانت نتفاً من «١٨ برومير» ولم يكن الحديث عنها معمّقاً.
كان التراث الماركسي (وبترجمات في غاية السوء عن «دار التقدّم») بعيداً عن الواقع العربي، ولم يكن هناك من تراث ماركسي محلّي كي يُدرَّس. وحدها الجبهة الشعبيّة طلعت بكتيّب «الاستراتيجيّة السياسيّة والتنظيميّة» (وهي بقلم جورج حبش في مرحلة استقلاليّة الجبهة عن موسكو وفي مرحلة قربها المُبكّر من الصين). والكتيّب كان مذهلاً في ثوريّته، لكنه مأخوذ في بنائه وصيغته عن «تحليل الطبقات في المجتمع الصيني» لماو تسي تونغ. لكن مضمون الكتيّب كان يصيب القارئ الشيوعي الملتزم بالحيرة نتيجة التصنيفات الاعتباطيّة للأنظمة البرجوازيّة الصغيرة، التي كانت في حالة تحالف في يوم مع الجبهة وفي حالة تضاد معها في يوم آخر.
أحسن الحزب القومي، وتفوّق في الثقيف الحزبي، لأن أدبيّاته كانت محليّة مرتبطة بالواقع المحلّي وكانت تتسم بقرب من مشاكل المجتمع السوري (وحتى العربي).
٥) ومرتبطاً بالفكرة السابقة، تفوّق الحزب القومي (وهذه نتاج فكر أنطون سعادة) في تلقين العلمانيّة ممارسة ونظريّة (مع أن التعبير عن العداء لليهود كيهود تناقض مع علمانيّة الحزب الصارمة وأضفى بعداً مُستورداً من قوميّات أوروبيّة عنصريّة على عقيدة الحزب).
الأحزاب الشيوعيّة العربيّة كانت جد متهاونة في التثقيف العلماني، ولهذا ارتدّ الكثير من قادتها وعناصرها نحو الطائفيّة والفكر الطائفي
ونحو الدين والتديّن. هذا قلّما يحدث للقوميّين، حتى لو ابتعدوا عن الحزب لأسباب سياسيّة وتنظيميّة.
٦) أثبت الحزب مرونة عقائديّة وسياسيّة يُحسد عليها. كان الحزب في عام ١٩٥٨ حزباً شوفينيّاً مرتبطاً بالحلف الرجعي الإقليمي (الملك حسين)، لكن تجربة السجن القاسية (التي لا تُغفر لفؤاد شهاب الظالم) أدّت بالحزب إلى إجراء مراجعة تحوّلت فيها عقيدة الحزب السياسيّة
نحو اليساريّة والتقدميّة بعد تطعيمها بشيء من الماركسيّة.
٧) بالرغم من عبادة الشخصيّة للزعيم التي تُؤخَذ على الحزب، فإن هذا الحزب، مقارنة بكل أحزاب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، كان أقرب إلى القيادة الجماعيّة على مرّ السنوات من باقي الأحزاب (وإن شابت قيادة حردان تفرّداً لم يألفه الحزب من قبل). كانت قيادة الحزب تتخذ القرارات، فيما كان جورج حاوي ومحسن إبراهيم وأبو عدنان يتفرّدون بالقرارات المصيريّة والحزبيّة، وغالباً بناءً على إيعاز من رعاة الحزب الخارجيّين.
٨) تمرّس الحزب في فرض هيبته من خلال معاقبة أعدائه على جرائمهم ضد الحزب. لم يعاقب الحزب الشهابيّة على جرائمها ضدّه (وهذا خطأ من أخطاء الحزب، لأن ذلك سهّل من استهداف الحزب من خلال أعدائه)، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكن الحزب عاقب رياض الصلح
(وكشف مبكّراً ضلوع تحالف الرجل مع النظام الأردني وعلاقته بالصهيونيّة)، وعاقب الحزب بشير الجميّل على جرائمه الكثيرة.
٩) قد يكون الحزب (تحت قيادة أنطون سعادة) من أوّل مَن بدأ بنفخ النفير من أجل التحضير لمعركة كبيرة مع الصهيونيّة، فيما كانت القيادات العربيّة في الجامعة العربيّة (مثل رياض الصلح، الذي تعرّضت سيرته لتجميل واضح من خلال عدّة كتب استكتبها ورثته في السنوات الأخيرة) تعد الجماهير بخطة «سريّة» لدحر الصهاينة قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨.
وخلافاً لأحزاب شيوعيّة وغير شيوعيّة، بقي الحزب محافظاً على موقف صلب ومبدئي ضد الصهيونيّة، وتجد أن القوميّين (والقوميّات) في المهاجر هم أكثر العرب جهراً بالدفاع عن فلسطين، وأعندهم في رفض التعاطي مع صهاينة.
لكن إذا كان الحزب يتسم بكل هذه السمات الإيجابيّة، فما هو مكمن الخلل فيه؟
لست في وضع أستطيع أن أدخل فيه إلى منظومة الحزب كي أقدّم تحليلاً تفصيليّاً، لكن يمكن من موقع المُتابع أن يلاحظ المرء أن الحزب وقع في أزمات مثله مثل معظم الأحزاب في جسم الحركة الوطنيّة اللبنانيّة. قد يكون مكمن الخلل الأوّل يتمثّل في التعاطي مع عقيدة الزعيم. يحتاج الحزب إلى مراجعة كتابات سعادة (وبعضها كان كثير الركون إلى الكتابات الأكاديميّة الغربيّة على ما تحمله من نفس استشراقي ومن منهجيّة غير علميّة بمقياس العلوم الاجتماعيّة حاليّاً) بهدف الربط بين الحديث في العلوم الاجتماعيّة التي درسها سعادة وكتب فيها وبين عقيدة الحزب.
هذا لا يعني أن سعادة لم يكن ملمّاً بالأكاديميا الغربيّة. كان ملمّاً وهو أكثر اطلاعاً على تلك العلوم، وأكثر تصنيفاً بينها، مما زعم منتقدوه الذين لم يدرسوا كتاب «نشوء الأمم». هذا لا يعني أن الكتاب لم يمرّ عليه الزمن في الدراسات الحديثة. لكن اختزال الكتاب بـ«شكل الجماجم» كما يُؤخذ عليه، لا ينصفه (وكان يصرّ على أن الأمة السوريّة تتضمّن أشكالاً مختلفة من أشكال الرؤوس ــ على نشاز الحديث في الموضوع من أساسه ــ وفضّل امتزاج السلالات على نقاوتها (أعطى مثل تفوّق أثينا على إسبارطة).
لنأخذ مثلاً المرجع الذي اعتمد عليه (في «نشوء الأمم») وهو كتاب فريدريك هرتز «العرق والحضارة». هذا المؤلّف هو حتى تاريخه أقوى تنديد بأدب «علم الأعراق» وإبراز عبثيّة فكر كراهيّة الأعراق (والكتاب أثار ضجّة أكاديميّة لأنه حاول أن يثبت أن السود ليسوا أدنى مرتبة عقليّاً من البيض). وقد أُخذ عليه أنه لم يُعرّف العرق، لكن ذلك يعود لأنه (أي هرتز) يرى أن «ليس هناك من أعراق» (ص. ٢٠-٢١) وأن «الانقسامات ليست إلا أسماء مصطنعة».
وسعادة رفض فكرة «الخلوص الدموي»، وهو يرفض فكرة «الوحدة السلاليّة»، ويشير إلى «مزيج سلالي متجانس» (المحاضرة الرابعة من «المحاضرات العشر». لكن سعادة يقع في تناقضات حول فكرة تفوّق العنصر. لكنه يعود ليتحدّث عن سلالات ثقافيّة «وسلالات منحطّة»، وفي أحكامه كان دوماً قاسياً على السكّان الأصليّين في القارة الأميركيّة من دون ذكر حضارات قديمة فيها سبقت وصول الرجل الأبيض. ويقول في المحاضرة الرابعة: «لا بدّ من الاعتراف بواقع الفوارق السلاليّة ووجود سلالات ثقافيّة وسلالات منحطّة وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوّق السوريّين النفسي الذي لا يعود إلى المزيج المطلق، بل إلى نوعيّة المزيج المتجانس».
هو يعترف بمزيج الدم في الأمة السوريّة، لكن ذلك لا يمنعه من الإيمان بتفوّق عناصرها. هو يسخر من «التحامل على السلالات» في أميركا، ويسخر من إيمان العرب بـ«أوهام السلالة» («نشوء الأمم»، ص. ٢٦)،
وهو ينتقد نظريّة استحالة العبقريّة والنبوغ عند الزنوج، ويرفض نظريّات نقاوة السلالة، لكنه يتحدّث عن «الفوارق السلاليّة» في «المحاضرة الرابعة» ويتحدّث عن تفوّق السلالة الكنعانيّة على سلالة شعوب أفريقيا الشماليّة. وحاجة سعادة إلى إثبات تميّز الأمّة السوريّة عن باقي
العرب دفعته إلى تحقير العنصر العربي بصورة غير علميّة (يتحدّث مثلاً في «نشوء الأمم» بمبالغة عن عادة الثأر عند العرب بناءً على أشعار، مع أن الحديث عن الثأر هو ــ مثل مبدأ «العيْن بالعيْن والسنّ بالسنّ» عند الأقدمين ــ من أجل تجنّبه. أي إنه كان وسيلة للشرطة الذاتيّة في
غياب سلطة الدولة (وفي هذا حجّة للنظريّة اللاسلطويّة ــ الفوضويّة).
كذلك إن سعادة في تناوله لتاريخ الإسلام نهل من الاستشراق التقليدي ولم يرجع إلى المراجع العربيّة والإسلاميّة (لم يذكر في مراجع «نشوء الأمم إلا ابن خلدون في «المقدّمة» والمسعودي في «مروج الذهب») إلا في تعميمات ابن خلدون عن طبيعة العرب وعصبيّتهم ــ وهذه التعميمات كانت دوماً المفضّلة عند المستشرقين. وطبعاً، اعتنق سعادة فكرة هنري لامنس (تحدّث ماكسيم رودنسون عن «احتقاره» للإسلام) عن تفوّق معاوية والدولة الأمويّة في التاريخ الإسلامي، إعلاءً لشأن العنصر السوري.
وإذا كان سعادة يرفض القوميّة بناءً على عامل اللغة والدين، فإنه ينزع نحو التفسير المادّي عن أولويّة الرابطة الاقتصاديّة في «المتحد الراقي» (كان سعادة معجميّاً واجترح عدداً من المصطلحات مثل «المُتحد» للكلمة الألمانيّة «جيمينشافت»). لكنه يهمل عناصر التناحر الطبقي الاقتصادي في الأمّة، مُفضّلاً وحدة المصالح (المتحدة).
قد ينزوي القومي السوري في منزله، لكنه لا يرتدّ ولا ينضمّ إلى حركة معادية
واللافت أن سعادة لم يكن جامداً في تعريفه للأمّة على طريقة التعريفات الستالينيّة: فقد استبق كتاب بنديكت إندرسون «المُتحدات الموهومة» (الصادر في عام ١٩٨٣) عندما يتحدّث عن عناصر «موهومة من عادات وتقاليد معيّنة» (ص. ١٥٢ من «نشوء الأمم»). الموضوع يطول في بحث كتابات سعادة، لكن هناك حاجة من «عمدة الثقافة» في الحزب لتوكيل لجنة أكاديميّة حزبيّة من أجل وضع قراءة جديدة (على غرار «القراءة الجديدة» في عام ١٩٧٦ لـ«المحاضرات العشر» من أجل التوفيق بين القوميّة السوريّة والعروبة) للمستندات والقراءات الأكاديميّة لسعادة للأخذ في الاعتبار الدراسات الجديدة التي تجاوزت الكثير من المصادر التي اعتمدها سعادة في كتاباته.
ثم هناك مشكلة قبول الحزب باتفاق الطائف. كيف يمكن الحزب أن يقبل بنهائيّة الكيان اللبناني؟ وكيف يمكن الحزب في تحالفه مع النظام السوري أن يتغاضى عن النواحي القُطريّة التي طرأت على خطاب وأيديولوجيا النظام في السنوات الأخيرة، أو حتى على قوميّته العربيّة سابقاً؟
إن تعارض الحزب مع الكيانيّة اللبنانيّة كان في صلب عقيدته، لكنه تهاون في ذلك في السنوات الأخيرة، ربما كي يدخل في النظام اللبناني. كان الحزب يمثّل القوميّة المبدئيّة التي رفضت الكيانات التي ولَدها الاستعمار، وكان هذا الرفض من ميزات الحزب وعناصر جذبه. لا، وشارك الحزب في الحكومات الحريريّة التي مثّلت نقيض عقيدة الحزب (وقبل أن يتولّى وزارة العمل للتغطية على مؤامرة رفيق الحريري في ضرب الحركة العمّاليّة، وهذه تشين تاريخ الحرب).
وهناك قضيّة حبيب الشرتوني، العطِر الذكر. إن الحزب القومي مشهود له ــ بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه ــ بالبطولات أو «وقفات العزّ».
يحقّ للحزب أن يعتزّ بوقفات سعادة ضد الاستعمار وضد الدولة الاستقلاليّة الحديثة، ويحق له أن يزهو بشهيد الاستقلال (الحقيقي وليس المزيّف) سعيد فخر الدين. كذلك إن الحزب في محاولته الانقلابيّة تصادم مع دولة فؤاد شهاب البوليسيّة (التي لم تزدها المحاولة الانقلابيّة إلا حديديّة).
وقد شارك الحزب بفعاليّة في معارك الحرب الأهليّة (من دون أن يغرق في وحول السرقات و«التشبيح» مثل بعض فصائل الحركة الوطنيّة حتى لا نتحدّث عن جرائم ميليشيات إسرائيل في المقلب الآخر)،
وهو من المساهمين الأساسيّين في مقاومة العدوّ الإسرائيلي. لكن عمليّة نبيل العلم وحبيب الشرتوني قضت بالضربة القاضية على حلم إسرائيلي بصنع جمهوريّة على المقاس الصهيوني. ابتعد الحزب عن الاحتفال بحبيب الشرتوني والزهو به، وابتعد عن الاحتفال ببطولات نبيل العلم. كيف يعقل أن يسمح الحزب للدولة اللبنانيّة بالمضي في محاكمة الشرتوني، وكيف يعقل أن يغيب الحزب رسميّاً عن حملات المناصرة لحبيب الشرتوني؟ هل هي الأسباب القانونيّة؟ وكيف تكون هناك أسباب قانونيّة فيما تزهو كل ميليشيات اليمين اللبناني بجرائم حربها وبتحالفها مع إسرائيل؟
حبيب الشرتوني مثّل وقفة العزّ في أعلى مراحلها، والحزب تنصّل منه؟ يخجل الحزب من فعل البطولات؟
أما علاقة الحزب بالنظام السوري، فهذه إشكاليّة أخرى. يحقّ للحزب أن يعقد تحالفات كما يشاء، ويحق له أن يسعى إلى توحيد «الأمة السوريّة» كما يراها. لكن هل تحالف الحزب مع النظام السوري أدّى إلى ذوبانه فيه؟ والأنكى، أن الحزب تحالف مع السيئ الذكر، إيلي حبيقة، فقط لأنه كان حليفاً للنظام السوري ورفيق الحريري.
ما الذي يميّز الحزب عن فرع حزب البعث في لبنان؟ أذكر أن الحزب القومي أصدر كتيّباً في عام ١٩٧٦ ندّد فيه بـ«الغزو الشامي»، في إشارة إلى تدخّل النظام السوري ضد الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة. أي كان للحزب مسافة في تحالفاته آنذاك. (لكن الحزب اقترب كثيراً جدّاً من قيادة ياسر عرفات ومن القذّافي تحت قيادة إنعام رعد. والتحالف مع القذّافي لا يمكن أن يندرج في نطاق رؤية «الأمّة السوريّة»). الأهم،
أن الحزب يمرّ في أزمة، فقد عانى من انشقاشات ومن تجميد للعضويّة، كذلك إن كثيرين وكثيرات من أعضاء الحزب ابتعدوا عنه في السنوات الأخيرة. لقد عمّر الحزب القومي أكثر من غيره من الأحزاب، وهو خلافاً لمعظم الأحزاب اللبنانيّة (بمن فيها بعض الشيوعيّين) بقي
في منأى عن الصراعات والغرائز الطائفيّة. لكنه أهمل حمله لواء العلمانية كما أهمل رسالة رفض الكيانيّة في رحم الأمّة السوريّة.
قد تكون هذه المقالة تطفّلاً على شؤون الحزب من خارجه، وقد يكون من حق القوميّين البحث في شؤون الحزب من دون تدخّلات من خارج الحزب. والحزب تعرّض في تاريخه لمؤامرات ومحاربات وحملات قمع قاسية في أكثر من دولة عربيّة.
لكن استمراره في الوجود دليل على قوّة أورثها زعيم الحزب لأعضائه عبر مؤسّسات الحزب وعقيدته. لكن كل الأحزاب اللبنانيّة تواجه أخطاراً محدقة والكثير من الأحزاب الشيوعيّة والناصريّة اندثر وطُمر بالتراب. يستطيع الحزب الذي رفع لواء نهضة الأمّة أن ينهض بحركته مرّة أخرى، لو أنه جعل من عقيدته لُحمة جامعة لكل القوميّين (والقوميّات).
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)
The reply to the exhaustive article posted by Asaad Abu Khalil
أتى تقييم الدكتور أسعد أبو خليل لـ”تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي” على صفحات جريدة الأخبار، كالشرارة التي أشعلت جذوة التفكير، كما أشعلت ردّة فعل تتراوح بين تقدير ملاحظات الكاتب، والرغبة في تصحيح بعض المعلومات الواردة في هذا المقال.
وفي الحقيقة، فإنّ ما أورده الدكتور أبو خليل هو أكثر من مجرّد تقييم للتجربة، لأنه يلامس
منطلقات عقيدة الحزب وفكر الزعيم، ولم يكتفِ بإيراد المحطات الهامة في تاريخ الحزب. والكاتب على قدر كبير من التهذيب والعقلانية، وهو أكاديمي معروف ومدرّس في جامعات أميركية كبرى. لم ينتهج سياسة الاستفزاز في ما أورده من أفكار، ولا سياسة التجنّي التي تعودّنا أن نصادفها في معظم ما قيل أو كتب في هذا الموضوع،
وقد ردّد الكثيرون قبله مقولات غير صحيحة، لكن الكاتب رمى إلى بدء حوار فكري يفيد منه ويستفيد، وحبّذا لو كان كلّ ما يُكتب يستند إلى الملاحظات الدقيقة العلمية كما وردت في مقاله. عندها، يجد الباحث لذة في مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق ولا غاية سوى التصويب العقلاني.
هذا ما نسبه الدكتور أبو خليل للزعيم في حواره مع الخارجين عن الفكر السوري القومي الاجتماعي، معترفًا بفرادة سعاده من بين زعماء الأحزاب في التعاطي مع هذه الشؤون.
في هذا الإطار نوجّه إلى الدكتور أبو خليل ملاحظاتنا التالية:
عبادة الشخصية
أولى الملاحظات التي لفت إليها الكاتب، هي مسألة “عبادة الشخصية” التي قال إنها “لعبة خصوم الحزب”، غامزًا من قناة المحاورين الذين قارنوا سعاده بزعماء الأحزاب “الفاشية”، لكن دون أن يحسم موقفه هو من هذه “اللعبة”، مارًّا بها مرور الكرام.
ونحن كسوريين قوميين اجتماعيين مضطرّون، من جديد، إلى إيضاح أمور خارج التشابه الشكلي السطحي الذي قد يوحيه موقع “الزعيم”، ونسوق الملاحظات التالية:
1- إنّ جميع المقبلين على الحركة السورية القومية الاجتماعية قد أدّوا قسم العضوية كأعضاء في الحزب، وكلّ منهم أقرّ قبل دخوله صفوف الحزب، مختارًا، أن “يطيع زعيم الحزب، ودستوره وقوانينه في المسائل التي هي موضوع الانتماء، أي القضية القومية الاجتماعية وغاية الحزب تجاه الأمّة، وتجاه عالمه العربي، التي وضعها سعاده في المادة الأولى من دستور الحزب. فإذا رفض المقبل على الدعوة هذا الشرط من هذا “العقد”، فلا يكون عضوًا في الحزب.
2- إنّ العضو المقبل على تلبية الدعوة إلى التعاقد يعلم قبل انتمائه إلى الحزب، أنّ الزعيم يحصر السلطات التشريعية والتنفيذية في شخصه مدى حياته، “منعًا للمماحكات”، وللفردية القاتلة التي قد تتملّك البعض، حتى بعد دخولهم صفوف الحزب. وكلنا نعلم أن هذه الحصرية هي التي أنقذت الحزب من تفشّي فلسفات غريبة كفلسفة بردياييف التي كان فايز صايغ، عميد الثقافة في الحزب أثناء غياب الزعيم في مهجره القسري، يريد ترويجها، وادعاء الاستقلالية التي زيّن بها انحرافه نحو فلسفة الغرب الرأسمالي، كما كان لها الفضل في القضاء على انحراف نعمة ثابت في محاولة ترويج “الواقع اللبناني” إرضاءً لسياسة الانتداب ورجال الانتداب من اللبنانيين، من أجل “لبننة” الحزب والوقوف بوجه دعوته للقومية السورية.
3- إنّ من يتّهم سعاده من قوميين، ومن كتّاب خارج الحزب، بالاستبداد والدكتاتورية لموقع الزعيم في الحزب، لا ينتبهون إلى أنّ دستور الحزب الذي وضعه – الدكتاتور العادل – سعاده، كان أول دستور موضوع يساوي في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل على قدم المساواة، ولم ينتبهوا إلى أن مبدأ الصراع الفكري هو ما يطلقون عليه اليوم اسم (الحوار) المطلوب دائمًا، وإلى أن حرية التعبير مباحة ومكرّسة كحقّ للعضو في الحزب، حتى أمام الزعيم مباشرة. أي أنه يحقّ للعضو تجاوز التسلسل الإداري في مسألة إبداء الرأي، وهذا الحقّ ليس موجودًا حتى في أحدث دساتير الشعوب التي يعتزّ بـ”ديمقراطيتها”.
4- إنّ كلّ حرية، بما فيها “حرية التعبير”، والإيمان بما وراء المادة، وحرية العبادة، مكرسة أيضًا في العقيدة، غير مقيّدة، إلا بإطار يمنعها من تخريب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما في كافة “الحريات” التي تنص عليها الدساتير المتقدّمة المعاصرة.
5- إنّ إلزام العضو لنفسه بالطاعة للزعيم والدستور والقوانين، يقابله إلزام الزعيم نفسه بقسم الزعامة الذي يمكن لمن شاء أن يقرأ نصه في الدستور، أي أن هذه السلطة المحصورة بالزعيم، هي التزام منه بصيانة واحترام الحريات التي نصّ الدستور عليها، وبالتالي، تتحول زعامة الحزب إلى واحدة من مؤسسات الحزب نفسه.
بهذه الأمور تختلف زعامة أنطون سعاده عن زعامة الأحزاب الفاشية، ويبقى أن نقارن فكر أنطون سعاده بالفكر الفاشي موضوعنا الثاني الذي يتوجب إيضاحه.
سعاده والفاشية والعرقية
انتشرت عقيدة التفوّق السلالي في المجتمعات الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بشكل مريع. ولا تختلف النظم الفاشية عن تلك العرقية إلّا في جزء من منطلقاتها وغاياتها. فغاية موسوليني الذي ورث الدكتاتورية الملكية، وسلطة غاريبالدي، كانت إعلاء سلطة الدولة التي كان يحاول من خلالها إحياء مجد الأمبراطورية الرومانية البائدة، وغاية العقيدة العرقية كانت تقديس “العرق” كما في النازية التي ورث أدولف هتلر عن بسمارك وغليوم الثاني ضرورة توحيد دولة العرق الجرماني تحت مسمّى “الرايخ الثالث”.
وقد تبنى كثيرون عقيدة التفوق هذه، ليس في إيطاليا وألمانيا فقط، بل أيضًا في فرنسا الفرنكية، وبريطانيا الأنغلوسكسونية، وفي الولايات المتحدة الأميركية التي ما زالت “تفرّخ” فيها حركات عنصرية على شاكلة الـ”كو كلاكس كلان Ku Klux Klan (kkk)” وجماعة الـ”WASP” وهي مختصر عبارة white anglo saxon protestant “البيض الأنغلوسكسون البروتستانت”، والـ”White Supremacists” المسلّحين المنتشرين في عدد من الولايات الأميركية، خاصة في ولاية مونتانا.
ولا يختلف “الفهود” السود عن البيض في التعصّب لـ “عرقهم” الأسود.
لقد دفع العالم ثمنًا غاليًا لصعود أحزاب وعقائد كهذه، حتى أنّ البعض من هذه الأحزاب، برز إلى الوجود في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولا يشذّ اليهود عن عقدة التفوق والامتياز، بل هم يسمّون أنفسهم بـ”شعب الله المختار”، ولا نزال نحن في وطننا ندفع ثمن هذا الادّعاء السخيف، وثمن “الوعد الإلهي” الذي يدّعون أنّ إلههم يهوه عاهدهم به، ليس لتمليكهم الأرض، بل و”لكنس” كافة الشعوب من أمامهم. لكأنّ شعبنا يجب أن “يُكنس” بأداة التنظيف هذه.
فلا يستخفنّ أحد بأثر تلك الادعاءات والاعتقادات غير المستندة إلّا إلى قوانين وقواعد التفكير التي تتحكّم بعقول كهذه. (ويستغرب الدكتور أبو خليل كيف أنّ عداءنا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، لهذه الشعوذة، يناقض تفكيرنا “العلماني”، وكأنّ التفكير “العلماني” يستوجب منا أن نسلّم بالوعد اليهوهي، ونسلّم قدرنا ومصيرنا لإرادة إله اليهود يهوه).
هذه الذهنية نراها اليوم تزدهر أكثر من أي وقت في الكيان الاغتصابي في فلسطين، وبالاستناد إليه، نربأ بالدكتور أبو خليل أن يلوم “الضحية” بدلاً من أن يلوم الجزّار.
على كلّ حال، فمسألة موقفنا من الكيان الاغتصابي اليهودي، ومن المشروع الإفنائي التدميري يستحقّ أن يتابع على حدة، ولن نسترسل الآن في البحث فيه والدخول في تفاصيله، لكن من الضروري إيضاح ما انطلق منه سعاده في مسألة الأعراق والسلالات، وتحديد ما قصده من أنّ أمّتنا هي “مزيج سلالي متجانس”.
1- صحيح أنّ سعاده قال في الصفحات الأولى من مؤلفه “نشوء الأمم”، إنّ هذا الكتاب لم يسبقه سوى مقدمة ابن خلدون في علم الاجتماع بالعربية. لكنّ سعاده قال إنّ هناك مؤلفًا سبق كتابه “على حدّ علمه” لأحد الكتّاب من آل الحداد، لكنه من النوع المدرسيّ الذي “لا يأمن قارئه الشطط”. وبالتالي، فإذا كان هناك من مؤلفات أخرى يستطيع الدكتور أبو خليل أن يدلّنا عليها وتكون ذات قيمة علمية وفكرية، فليتفضّل ويدلنا عليها لكي لا يبقى قول سعاده مجرّد “ادّعاء”.
2- إنّ سعاده أيّد قول ابن خلدون إنّ “الأنساب علم لا ينفع، وجهالة لا تضرّ”، قاطعًا الطريق على كلّ من يريد أن ينسب إليه الإيمان بالسلالة وعقائدها.
3- انطلق سعاده من حقيقة أنّ النقاء السلالي ليس موجودًا حتى في الجماعات المعزولة المتوحشة، وبهذا يلغي كلّ تبرير يراه السلاليون “علميًا” للإيمان بالصفاء العرقي أو السلالي من قبلهم.
4- لم يبتكر سعاده المقاييس التي اعتمدها علماء السلالات البشرية في تحديد صفات الإنسان السلالية، كقياس حجم جمجمة الرأس، أو حجم الدماغ، والخصائص الخارجية الموروثة في السلالة الواحدة. لقد كان سعاده يناقش العلماء من خلال المقاييس التي وضعوها هم أنفسهم، خالصًا إلى أنً في أمّتنا من هم من حمَلة الخصائص السلالية الفيزيولوجية المتنوعة، وأن ليس هناك مظاهر سلالية موروثة واحدة في هذا المزيج الذي تتكون منه الأمّة السورية. وبالتالي، فإنّ من يستند إلى الاعتقاد بالنقاء السلالي في الأمّة السورية، وفي أية أمّة أخرى، مشتبِه ومخطئ.
5- والصحيح أيضًا أنّ سعاده قال إنّ السلالة بالمعنى الفيزيولوجي غير موجودة، لأنّ جميع الشعوب مكوّنة من مزيج من مفلطحي الرؤوس، ومعتدلي الرؤوس، ومستطيلي الرؤوس، ومع ذلك فقد “جبلتهم الحياة جبلة واحدة فامتزجوا سلالة ودمًا واشتركوا في الحياة الجيدة والصعبة وعملوا وأجابوا على محرّضات البيئة أعمالًا وإجاباتٍ مستمرةً خلال أجيال أو أدهار كوّنت نفسية خاصة وطابعًا فيزيائيًا مستقلًا… مع ذلك لا بدّ من الاعتراف بواقع الفوارق ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطّة…إلخ” (الدليل إلى العقيدة ص. 113)
6- أي أنّ سعاده قال بوجود سلالات ثقافية إذ هو ينكر وجود سلالات نقية بيولوجيًا. وبالتالي، فإنّ قوله إنّ الأمّة السورية مكونة من مزيج سلالي راقٍ وممتاز، قصد به تحديدًا المعنى الثقافي. وقال إنّ هذه السلالات التي نزلت في البيئة السورية الممتازة كانت قادرة على إنتاج حضارة متفوقة مدّنت العالم القديم، وهي التي استكشف أبناؤها القارات كافة (نعم القارات كافة بما فيها أوستراليا قبل كوك بألف ومئتي عام) وهي التي أنتجت الكتابة والأحرف الهجائية، والمقاييس والمكاييل والأوزان، والفلسفة والعلوم والأديان والفنون وأشكال الحكم الديمقراطي والقانون والشرائع.
7- هذا يعني أنّ سعاده عزّز نظرية الـMelting pot أو المصهر الذي هو المجتمع أو الأمّة التي هي المتّحد الأتم.
8- إنّ مجرد القول إنّ الأمّة هي وحدة الحياة الاجتماعية بعواملها المادية – الثقافية النفسية التي ولّدها اشتراك الشعوب النازلة بها في دورة الحياة الواحدة، والتي أرجعها سعاده إلى عصور ما قبل التاريخ المكتوب، إنّ مجرد القول بهذا، يضعه في الخندق المواجه للفاشية أو العرقية النازية، وليس هناك أسخف من أولئك الذين وجدوا في التشابه الشكلي بين صليب هتلر المعقوف والزوبعة، مادةً للبناء عليها في نسبة الفاشية والنازية للزعيم الذي واجههما في الحقيقة، علمًا أنّ هذا الشكل قديم في التراث السوري تعبيرًا عن حركية دورة الحياة. ومن أولئك الذين لاحظوا دقة النظام وفضيلة الطاعة الواعية لمؤسسات الحزب، مظهرًا “فاشيًا” لأنهم ما تعوّدوا على تفهّم دقة النظام والانضباط في الحياة والعمل، فضاعت فاعليتهم في فوضى
التخبّط والتضارب والعداوة.
يرى الدكتور أبو خليل أنّ هنالك تناقضًا بين سخرية سعاده من تحامل الأميركيين على السلالات، وبين حديثه عن «الفوارق السلاليّة» وعن تفوّق الكنعانيين على شعوب أفريقيا الشمالية، والحقيقة هي أنه لا يوجد تناقض في ما قاله سعادة،
فسعادة سخر من الاعتقاد بنقاء وتفوّق السلالات بالمعنى الفيزيائي، وتحدّث عن «الفوارق السلاليّة» التي لا تزال متوارثة في الجماعات البشرية، وعن تفوّق الكنعانيين على شعوب أفريقيا الشمالية بالمعنى الثقافي، هذا التفوّق الذي كان من نتائجه تمدين تلك الشعوب التي نزلوا بينها، وهناك الكثير من الباحثين الذين أرجعوا عمران الشمال الأفريقي وتمدّنه إلى الكنعانيين (كونتنو- مازيل – أرنست رينان وكثيرون غيرهم). أليس عمران قرطاجة مدينًا للكنعانيين؟ ألم يكن سوق “بيرسا” القرطاجي أساسًا لما نسميه اليوم “بورصة”؟ ألم يضع القرطاجيون أولى المؤلفات في طرق الزراعة واستثمار الأرض؟ (وهذا امتداد للثورة الزراعية التي ابتدأت في الهلال السوري الخصيب).
لقد أجرت مجلة ناشونال جيوغرافيك في عددها الصادر بتاريخ أكتوبر، تشرين الأول 2004 بحثًا ميدانيًا حول الجينوم البشري للكنعانيين وانتشاره في المتوسط، يمكنك الرجوع إلى نتائجه لتجد أنّ الكنعانيين لم يختلطوا سلاليًا بشعوب أفريقيا الشمالية، بل كان اختلاطهم محض ثقافي، وهذا العلم، (الجينوم البشري) لم ينشأ إلا بعد العام 1992 أي بعد ثلاثة وأربعين سنة من استشهاد سعاده،
وهو مادة مهمة لكلّ باحث في هذا الموضوع.
لكن، لماذا وصف الدكتور أبو خليل ما أتى به سعاده حول عادة الثأر عند العرب بـ”المبالغة”؟ ترى ألم يسمع الدكتور أبو خليل بأن العرب كانوا يؤمنون بوجود طائر يسمونه “الهامة”، يخرج من رأس القتيل صارخًا مطالبًا بالثأر؟ ولا يهدأ هذا الطائر حتى يرتوي من دم القاتل أو أهله أو قبيلته؟ ترى ألم يسمع بقصة ذاك الأعرابي الذي أقسم بقتل مئة شخص ثأرًا لأخيه القتيل، وقتل تسعة وتسعين قبل أن يموت، وعندما مات، داس أحد أفراد القبيلة المعادية على عظمة كانت خارج قبره، فجرحته وتسمّم جسمه من ذاك الجرح ومات بعدها، فاكتمل عدد القتلى؟
لكن ما يستغربه الدكتور، هو أنّ سعاده استند في الدلالة على عادة الثأر هذه من الأشعار، فهل كان هناك من مصادر أخرى غير الشعر نستطيع أن نستند إليه؟ لقد خرج العرب من صحرائهم وليس لديهم أية ثقافة إلا الشعر، لا تأريخ، ولا تدوينات، ولا فنون، ولا علوم، ولا كتب، ولا فلسفة. وكم من مرة تغنّى المثقفون بالشعر،
وأنّه انعكاس لثقافة العرب الصحراويين، فلِمَ تغيّر الوضع هذه المرة؟ إذا كان هناك من مصدر غير الشعر العربي الجاهلي ومن فترة صدر الإسلام، وحتى بعد هذه الفترة ، فليدلّنا عليه الدكتور. أما الإخباريون العرب، مثل الواقدي أو غيره، فكلّهم ظهرت رواياتهم و”عنعناتهم” بعد هذا التاريخ.
إهمال عنصر التناحر الطبقي
يقول الدكتور أبو خليل في سياق تقييمه لـ”تجربة” الحزب السوري القومي الاجتماعي- وهو في الحقيقة يناقش عقيدة الحزب وليس مجرّد سياسته- إنّ سعاده “يهمل عنصر التناحر الطبقي الاقتصادي” (ربما يقصد في سياق تطور المجتمعات) مفضّلًا “وحدة المصالح”، ونحن نرى من واجبنا تفصيل وتفنيد هذا الشأن للوقوف أولًا على قصد الدكتور أبو خليل،
وثانيًا على حقيقة معنى وحدة المصالح التي هي عامل من عوامل وحدة الأمّة.
ترى العقيدة الماركسية التي تربّى الدكتور أبو خليل عليها، أنّ العامل المادي الاقتصادي هو العامل الفاعل في تكوّن الأمم والجماعات، تطور إلى أن أضحى نظام علاقات داخل حياة كلّ شعوب الأرض.
كما ويؤمن بالفلسفة المادية الدياليكتيكية كعمود فقري ومنطلق لأي تحليل في هذا الشأن. وترى الماركسية، أنّ السلام الاجتماعي النهائي يكون في نهاية الصراع الطبقي بين البروليتاريا والرأسمال والبورجوازية وسيطرة البروليتاريا على مقدّرات الإنتاج، وإلغاء الرأسمال، وحتى الملكية الفردية لوسائل الإنتاج.
هذه الرؤية أتت نتيجة للثورة الصناعية الأوروبية التي خلقت تناقضًا بين العمّال وأصحاب العمل وأصحاب الرساميل في أوروبا.
لكن الماركسية تقول إنّ كلّ ما هو ليس ماديًا (من قيم وأخلاق وعادات أو تقاليد، وثقافة إبداعية) إنّما هو ظاهرة مرافقة للمادية وتتكون باختلاف تكوناتها وأشكالها.
الكاتب، يأخذ على سعاده إهماله “عناصر التناحر الطبقي الاقتصادي”، “مفضًلا وحدة المصالح”. طبعًا هناك ملاحظات لا بد من إيضاحها وإيرادها.
1- يقول الدكتور أبو خليل إنّ سعاده “ينزع نحو التفسير المادّي عن أولويّة الرابطة الاقتصاديّة،” والحقيقة أنّ سعاده قال قولًا فاصلًا واضحًا وصريحًا وهو “الرّابطة الاقتصاديّة هي الرّابطة الاجتماعيّة الأولى في حياة الإنسان أو الأساس الماديّ الّذي يقيم الإنسان عليه عمرانه”، وإنّه “لا يمكن الفصل عمليًّا بين الحياة ومقوّماتها”. وأيضًا في حديثه عن العمران، انطلق من قاعدة أنّ “المادة تعيّن الشكل”.
2- لقد قدّم سعاده العامل الاقتصادي على أيّ عامل آخر في عملية تطور الحياة والاجتماع البشري. وهناك العشرات من الشواهد التي يستطيع أن يتأكد منها الباحث، لكن يكفينا هنا إيراد تعريف الأمّة الذي وضعه سعاده في الصفحات الأخيرة من كتاب نشوء الأمم، لتأكيد أولوية العامل الاقتصادي في تكون الأمم والجماعات البشرية، والأمّة هي الجماعة التامة عنده:
“الأمّة هي جماعة من الناس تحيا حياة موحّدة المصالح، موحدة المصير، موحدة العوامل المادية – النفسية، على بقعة معينة من الأرض، يكسبها تفاعلها معها في سياق التطور، خصائص ومميزات تميزها عن غيرها من الجماعات.” (الأرض تقدّم الإمكانات المادية الحيوية، والمصالح الواردة في التعريف تعني المصالح المادية والنفسية). لقد اعتبر سعاده المصالح أولى وأهم العوامل، والأرض تقدمّ الإمكانات،
فيردّ البشر، من خلال هذا الممكن، الفعل – تبعًا للخصائص الثقافية والمؤهلات النفسية- إلى عمران وتلاقٍ للقدرات، فتتكون بعدها الخصائص النفسية الراقية تبعًا لاستعداد الجماعات الثقافي، إلى تكيّف وابتكار يميز كلّ جماعة عن الأخرى. أما أن يكون من واجب سعاده أن يؤمن بوحدة الحوافز لبدء صراع طبقي ينتصر بعده العامل، فهذا ما تربى عليه الدكتور أبو خليل، وليس أنطون سعاده.
يرى سعاده أنّ الاقتصاد في كلّ أمّة هو من نتائج الاجتماع، وليس سببًا من أسبابه. لذلك وضع سعاده مبدأ تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، بين المبادئ الإصلاحية التي تكوّن قضية الحزب، وليس بين المبادئ الأساسية.
ولكن سعاده لم يرَ أن “التناحر الطبقي الاقتصادي، أو مبدأ الصراع الطبقي مبدأ طبيعيّ بل رأه أمرًا مفعولًا ناتجًا عن نظام اقتصادي سيّء. ولا نرى نحن السوريين القوميين أنّ الصراع الطبقي هو وسيلة إصلاح أبدًا. لكنّ سعاده لا ينكر أولوية العامل الاقتصادي في كلّ مراحل تكون الأمّة. لذلك، كانت قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، قضية استعادة الأمّة لمصادر ثروتها القومية قبل أي شأن آخر، ذلك لأنّ كافة موارد الثروة القومية هي بيد الغاصبين من يهود وترك وفرس وعرب وأجانب.
القومية هي وعي الأمّة لمصالحها والعمل لتحريرها ولا ثروة توزّع إلا بعد استعادتها من غاصبيها. القومية عندنا يا دكتور أبو خليل قبل الخبز، لأن لا خبز بدونها.
لقد سمّى سعاده فلسفة الحزب باسم “فلسفة التفاعل الموحِّد الجامع القوى الإنسانية”، ووصفها – اختصارًا – باسم المدرحية، أي مادية-روحية. لكنّ الماركسيين يرغبون برؤية غيرهم يعتبرون العامل الاقتصادي المادي هو العامل الوحيد.
نحن نقول إنّه العامل الأساسي، لكنّه ليس الوحيد، هذا هو الفارق. الماركسيون يحبون أن يروا البشر يتبنّون وحدة الصراع العمالي – الرأسمالي الطبقي، فيطلبون إلى عمّال العالم أن “اتحدوا”. نحن نرى أنّ الإنتاج شرط أساس في صناعة الثروة القومية، لذلك سمّانا سعاده “أيّها المنتجون صناعة وغلالًا وفكرًا وعلمًا وفنًّا” وهذا فارق أيضًا.
نحن لا نرى أنّنا نشترك وعمال الدول الغاصبة لحقوقنا وثروتنا القومية في أي وجه من وجوه الصراع. العامل في أي كيان اغتصابي أو احتلالي سواء أكان يهوديًا أم تركيًا أم إيرانيًا أم أميركيًا أم يونانيًا، هو عامل غاصب، لا صراع مشترك معه، لأنّه عامل ضدّ حقوقنا ووجودنا.
نحن نرى أنّ وحدة حياتنا القومية، وتنبّهنا لوحدة مصلحتنا القومية، ولمصير العامل وصاحب الرأسمال، ووسيلة الإنتاج، هي التي تكوّن وتبني اقتصادنا القومي. ولا نرى في حرف العمال عن هذه الغاية، وإشغالهم في أي صراع آخر، ما يخدم وحدة مصالحنا وحياتنا. فهل أعدمت عقولنا واسطة لإنصاف العمل (بكلّ مكوناته) وصيانة مصلحة أمّتنا بغير نظرية الصراع الطبقي؟!
ألا يرى الدكتور أبو خليل معنا، أنّ الاشتراك في صراع بين عمّال دول الاغتصاب والاحتلال هذه، وعمّالنا، هي الوسيلة لننسى وجوب سيطرتنا على مواردنا القومية وإنقاذها من غاصبيها وسالبيها؟.
ثم، هل بلغنا نحن في كلّ كيانات الهلال السوري الخصيب، المرحلة التي بلغتها الدول الصناعية في الإنتاج الثقيل، والكافية لخلق هوّة يملأها منظّرو الصراع الطبقي للمشاركة في صراع بروليتاري إنترنسيوني؟
أذكر في هذه المناسبة، أنّ مؤرخي الكيان الاغتصابي اليهودي ومنقّبي الآثار من الماركسيين، الذين كانوا يحاولون إثبات نظرية الغزو الإسرائيلي لفلسطين في أيام الشخصية الوهمية يشوع بن نون، وإيجاد دليل على تغيّر نمط المعاش في فلسطين، بحيث يستخدمون نظرية طبقية تقضي بحلول جماعة من الرعاة مكان جماعة فلسطينية مزارعة راقية، لإثبات حصول الغزو المذكور،
كيف سخر الدكتور توماس طومسون مؤلّف كتاب “التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي” من جهودهم تلك قائلًا إنّه من المضحك حقًا التفتيش عن تاريخ فعلي لنظرية الصراع الطبقي في متّحدات وحواضر سكانية لم يتعدَّ عدد سكان معظمها الأربعة آلاف نسمة كما دلت المؤشّرات الأركيولوجية العائدة لذلك التاريخ،
وأقارنها هنا “بالصراع الطبقي” الذي يتّهمنا الدكتور أبو خليل بتجاهله، في كياناتنا التي لا صناعة ثقيلة، ولا سيطرة لها على مواردها، علمًا بأنّ سكانها يتجاوزون سكان العصر الحديدي والبرونزي بمئات المرات.
أما ما يقصده سعاده بوحدة المصالح، فهو حتمًا ليس وحدة المصالح الاقتصادية فقط، وهي بالإضافة إلى المصالح المادية، الاشتراك في المصالح الروحية النفسية (وليس الماورائية) والثقافية، والاجتماعية والإدارية والقانونية وغيرها. وهي إلى جانب المصالح المادية، واحدة من العوامل التي شدّت البشر إلى الاجتماع في متّحدات وحواضر وكيانات ودول.
لقد وضع سعاده شرط الاشتراك في الحياة أساسًا لكلّ هذه المصالح، وعنها تولّد التشابه في
الذهنية والصفات الفيزيولوجية والنفسية، وبالتالي ليس صحيحًا ما قاله الدكتور أبو خليل من أنّ سعاده يفضّل “وحدة المصالح” بمعنى أنّ مؤداها هو إلغاء الصراعات الداخلية في الجماعات.
قراءة جديدة
يقترح الدكتور أبو خليل توكيل لجنة أكاديمية لوضع قراءة جديدة للمستندات والقراءات الأكاديمية. في الحقيقة لم يحصر سعاده نفسه في المستندات التي اعتمدها عندما كتب “نشوء الأمم” بل هو قدّم درسًا علميًا جديدًا في تعريف الأمّة نزعم أنّ العلوم الحديثة لم تتجاوزه.
ودعوتنا هي إلى درس العقيدة القومية الاجتماعية ودرس “نشوء الأمم” طريقًا لنهضة الأمّة، أمّا الدعوة إلى قراءة جديدة، فقد اندرجت، تحت هذا المسمّى، في الماضي وتندرج اليوم،
كلّ المحاولات لنسف إيمان القوميين الاجتماعيين بعقيدتهم وقضيتهم ودفنها في قبرٍ، مكتوب على جدرانه: هذه قراءة جديدة.
هل يعلم الدكتور أبو خليل أنّ أنطون سعاده أنشأ قضية الحزب قبل أن يضع كتاب نشوء الأمم؟ أي أنّ ما أتى به هذا السفر القيّم، لم يكن شرطًا للمقبل على الدعوة والمتعاقد مع أنطون سعاده، ولهذا الكتاب بقية مفقودة صادرتها السلطات المنتدبة وما زال مصيرها مجهولًا، قد يجد فيها
الدكتور أبو خليل ما يوضح أكثر الدراسات التي استند إليها سعاده.
في الشأن السياسي
لقد تناول الدكتور أسعد أبو خليل الكثير من المواقف السياسية بعين الناقد، وهو محقّ في معظم ما أورده من ملاحظات إيجابية في بعض الأحيان، خاصة حين أنصف الحزب في مسألة “المأسسة” أي تحويل الهيكلية الحزبية إلى مؤسسات نسميها نحن “نظام الشكل”، بعد أن رسم من خلال القضية القومية الاجتماعية نظام الفكر والنهج، دون أن ينتبه إلى أنّ مجرد حصول ذلك، ينسف الادّعاء بـ”عبادة الشخصية”. ويحصر الدكتور أبو خليل نقده في المحاور التالية:
– قبول الحزب باتفاق الطائف واعترافه بنهائية الكيان اللبناني.
– علاقة الحزب بالنظام السوري (الشامي) والتنديد بـ”الغزو الشامي”.
– التحالف مع القذافي الذي يقول عنه إنّه لا يندرج في “الأمّة السورية”.
– العداء لليهود منافٍ لـ “علمانية” الحزب.
– الفقرة 6 حيث يتّهم الحزب بالشوفينية لارتباطه عام 1958 بالرجعية الهاشمية.
– تحول عقيدة الحزب نحو اليسارية والتقدّمية بعد تطعيمها بشيء من الماركسية.
– بالرغم من “عبادة الشخصية” للزعيم كان الحزب أقرب إلى القيادة الجماعية.
– لم يعاقب الحزب الشهابية، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكنّه عاقب رياض الصلح وبشير الجميل.
هذا ينطبق على العنوان الذي وضعه الكاتب لمقاله، أكثر من الجزء الذي تعرّض فيه لعقيدة الحزب، لأنّه يناقش هنا المواقف السياسية التي تندرج فعلًا في “تجربة الحزب القومي”.
لكن الدكتور أبو خليل ربما لا يعرف أنّ هذه التحولات “الأخطاء” كما يراها، ارتكبها فريق من الحزب، ولم يرتكبها الحزب “كلّه”. فيحمّل الفريق الذي لم يقارب أيًّا من هذه الأخطاء، مسؤولية المرتكبين، لأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي تحوّل بعد العام 1957 إلى حزبين متباعدين يحملان الاسم نفسه – الحزب السوري القومي الاجتماعي – وكان من المنصف لو أنّه لحظ أنّ هناك فريقًا لا علاقة له بكلّ هذه الأخطاء. ولمناقشة الدكتور أبو خليل في هذه الأمور كلّها، لا بدّ من الابتداء بالفقرة 6، حيث يتهم الحزب بارتباطه “بالحلف الإقليمي الهاشمي الرجعي”. إنّ الكاتب نفسه يعرف أنّ من قام بهذا الارتباط هم امتداد للجماعة نفسها التي كانت تحاول أيام وجود سعاده بيننا، أن “تلبنن” الحزب وأن تساير الانتداب الفرنسي، حتى عندما كان الفيشيون في لبنان، هذه القفزات السياسية المرتجلة وغير المدروسة كانت تُحِلّ الغايات السياسية مكان العقيدة الراسخة الصلبة، عقيدة سعاده.
ونحن نعترف أنّنا مللنا الحديث في هذه الأمور ولكثرة تردادنا لها، صحّ فينا قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
بعد عودته من مغتربه القسري، عاقب سعاده (وبفضل السلطات التي كانت محصورة في شخصه كزعيم) القائلين بالواقع اللبناني مثل نعمة ثابت الذي كان يحلم بتحويلها عقيدة للحزب كرمى لعيون قريبه كميل شمعون، ومأمون أياس، ومروّجي الفلسفات الغربية مثل فايز الصايغ، عميد الثقافة، وغسان تويني، بالطرد من الحزب… لكنّ هذه الفئة لم تكن محصورة بهؤلاء، فتبيّن باعتراف أسد الأشقر في محاكمات المحاولة الانقلابية عام 1961 أنّه كان يتباهى أمام المحكمة أنّه كان صاحب اتجاه “لبننة” الحزب. كثيرون كانوا كامنين، لتأتي فرصتهم في تحويل الحزب ذي العقيدة القويمة المنصوص عنها في غايته، ينتظرون فرصتهم لتحويل الحزب إلى مطيّة سياسية يستفيدون من خلفها بالمراكز والمناصب والوزارات، وتلبية دعوة الأميركان إلى الانضمام إلى حلف بغداد حيث كانوا يأملون أن يتحوّلوا إلى لاعب إقليمي بواسطته… حتى وافت فرصتهم إثر إعداد المخابرات الشامية خطّةً لتصفية الضباط والقوى الذين كانوا يخشونهم فيما لو قامت “الوحدة” بين مصر عبد الناصر والشام. فأعدّت “حكومة السرّاج” في دمشق مؤامرةً لاغتيال العقيد البعثي المعارض للوحدة، عدنان المالكي، الذي تقرّر اغتياله أثناء مباراة لكرة القدم بين فريقي الشام ومصر في نيسان من العام 1955. فأحضروا الرقيب القومي الاجتماعي الرفيق يونس عبد الرحيم، وأجلسوه خلف العقيد المالكي في تلك المباراة ليقتلوه مباشرة بعد تنفيذ اغتيال المالكي، ويتمّ اتهام الحزب السوري القومي الاجتماعي بالمؤامرة، وهكذا يكون دعاة الوحدة الشامية المصرية قد تخلّصوا من عدوّهم الأول العقيد المالكي، ويكون الأداة – يونس عبد الرحيم – حجّتَهم لتصفية الحزب السوري القومي الاجتماعي، خاصة، الرئيس جورج عبد المسيح الذي كان العقبة، سواء بوجه إرادة الأميركان في ضمّ الحزب إلى حلف بغداد، أو بوجه الوحدة التي أرادوها دون معارضة.
لقد جرّب الأميركان بواسطة موفدهم إلى الرئيس جورج عبد المسيح، إقناعه يوم كان رئيسًا للحزب، بالانضمام إلى مشروع أيزنهاور، وحلف بغداد الذي كان مبادرةً أميركية لمحاصرة الشيوعية، والقضاء على الشيوعيين في كلّ المشرق. وكان الموفد من الولايات المتحدة إلى رئيس الحزب، يرى في الحزب عدوًّا للشيوعيين وعقيدتهم الأنترنسيونية اللاقومية. وقد اجتمع الموفد بجورج عبد المسيح، وطلب منه رسميًّا انضمام الحزب إلى الحلف، وتأييد مشروع أيزنهاور، لكن رئيس الحزب رفض رفضًا قاطعًا لسبب أنّ الشيوعيين في بلادنا هم مواطنون لنا، لا نقاتلهم بالسلاح، ولا نرفع بوجههم إلا سلاح الفكر والعقيدة، أما من دبّر هذا اللقاء بين الوسيط الأميركي، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، فكان رجلًا تعرفه جيدًا، إنّه الدكتور هشام شرابي الذي كان قد غادر البلاد إلى الولايات المتحدة في اليوم التالي لحادث حرق مطبعة الحزب في الجمّيزة في حزيران من العام 1949 على يد الكتائب اللبنانية، ومن خلفهم رياض الصلح، لأنّه كان يأمل أن تنتهي الحادثة بمقتل أنطون سعاده الذي كان موجودًا في المطبعة المنوي حرقها.
رفضُ عبد المسيح، دفع الأميركان إلى العمل للتخلّص منه. وتحويل الحزب نحو الاتّجاه الذي كانوا يرسمونه له، وجرى التخطيط للاغتيال، ولتصفية الحزب، وملاحقة وسجن الأعضاء فيه، في السفارة الأميركية في بغداد، وقد طلبت زوجة السفير الأميركي من العقيد المالكي قبل أسبوع من عملية الاغتيال التنبّه والحذر مما يخطّط له، والسفير المصري في دمشق محمود رياض لم ينتبه أن يكتم معلوماته أمام الرفيقة التي كانت تدرّس أولاده، فباح بما يثبت دوره. تمّت العملية كما خطّط لها، وتخلّص السرّاج من الحزب، ومن العقيد العقبة بوجه مشروعه الوحدوي، أما الرفيق جورج عبد المسيح، فاستطاع الدخول إلى لبنان ولكنه بقي متواريًا بسبب استمرار مطاردته ومطاردة كل المسؤولين الحزبيّين الذين كانوا من رأيه فيما يتعلّق بشأن العلاقة مع الأميركان. اغتيل عميد الدفاع في الحزب المقدّم غسان جديد على يد مخابرات السرّاج في بيروت، أما الذين كانوا ينتظرون فرصتهم، من “القوميين”، لركوب موجة السياسة الأميركية والاستفادة من الفرصة الدولية المتاحة، فقد طلبوا الرئيس المطارَد جورج عبد المسيح للمثول أمام المجلس الأعلى الذي كانوا قد صادروا عدد أعضائه إلى تسعة فقط، دون تأمين سلامته، أو حتى تأمين وسيلةٍ تقلّه إليهم، ولما لم يتمكّن من المثول أمام المجلس الأعلى، صوت خمسة من أعضائه على مشروع “طرد” الرئيس جورج عبد المسيح، ولما اعترض الأربعة الباقون، طُردوا أيضًا، وخلا الجوّ لأصحاب مشروع السير في الركب الأميركي. وكان الأميركان في خدمتهم، فأمّنوا لهم استئجار مركز، وزوّدوهم بالمال اللازم لشراء “الأمناء” لتكوين تنظيم جديد، خالٍ من عبد المسيح، و”جماعته” في المجلس الأعلى.
من يومها، انفصل تاريخ “الحزب” إلى تاريخين، تاريخ المركز المستحدَث، وتاريخ “الانتفاضة” التي استمرّت، وانضمّ إليها بعد ستة شهور جورج عبد المسيح.
هذا المركز المستحدَث، هو ما يسميه الدكتور أبو خليل، بالحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحاسبه اليوم على الأخطاء التي ساقها في إطار تقييمه لتجربة الحزب. هذا هو الحزب الذي سار خلف كميل شمعون والحلف الهاشمي، حلف بغداد، والذي قاتل إلى جانبه في أحداث 1958 والذي قام بالمحاولة الانقلابية بعد خروجه صفر اليدين من “مولد” أحداث 1958 دون حبّة حمص. وهذا هو الحزب الذي تطعّم بالماركسية تعسّفًا، وهذا هو الحزب الذي اعترف بنهائية الكيان اللبناني بعد أن أعاد الخطيئة نفسها بدخوله أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، وليس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي استمرّ تحت اسم “الانتفاضة” وحافظ على الخطّ الذي انتهجه أنطون سعاده.
لكن مهلا: ما علاقة “الشوفينية” بموقف “المركز” المستحدّث في أحداث العام 1958؟ نعلم أنّ الشوفينية تعني مبدأ كره الأجانب، فهل هناك علاقة بين هذا الموقف، والشوفينية؟ لا يصحّ أن نصف موقف الذين ساروا في ركاب الأميركان بالشوفينية، أقترح أن يفتّش الدكتور أبو خليل عن توصيفٍ يكون أكثر انطباقًا على واقع الحال. ونحبّ أيضًا أن نوفّر عليه عناء إدانة هؤلاء لأنّهم عادوا وأدانوا موقفهم هذا في مؤتمر ملكارت بعد خروجهم من سجون الشهابية.
نهائية الكيان اللبناني
كلّنا نعلم الظروف السياسية والأمنية، والدولية التي أدّت إلى نشوء كيان لم يكن موجودًا من قبل، اسمه الكيان اللبناني، بعد أحداث 1860 المأساوية، وكانت المتصرفية قد أنشئت عام 1864 بإرادة دولية كانت مضمونة من الدول الكبرى في ذلك التاريخ. ألغى جمال باشا التركي السفّاح هذه المتصرفية عام 1917، وبعد ذلك خسر الأتراك الحرب أمام الحلفاء الفرنسيين والإنكليز والجيش الذي كان الشريف حسين قد أعدّه، وفي العام 1920، وإثر مطالبة بعض اللبنانيين، مدعومين من البطريرك الماروني الحويك، نتيجةً للإجحاف الذي كان قد حلّ بالمسيحيين أيام السلطنة العثمانية، منح الجنرال الفرنسي غورو لبنان الاستقلال عام 1920 بعد أن ضمّ إليه الأقضية الأربعة: الجنوب والبقاع وطرابلس وبيروت التي كانت تتبع ولاية دمشق.
الزعيم يذكر لنا في كتيّب المبادئ، أنّ الكيان اللبناني نشأ نتيجةً لظروفٍ كانت محقّة في أوانها، لكنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي أوجد المناخ الذي لم يعد فيه من مبرّر لانعزال اللبنانيين في كيانٍ مستقلّ، وقال إنّ الحزب لم ينشأ لغاية إزالة الكيان اللبناني، بل لإزالة الظروف التي أوجبت وجود كيان لبناني مستقل. هذه رسالة للقلقين من المسيحيين اللبنانيين تشي بأنّ الحزب يتفهّم الظروف التي ألزمتهم بطلب كيان سياسي، وكذلك يقدّم الضمانة فيما لو انتشرت القومية الاجتماعية فيه، مع أنّها تقول إنّ الأمّة واحدة في لبنان والشام والعراق والأردن الكويت، وفلسطين وقبرص.. هاجم الحزب بعنفٍ المفكرين الذين كانوا يجهدون لتركيب مبرّراتٍ تاريخية واجتماعية، وحتى بيئية لهذا الكيان، لأنّهم يخالفون قواعد العلم والمنطق في تبريراتهم اللاعلمية، التي يرى أنّها تشكّل خطرًا على اللبنانيين والكيان اللبناني، لأنّ من شأنها أن تخلق هوّةً مصطنعة بين لبنان ومحيطه الطبيعي. هكذا يرى الحزب مصلحة لبنان في التواصل والتكامل مع محيطه وليس في الانعزال. طيلة الفترة الفاصلة بين تأسيس الحزب بتطلّعاته التوحيدية، واستقلال الكيان اللبناني عام 1943، كان الحزب ينشط لتغيير ذهنية الانعزال، حتى أنّه شارك في معركة الاستقلال، والشهيد الوحيد الذي سقط فيها كان قوميًّا اجتماعيًّا.
لكنّ الحزب بقي متّهمًا من قبل الذين دافع عن استقلالهم، بأنّه يسعى لتذويب لبنان في وحدة لم يتكلّم سعاده عنها مطلقًا. كان سعاده يميّز بين وحدة الأمّة – وهذا شأن اجتماعي علمي – وبين الوحدة السياسية في دولة واحدة، لأنّه كان يعتبر أنّ الدولة هي المظهر السياسي الحقوقي للأمّة، وليست شأنًا اجتماعيًا، وأكثر من ذلك، يذكر سعاده أنّ في الأمّة الواحدة يمكن أن يكون هناك دولة واحدة أو عدة دول. لكنّ الذين يخلطون بين الأمّة والدولة فهموا الأمر على سوية عقولهم غير العلمية. فحاربوا الحزب لسببٍ غير حقيقي هو تهمة تذويب لبنان في محيطه الطبيعي – وما زالوا-.
بعد عودة سعاده من مغتربه القسري، ونظرًا لأنّ الحكومة اللبنانية كانت قد حاولت منع سعاده من العودة عن طريق منع جواز السفر عنه، أصدرت بعد يوم واحد من عودته (عاد في 2 آذار 1947) مذكّرةً باعتقاله، بحجّة أنّه عاد يريد القضاء على الكيان اللبناني لمجرّد إيمانه بالقومية السورية. (يذكر بالمناسبة أنّ قيادة الحزب التي كان لديها مشروع الانحراف باتّجاه اللبننة، أرسلت وفدًا لملاقاة الزعيم العائد – ظاهرًا -، ولإقناعه بالعدول عن العودة إلى الوطن في الحقيقة) وكلّنا نعرف أنّ الحكومة اللبنانية لم تستطع القبض على أنطون سعاده. بعد ستة أشهر من صدور المذكّرة، ومحاولات الاعتقال، اقترح الوسطاء على أنطون سعاده أن يذهب إلى أقرب مخفر للدرك ويوقّع وثيقة تنكر نيّته تذويب الكيان اللبناني، وتعتبر الحكومة اللبنانية تلك الخطوة “تسليمًا” لسعاده نفسه للسلطات اللبنانية. فكان أن ذهب إلى مخفر ودوّن عبارة تقول “إنّ الكيان اللبناني هو وقفٌ على إرادة اللبنانيين” فألغت الحكومة اللبنانية مذكّرة القبض عليه. وللمتبصّر، يبدو من هذه العبارة أنّ سعاده لم يعترف بنهائية الكيان اللبناني، بل أرجع لإرادة اللبنانيين أن تقرّر ذلك.
نعود إلى ذكر من كانوا يسعون إلى “لبننة” الحزب، وإلى مساعيهم في لعب دور في سياسة الكيان، ولو على حساب الحزب نفسه، ومن كانوا وما زالوا يوالون المصلحة السياسية على المعتقد العلمي للحزب، ونظرته في الاجتماع البشري، فكان اعترافهم بنهائية الكيان من أجل حجز موقع لهم في السلطة – لا يحسدون عليه – مخالفًا لعقيدة الحزب ولإقرار سعاده الذي ذكرناه للتوّ. وطوال مدة وجودهم في المجلس النيابي اللبناني، وفي الحكومة اللبنانية منذ زمن كميل شمعون، وبعد اتّفاق الطائف، لم يصدر أي موقف عنهم ينسجم مع عقيدة الحزب أو برامجه السياسية واهتماماته، بل على العكس، فإنهم صوّتوا زمن كميل شمعون بالإيجاب على مشروع أيزنهاور الذي كان يقول فيما يقوله إنّ “إسرائيل وُجدت لتبقى”. وفي زمن ما بعد اتّفاق الطائف، خالفوا عقيدة سعاده عندما اعترفوا بنهائية الكيان اللبناني دون أي اعتبار لحقيقة أنّ كيانات ودولًا كثيرة قامت في التاريخ ثم زالت، وأن ليس هناك من شيء اسمه كيان سياسي نهائي. فهل يلام الحزب السوري القومي الاجتماعي على موقفٍ لا علمي ولا عقلاني مخالفٍ لعقيدته، أم نلوم الجهة المنتحلة، الفئة السياسية الوصولية التي تجاهلت ما يُفترض أن تبشّر به؟
نحن نقترح على الدكتور أبو خليل مقارنة طلب الترخيص المقدّم إلى وزير الداخلية المرحوم كمال جنبلاط في حينه، من قبل هذه الفئة، والطلب المقدّم إلى الوزير نفسه من “جماعة عبد المسيح” كما يسمّوننا للوقوف على مدى قرب كلّ جهةٍ من عقيدة الحزب، عندها ستظهر الفضيحة الأكبر.
علاقة الحزب بالنظام “السوري” [الشامي]
الحزب الذي كان باتّجاه الأميركان عام 1957 والذي دافع عن ألاعيب كميل شمعون عام 1958، والذي جرّب الانقلاب عام 1961 وفشل، وقضت قيادته قرابة تسعة أعوام في سجون المكتب الثاني، واستشهد العديد من الرفقاء ممّن قضوا تحت التعذيب (البعض يقول إنّ عددهم بلغ 36 رفيقًا) في تلك السجون، وأثناء فترة السجن، شهد ظهور أمر خطير هو النكسة التي حلّت بالعالم العربي في حزيران 1967 والمسؤولة عنها سياسة العنتريات الفارغة في مصر والشام. لكنّ الخطير أيضًا، هو أنّ هذه النكسة أفرزت أيضًا المقاومة الفلسطينية التي أثّر قيامها على كافة الكيانات السياسية في الأمّة والعالم العربي. غيّرت المقاومة الفلسطينية الكثير من المعادلات في السياسة. لذلك كان أمرًا بدهيًا، لحزبٍ يقول بأنّ وجود الأمّة كلها مهدّد، أن يناقش مسألة المقاومة ووجوب تأييدها ودعمها في مهمّتها استعادة الحقوق المغتصبة، والأرض إن أمكنها ذلك. لقد فرض وجود المقاومة الفلسطينية واقعًا جديدًا لم يستطع الأردن تحمّله، فقمعها، وتمّ ترحيل جيش التحرير الفلسطيني إلى جنوب لبنان بعد أيلول الأسود. وجاء اتّفاق القاهرة ليؤمّن حرية حركة هذه المقاومة في الجنوب اللبناني الذي بات يُعرف باسم فتح لاند. أما الشام، بحكوماتها المتعاقبة، فكانت دائمًا تحاول الإمساك بالورقة الفلسطينية سواء ذهبت إلى التفاوض، أو إلى القتال المسلح. لكنّ اتفاقيات وقف إطلاق النار التي وقعت بين الكيان الاغتصابي والشام ومصر، لم تترك للكفاح الفلسطيني المسلّح مجالًا للعمل إلا في لبنان.
كان لا بدّ للتنظيم الذي وقف إلى جانب كميل شمعون والذي كان في سجون المكتب الثاني أثناء فترة التحوّلات هذه، من أخذ موقفٍ من الأحداث. فأعلن وهو في السجن، نقل البندقية إلى الكتف اليسار، خاصة بعد فشله في إيجاد موطئ قدمٍ له في المعادلة اللبنانية والإقليمية من خلال المحاولة الانقلابية. وجاء الإفراج عن عناصره في نهاية الستينات ليسمح لهم بحرية العمل إلى جانب المقاومة الفلسطينية.
لكنّ المقاومة الفلسطينية لم تكن من الوجهة العقائدية ذات منحى فكري واحد، بل كانت ذات اتّجاهين بارزين، أوّلهما الاتّجاه القومي العربي المتمثّل بياسر عرفات، وثانيهما الاتّجاه الماركسي المتمثّل بجورج حبش ونايف حواتمة. انسحبت هذه الازدواجية الفكرية على الحلفاء الجدد، “الحزب القومي” الخارج من السجن. فكان عبدالله سعادة رائد الاتّجاه القومي العربي، وإنعام رعد رائد الاتّجاه المتمركس. ويخطئ من يعتقد أنّ هذا الاختلاف كان ضمنيًا، بل ظهر إلى العلن في انقسام هذه الفئة إلى حزبين تزعّم عبدالله سعادة فريقًا، وإنعام رعد والمجلس الأعلى الفريق الثاني. أدّى هذا الانقسام إلى صداماتٍ مسلّحة سقط نتيجتها بعض الشهداء. أما التزوير، تزوير عقيدة الحزب وأقوال سعاده وإرثه، فحدّث ولا حرج، إذ بلغ مبلغًا فاضحًا خاصة في محاضرة عبدالله سعادة في الجامعة الأميركية، وكتابات إنعام رعد الذي جهد أن يبرهن أن الحزب يؤمن بنظريات الصراع الطبقي، بل حدًّا مضحكًا – وشرّ البلية ما يضحك – وصرنا أمام صورتين لأنطون سعاده ابتعدتا عن ملامح الزعيم الذي عرفته الأمّة عام 1932. بلغت انحرافات عبدالله سعادة ومن كان معه حدّ التحالف مع معمر القذافي المموّل المالي لتلك “الغطسة” الرهيبة، وبلغت انحرافات إنعام رعد حدّ التحالف مع الاشتراكية الدولية، والذي كان شيمون بيريز نائبًا لرئيسها.
ترك عبدالله سعادة مذكراته، وكذلك إنعام رعد لكن من لم ينسَ أنطون سعاده في كلّ تلك “الهمروجة” كان جورج عبد المسيح الذي اتّهمه الاثنان الباقيان بالـ”تحجّر”، تهمة باطنها اتّهام لسعاده نفسه.
اندلعت الحرب اللبنانية نتيجة تلك الظروف، وهاتان الفئتان في ذروة الانقسام، وكان استمرارها لسبعة عشر عامًا متواصلًا أن جعل الحزب موضع تجاذب بين ياسر عرفات والماركسيين.
لا ننسى أن نذكر الاستشهاديين السوريين القوميين الاجتماعيين الذين وضعوا العدوّ الإسرائيلي هدفًا لهم في قتال مشرّف أنقذ شرف الحزب، وزوّد الفريقين برصيدٍ كانا قد خسراه في الانخراط في الصراع الداخلي في الحرب اللبنانية، فهؤلاء خارج كلّ نقدٍ أو تقييم.
بانتهاء المرحلة الثانية من الحرب اللبنانية، كان دخول الجيش الشامي (ولو كان بإرادة دولية) موضع رفض من قبل الرعديين، وموضع ترحيب من قبل العبدلاويين. فندّد به الرعديون المتمركسون، لأنّه أفسد عليهم فرصة الاستفادة السياسية. وسعت المخابرات الشامية والمكلّف بالملفّ اللبناني في الحكومة الشامية عبد الحليم خدّام للتوفيق بين الجهتين، في سعيه للإمساك بكافة الأوراق اللبنانية، فأعلنت “الوحدة” بين الفريقين عام 1978 وما لبثت أن عادت إلى التفسّخ والانحلال في بداية الثمانينات.
تواصل الحزب المسمّى بـ”جماعة عبد المسيح” الذي كان يرفض دائمًا، حمل السلاح ضدّ أحدٍ في الداخل، فزار السيد عبد الحليم خدام في وزارة الخارجية في دمشق بناءً على موعد مسبق. خدّام ظنّ أنّ هذا الحزب هو كباقي الأحزاب اللبنانية يهدف إلى الاستفادة المادية، فعرض على الوفد الحزبي المبالغ المالية. استاء الوفد من عرض خدّام، وأبلغه أعضاؤه أنّ ما يهمّهم هو الفرصة التاريخية التي يمثّلها وجود الجيش الشامي في لبنان فيما لو أجاد التصرّف بالحكمة في الحرب اللبنانية وإنهاء التقاتل وإبطال مفاعيل سايكس – بيكو، ليخرج هذا الوفد من اجتماعه بخدّام، ويجد أنّ كافة إطارات السيارات التي أقلّتهم إلى دمشق كانت مثقوبة عمدًا، وقد احتاج الوفد إلى قضاء فترة طويلة من ذلك النهار لإعادة إصلاح ما “ثقبه” عبد الحليم خدّام. لذلك، لا يمكن إدانة الحزب بمجمله بالشام، ولا مديحه لمجرّد أنّ فئة منه “ندّدت بالغزو”، أو استزلمت له، كما لا يمكنك الثناء على من “طعّم” الحزب بالماركسية للوصول إلى غاية في نفسه. كلّ ذلك، أذابته عودة السلام إلى لبنان وعاد كلٌّ إلى حجمه فكوفئ الرابحون، وعوقب المراهنون على محالفة الاشتراكية الدولية، واستبعد “العبدمسيحيون” لأنّهم ما تاجروا لا بالدم ولا بإيمانهم بعقيدة سعاده.
يبقى أن نشير إلى قولكم إنّ القذافي “لا يندرج في الأمّة السورية”، فنكرّر القول إنّ الأمّة شأن اجتماعي علمي بحت، والدول والحكام شأن سياسي والأشخاص زائلون بحكم نواميس الحياة. لكن يجب لفتكم إلى أنّ للحزب السوري القومي الاجتماعي القائل بالقومية السورية، رسالةً إلى عالمه العربي. فكون القذافي ابن ليبيا التي هي خارج حدود الوطن السوري، لا يعفي القوميين الاجتماعيين من أداء واجبهم تجاه العالم العربي، فقد سبق للحزب أن أنشأ فرقة قومية مقاتلة بقيادة الأمين عجاج المهتار للدفاع عن مرفأ بنزرت التونسي بوجه المستعمر الفرنسي، وهو سيكون حاضرًا لأداء الرسالة داخل الوطن، وفي العالم العربي.
عند هذا الحد، نكون قد ناقشنا مسائل الاعتراف بنهائية الكيان اللبناني، والتنديد بـ”الغزو” الشامي، وتطرّقنا إلى “التحالف” مع القذافي، واتّهام الحزب بالشوفينية زورًا لأنّه وقف مع حلف بغداد. وحبّذا لو كان العنوان اتّهامًا بالانحراف السياسي. وألمحنا إلى تحوّل الحزب نحو اليسارية و”التقدّمية” بمجرد أنّ مزوّرًا وصوليًا اجتزأ ما يناسب خطّته من فكر وتراث سعاده مهملًا كلّ شأن آخر، وأشرنا إلى ادّعاء “خصوم الحزب” بـ”عبادة الشخصية”، المزعومة لأنّهم لا يعرفون الفارق بين الشخص الذي سيزول يومًا، والزعامة – المؤسسة الحزبية المرتبطة بقَسَمٍ محدد كجانبين لعقد بين صاحب الدعوة، والمقبلين عليها. ويبدو من كلامك يا دكتور أبو خليل، ومع أنّك نسبت صفة “عبادة الشخصية” إلى خصوم الحزب، عدت لتتبنّاها أنت عندما قلت إنّ الحزب، وبرغم من العبادة الشخصية كان أقرب إلى القيادة الجماعية، وإذا كان كلامك هذا مديحًا للقيادة وللحزب، فإنّنا نلفت انتباهك إلى أنّ هذه القيادة جماعية في الانحراف، إما باتّجاه القومية العربية، أو باتّجاه الاشتراكية الدولية، لأنّنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي نعتبر ذلك نقيصة لا فضيلة. لم يظهر من بين الفئتين المنحرفتين من هو “شبعان من حليب أمه” ليقول للمنحرف أنت منحرف. المؤسسات كانت شريكةً في الانحراف، وكلاهما ابتعدتا عن المؤسسات التي أرادها سعاده.
تبقى أمامنا مسألتان على جانب كبير من الأهمية، أوّلهما قولكم إنّ الحزب لم يعاقب الشهابية على الوحشية التي عاملت بها الانقلابيين في السجن، لكنّه عاقب رياض الصلح وبشير الجميل، ولم يثأر لمجزرة حلبا. وثانيهما أنّ عداء الحزب لليهودية لا ينسجم مع علمانية الحزب. لا أعلم إذا كنت مطّلعًا على كلّ كتابات سعاده، أم أنّك اكتفيت بنشوء الأمم والمحاضرات العشر لأنّهما من اختصاص يعنيك.
هل تذكر يا دكتور أبو خليل ما قلناه بشأن مسألة الثأر عند العرب، وأنّ سعاده يشير إلى كونها مأخذًا له على ثقافة العرب الصحراويين إلى جانب مسائل أخرى كوضع المرأة عندهم. وهل تعلم أنّه في تعاليم عقيدتنا أنّ الثأر بالقتل أو بالاغتيال ليس من شيمنا نحن القوميين الاجتماعيين؟ ذلك لأنّه وهم بالغلبة، وليس عقوبة أو واجبًا بنظرنا. لذلك رفض عبد المسيح عندما كان رئيسًا للحزب التآمر مع الأميركان ضد شيوعيي بلادنا، لأنّنا لم ولا نفقد الأمل بتغيير اتّجاههم نحو نهضة الأمّة أو تحويلهم إلى مناضلين قوميين. أليس هذا أفضل من الثأر؟. لم يثأر الحزب من بشارة الخوري الذي وقّع مرسوم إعدام سعاده، ولا من مجيد أرسلان المتآمر معهم. ثأر من رياض الصلح ليس لأنّه كان صاحب مشروع الاغتيال لسعاده. لقد هُدّد سعاده بالتصفية أكثر من مرة وهو في سجون الدولة اللبنانية، وكان جواب سعاده دائمًا أنّ حياته الشخصية تساوي فقشة أصبع طالما أنّ نور النهضة القومية الاجتماعية قد شعّ في كلّ الأمّة. كان رياض الصلح هدف القوميين لأنّه كان عميلًا لليهود، وكان يقبض مخصّصات من آل رتشيلد في باريس منذ العام 1920 ولا أدري إذا كان قد وقع بين يديك كتاب عدوّ عدوي للكاتبة اليهودية لورا زيترين آيزنبرغ التي اطّلعت على وثائق الوكالة اليهودية قبل أن تصدر هذا الكتاب. إنّها تتحدّث في فقرة خاصة عن عمالة رياض الصلح للوكالة اليهودية، وعمالة آخرين كخير الدين الأحدب و”الست” نظيرة جنبلاط.. كذلك لا أعلم إذا كنت على دراية بقصة العميل كامل الحسين الجاسوس الذي قُتل في قرية الغجر اللبنانية عام 1949على يد الملازم في الجيش الشامي أكرم طبارة، وكان حسني الزعيم قد أرسله من أجل الحصول على حصّته من الأموال التي كان كامل الحسين ينقلها من الوكالة اليهودية لرياض الصلح ومجيد أرسلان. رياض الصلح قُتل على يد القوميين ليس انتقامًا لسعاده بل لأنّه عميل لليهود. حسني الزعيم قُتل على يد القوميين ليس انتقامًا لسعاده، بل لأنّه كان عميلًا لليهود، والأميركان، هو ومحسن البرازي رئيس وزرائه. أمّا مجيد أرسلان فيكفي أن نقول إنّه لم يقتل على يد القوميين لأنّ “الضرب أغلى من الطريدة”. وبشارة الخوري لم يُقتل على يد القوميين لأنّه نُمي إلى القوميين أنّه وقّع مرسوم الإعدام لسعاده بعد أن نفّذ حكم الإعدام، أي في اليوم التالي. وينسحب فعل الخيانة على بشير الجميل لأنّ بشيرًا كان عميلًا أتانا من قلب المعارك في الحرب اللبنانية على ظهر الدبابة الإسرائيلية.
هناك الكثيرون ممن غدروا بالحزب وببعض الرفقاء، سواء من المكتب الثاني، أو من تكفيريي حلبا، ولكنّ الحزب لم ينتقم منهم لأنهم ليسوا عملاء لليهود. ويبدو الانتقام في حالتهم ضعفًا وجبانة لا يُقدم عليها الرفقاء القوميون، حتى ولو كانوا في التنظيم المنحرف عن العقيدة.
أمّا المسألة الثانية التي نختم بها هذا الحوار معك، فهي مسألة العداء لليهود.
إنّ مثقفًا من وزنك يا دكتور أبو خليل لا بدّ وأن يكون دارسًا للعقيدة الدينية اليهودية، وللحركة الصهيونية، وللاختصار، وبدون اللجوء إلى الشواهد الكتابية، نقول إنّ اليهودية كدين، تنطوي على مشروع إبادة جماعية لكلّ شعبنا، مشرعنة ومقدّسة، لديهم وفي العالم الذي يصدق أنّ توراتهم هي محتوى التوراة والتلمود تفسيرًا من “الربانيين” لها.
دعوتنا لك أن تراجع التوراة والعقيدة الصهيونية التي هي ترجمة عملية للتوراة والتلمود، فستجد أنّ الصهيونية كعقيدة سياسية هي أرحم علينا من التوراة “المقدّسة”. فإذا كانت الصهيونية تهدف إلى إقامة دولة يهودية، فإنّ التوراة التي تسمّي شعوب الأرض باسم “غوييم” أو عجماوات هي مصدر الخطر الحقيقي. علينا أن نضع إصبعنا على مكان الوجع ونقول للأعور “أعور بعينك”، لا أن نتصرّف كما يُروى عن النعامة التي تدفن رأسها في الرمل إن شاهدت الصياد، ظنًّا منها أنّ الصياد لن يراها.
أنطون سعاده تكلّم عن “محق الدولة المصطنعة” وليس عن إبادة اليهود. اليهودي الذي يعيش خارج الأراضي المحتلة والذي لا يعمل لـ”كنسنا” من بلاد آبائنا وأجدادنا لا شأن لنا به ولا موجب لعدائه. ذلك طالما أنّه لا يترجم إيمانه التوراتي إلى عضوية في دولة الاغتصاب. نحن لا نقول بوجوب إبادة اليهود، بل نقول بوجوب تفكيك الدولة المصطنعة ووجوب عودة اليهود من حيث أتوا.
الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس مسؤولًا عن العدائية اليهودية لنا ولباقي الجنس البشري. هم فقط المسؤولون عن نتائج الإيمان بهكذا عقيدة دينية. ويتحمّلون تبعاته لأنّهم يمارسونه فعلًا اغتصابيًا إلغائيًا منذ اللحظة التي دخلوا فيها إلى أرضنا القومية.
الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس مسؤولًا عن احتقار اليهود للجنس البشري، وليس في عقيدتنا ولا في أدبيّاتنا ما يشجعنا على اعتبار خلق الله عجماوات وحيوانات خلقها يهوه لخدمة اليهود كعبيد. هم يقولون عن أنفسهم إنّهم “شعب الله المختار” وليس نحن.
حضرة الدكتور أسعد أبو خليل لك منا كل المحبة والتقدير. وإلى اللقاء في رحاب الفكر الباني.
في 27 آذار 2017
عمدة الإذاعةشاركها
An Anthem, a poem: Syria, peace be upon you
Posted by: adonis49 on: July 27, 2020
An Anthem, a poem: Syria, peace be upon you
The Anthem of the Syrian National Social Party
This Anthem was written in 1935 by the founder Antoun Saadeh, a year before mandated France uncovered its secret organization
Zaki Nassif musically composed this anthem