Posts Tagged ‘As’ad Abu Khalil’
The reply to the exhaustive article posted by Asaad Abu Khalil
أتى تقييم الدكتور أسعد أبو خليل لـ”تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي” على صفحات جريدة الأخبار، كالشرارة التي أشعلت جذوة التفكير، كما أشعلت ردّة فعل تتراوح بين تقدير ملاحظات الكاتب، والرغبة في تصحيح بعض المعلومات الواردة في هذا المقال.
وفي الحقيقة، فإنّ ما أورده الدكتور أبو خليل هو أكثر من مجرّد تقييم للتجربة، لأنه يلامس
منطلقات عقيدة الحزب وفكر الزعيم، ولم يكتفِ بإيراد المحطات الهامة في تاريخ الحزب. والكاتب على قدر كبير من التهذيب والعقلانية، وهو أكاديمي معروف ومدرّس في جامعات أميركية كبرى. لم ينتهج سياسة الاستفزاز في ما أورده من أفكار، ولا سياسة التجنّي التي تعودّنا أن نصادفها في معظم ما قيل أو كتب في هذا الموضوع،
وقد ردّد الكثيرون قبله مقولات غير صحيحة، لكن الكاتب رمى إلى بدء حوار فكري يفيد منه ويستفيد، وحبّذا لو كان كلّ ما يُكتب يستند إلى الملاحظات الدقيقة العلمية كما وردت في مقاله. عندها، يجد الباحث لذة في مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق ولا غاية سوى التصويب العقلاني.
هذا ما نسبه الدكتور أبو خليل للزعيم في حواره مع الخارجين عن الفكر السوري القومي الاجتماعي، معترفًا بفرادة سعاده من بين زعماء الأحزاب في التعاطي مع هذه الشؤون.
في هذا الإطار نوجّه إلى الدكتور أبو خليل ملاحظاتنا التالية:
عبادة الشخصية
أولى الملاحظات التي لفت إليها الكاتب، هي مسألة “عبادة الشخصية” التي قال إنها “لعبة خصوم الحزب”، غامزًا من قناة المحاورين الذين قارنوا سعاده بزعماء الأحزاب “الفاشية”، لكن دون أن يحسم موقفه هو من هذه “اللعبة”، مارًّا بها مرور الكرام.
ونحن كسوريين قوميين اجتماعيين مضطرّون، من جديد، إلى إيضاح أمور خارج التشابه الشكلي السطحي الذي قد يوحيه موقع “الزعيم”، ونسوق الملاحظات التالية:
1- إنّ جميع المقبلين على الحركة السورية القومية الاجتماعية قد أدّوا قسم العضوية كأعضاء في الحزب، وكلّ منهم أقرّ قبل دخوله صفوف الحزب، مختارًا، أن “يطيع زعيم الحزب، ودستوره وقوانينه في المسائل التي هي موضوع الانتماء، أي القضية القومية الاجتماعية وغاية الحزب تجاه الأمّة، وتجاه عالمه العربي، التي وضعها سعاده في المادة الأولى من دستور الحزب. فإذا رفض المقبل على الدعوة هذا الشرط من هذا “العقد”، فلا يكون عضوًا في الحزب.
2- إنّ العضو المقبل على تلبية الدعوة إلى التعاقد يعلم قبل انتمائه إلى الحزب، أنّ الزعيم يحصر السلطات التشريعية والتنفيذية في شخصه مدى حياته، “منعًا للمماحكات”، وللفردية القاتلة التي قد تتملّك البعض، حتى بعد دخولهم صفوف الحزب. وكلنا نعلم أن هذه الحصرية هي التي أنقذت الحزب من تفشّي فلسفات غريبة كفلسفة بردياييف التي كان فايز صايغ، عميد الثقافة في الحزب أثناء غياب الزعيم في مهجره القسري، يريد ترويجها، وادعاء الاستقلالية التي زيّن بها انحرافه نحو فلسفة الغرب الرأسمالي، كما كان لها الفضل في القضاء على انحراف نعمة ثابت في محاولة ترويج “الواقع اللبناني” إرضاءً لسياسة الانتداب ورجال الانتداب من اللبنانيين، من أجل “لبننة” الحزب والوقوف بوجه دعوته للقومية السورية.
3- إنّ من يتّهم سعاده من قوميين، ومن كتّاب خارج الحزب، بالاستبداد والدكتاتورية لموقع الزعيم في الحزب، لا ينتبهون إلى أنّ دستور الحزب الذي وضعه – الدكتاتور العادل – سعاده، كان أول دستور موضوع يساوي في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل على قدم المساواة، ولم ينتبهوا إلى أن مبدأ الصراع الفكري هو ما يطلقون عليه اليوم اسم (الحوار) المطلوب دائمًا، وإلى أن حرية التعبير مباحة ومكرّسة كحقّ للعضو في الحزب، حتى أمام الزعيم مباشرة. أي أنه يحقّ للعضو تجاوز التسلسل الإداري في مسألة إبداء الرأي، وهذا الحقّ ليس موجودًا حتى في أحدث دساتير الشعوب التي يعتزّ بـ”ديمقراطيتها”.
4- إنّ كلّ حرية، بما فيها “حرية التعبير”، والإيمان بما وراء المادة، وحرية العبادة، مكرسة أيضًا في العقيدة، غير مقيّدة، إلا بإطار يمنعها من تخريب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما في كافة “الحريات” التي تنص عليها الدساتير المتقدّمة المعاصرة.
5- إنّ إلزام العضو لنفسه بالطاعة للزعيم والدستور والقوانين، يقابله إلزام الزعيم نفسه بقسم الزعامة الذي يمكن لمن شاء أن يقرأ نصه في الدستور، أي أن هذه السلطة المحصورة بالزعيم، هي التزام منه بصيانة واحترام الحريات التي نصّ الدستور عليها، وبالتالي، تتحول زعامة الحزب إلى واحدة من مؤسسات الحزب نفسه.
بهذه الأمور تختلف زعامة أنطون سعاده عن زعامة الأحزاب الفاشية، ويبقى أن نقارن فكر أنطون سعاده بالفكر الفاشي موضوعنا الثاني الذي يتوجب إيضاحه.
سعاده والفاشية والعرقية
انتشرت عقيدة التفوّق السلالي في المجتمعات الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بشكل مريع. ولا تختلف النظم الفاشية عن تلك العرقية إلّا في جزء من منطلقاتها وغاياتها. فغاية موسوليني الذي ورث الدكتاتورية الملكية، وسلطة غاريبالدي، كانت إعلاء سلطة الدولة التي كان يحاول من خلالها إحياء مجد الأمبراطورية الرومانية البائدة، وغاية العقيدة العرقية كانت تقديس “العرق” كما في النازية التي ورث أدولف هتلر عن بسمارك وغليوم الثاني ضرورة توحيد دولة العرق الجرماني تحت مسمّى “الرايخ الثالث”.
وقد تبنى كثيرون عقيدة التفوق هذه، ليس في إيطاليا وألمانيا فقط، بل أيضًا في فرنسا الفرنكية، وبريطانيا الأنغلوسكسونية، وفي الولايات المتحدة الأميركية التي ما زالت “تفرّخ” فيها حركات عنصرية على شاكلة الـ”كو كلاكس كلان Ku Klux Klan (kkk)” وجماعة الـ”WASP” وهي مختصر عبارة white anglo saxon protestant “البيض الأنغلوسكسون البروتستانت”، والـ”White Supremacists” المسلّحين المنتشرين في عدد من الولايات الأميركية، خاصة في ولاية مونتانا.
ولا يختلف “الفهود” السود عن البيض في التعصّب لـ “عرقهم” الأسود.
لقد دفع العالم ثمنًا غاليًا لصعود أحزاب وعقائد كهذه، حتى أنّ البعض من هذه الأحزاب، برز إلى الوجود في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولا يشذّ اليهود عن عقدة التفوق والامتياز، بل هم يسمّون أنفسهم بـ”شعب الله المختار”، ولا نزال نحن في وطننا ندفع ثمن هذا الادّعاء السخيف، وثمن “الوعد الإلهي” الذي يدّعون أنّ إلههم يهوه عاهدهم به، ليس لتمليكهم الأرض، بل و”لكنس” كافة الشعوب من أمامهم. لكأنّ شعبنا يجب أن “يُكنس” بأداة التنظيف هذه.
فلا يستخفنّ أحد بأثر تلك الادعاءات والاعتقادات غير المستندة إلّا إلى قوانين وقواعد التفكير التي تتحكّم بعقول كهذه. (ويستغرب الدكتور أبو خليل كيف أنّ عداءنا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، لهذه الشعوذة، يناقض تفكيرنا “العلماني”، وكأنّ التفكير “العلماني” يستوجب منا أن نسلّم بالوعد اليهوهي، ونسلّم قدرنا ومصيرنا لإرادة إله اليهود يهوه).
هذه الذهنية نراها اليوم تزدهر أكثر من أي وقت في الكيان الاغتصابي في فلسطين، وبالاستناد إليه، نربأ بالدكتور أبو خليل أن يلوم “الضحية” بدلاً من أن يلوم الجزّار.
على كلّ حال، فمسألة موقفنا من الكيان الاغتصابي اليهودي، ومن المشروع الإفنائي التدميري يستحقّ أن يتابع على حدة، ولن نسترسل الآن في البحث فيه والدخول في تفاصيله، لكن من الضروري إيضاح ما انطلق منه سعاده في مسألة الأعراق والسلالات، وتحديد ما قصده من أنّ أمّتنا هي “مزيج سلالي متجانس”.
1- صحيح أنّ سعاده قال في الصفحات الأولى من مؤلفه “نشوء الأمم”، إنّ هذا الكتاب لم يسبقه سوى مقدمة ابن خلدون في علم الاجتماع بالعربية. لكنّ سعاده قال إنّ هناك مؤلفًا سبق كتابه “على حدّ علمه” لأحد الكتّاب من آل الحداد، لكنه من النوع المدرسيّ الذي “لا يأمن قارئه الشطط”. وبالتالي، فإذا كان هناك من مؤلفات أخرى يستطيع الدكتور أبو خليل أن يدلّنا عليها وتكون ذات قيمة علمية وفكرية، فليتفضّل ويدلنا عليها لكي لا يبقى قول سعاده مجرّد “ادّعاء”.
2- إنّ سعاده أيّد قول ابن خلدون إنّ “الأنساب علم لا ينفع، وجهالة لا تضرّ”، قاطعًا الطريق على كلّ من يريد أن ينسب إليه الإيمان بالسلالة وعقائدها.
3- انطلق سعاده من حقيقة أنّ النقاء السلالي ليس موجودًا حتى في الجماعات المعزولة المتوحشة، وبهذا يلغي كلّ تبرير يراه السلاليون “علميًا” للإيمان بالصفاء العرقي أو السلالي من قبلهم.
4- لم يبتكر سعاده المقاييس التي اعتمدها علماء السلالات البشرية في تحديد صفات الإنسان السلالية، كقياس حجم جمجمة الرأس، أو حجم الدماغ، والخصائص الخارجية الموروثة في السلالة الواحدة. لقد كان سعاده يناقش العلماء من خلال المقاييس التي وضعوها هم أنفسهم، خالصًا إلى أنً في أمّتنا من هم من حمَلة الخصائص السلالية الفيزيولوجية المتنوعة، وأن ليس هناك مظاهر سلالية موروثة واحدة في هذا المزيج الذي تتكون منه الأمّة السورية. وبالتالي، فإنّ من يستند إلى الاعتقاد بالنقاء السلالي في الأمّة السورية، وفي أية أمّة أخرى، مشتبِه ومخطئ.
5- والصحيح أيضًا أنّ سعاده قال إنّ السلالة بالمعنى الفيزيولوجي غير موجودة، لأنّ جميع الشعوب مكوّنة من مزيج من مفلطحي الرؤوس، ومعتدلي الرؤوس، ومستطيلي الرؤوس، ومع ذلك فقد “جبلتهم الحياة جبلة واحدة فامتزجوا سلالة ودمًا واشتركوا في الحياة الجيدة والصعبة وعملوا وأجابوا على محرّضات البيئة أعمالًا وإجاباتٍ مستمرةً خلال أجيال أو أدهار كوّنت نفسية خاصة وطابعًا فيزيائيًا مستقلًا… مع ذلك لا بدّ من الاعتراف بواقع الفوارق ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطّة…إلخ” (الدليل إلى العقيدة ص. 113)
6- أي أنّ سعاده قال بوجود سلالات ثقافية إذ هو ينكر وجود سلالات نقية بيولوجيًا. وبالتالي، فإنّ قوله إنّ الأمّة السورية مكونة من مزيج سلالي راقٍ وممتاز، قصد به تحديدًا المعنى الثقافي. وقال إنّ هذه السلالات التي نزلت في البيئة السورية الممتازة كانت قادرة على إنتاج حضارة متفوقة مدّنت العالم القديم، وهي التي استكشف أبناؤها القارات كافة (نعم القارات كافة بما فيها أوستراليا قبل كوك بألف ومئتي عام) وهي التي أنتجت الكتابة والأحرف الهجائية، والمقاييس والمكاييل والأوزان، والفلسفة والعلوم والأديان والفنون وأشكال الحكم الديمقراطي والقانون والشرائع.
7- هذا يعني أنّ سعاده عزّز نظرية الـMelting pot أو المصهر الذي هو المجتمع أو الأمّة التي هي المتّحد الأتم.
8- إنّ مجرد القول إنّ الأمّة هي وحدة الحياة الاجتماعية بعواملها المادية – الثقافية النفسية التي ولّدها اشتراك الشعوب النازلة بها في دورة الحياة الواحدة، والتي أرجعها سعاده إلى عصور ما قبل التاريخ المكتوب، إنّ مجرد القول بهذا، يضعه في الخندق المواجه للفاشية أو العرقية النازية، وليس هناك أسخف من أولئك الذين وجدوا في التشابه الشكلي بين صليب هتلر المعقوف والزوبعة، مادةً للبناء عليها في نسبة الفاشية والنازية للزعيم الذي واجههما في الحقيقة، علمًا أنّ هذا الشكل قديم في التراث السوري تعبيرًا عن حركية دورة الحياة. ومن أولئك الذين لاحظوا دقة النظام وفضيلة الطاعة الواعية لمؤسسات الحزب، مظهرًا “فاشيًا” لأنهم ما تعوّدوا على تفهّم دقة النظام والانضباط في الحياة والعمل، فضاعت فاعليتهم في فوضى
التخبّط والتضارب والعداوة.
يرى الدكتور أبو خليل أنّ هنالك تناقضًا بين سخرية سعاده من تحامل الأميركيين على السلالات، وبين حديثه عن «الفوارق السلاليّة» وعن تفوّق الكنعانيين على شعوب أفريقيا الشمالية، والحقيقة هي أنه لا يوجد تناقض في ما قاله سعادة،
فسعادة سخر من الاعتقاد بنقاء وتفوّق السلالات بالمعنى الفيزيائي، وتحدّث عن «الفوارق السلاليّة» التي لا تزال متوارثة في الجماعات البشرية، وعن تفوّق الكنعانيين على شعوب أفريقيا الشمالية بالمعنى الثقافي، هذا التفوّق الذي كان من نتائجه تمدين تلك الشعوب التي نزلوا بينها، وهناك الكثير من الباحثين الذين أرجعوا عمران الشمال الأفريقي وتمدّنه إلى الكنعانيين (كونتنو- مازيل – أرنست رينان وكثيرون غيرهم). أليس عمران قرطاجة مدينًا للكنعانيين؟ ألم يكن سوق “بيرسا” القرطاجي أساسًا لما نسميه اليوم “بورصة”؟ ألم يضع القرطاجيون أولى المؤلفات في طرق الزراعة واستثمار الأرض؟ (وهذا امتداد للثورة الزراعية التي ابتدأت في الهلال السوري الخصيب).
لقد أجرت مجلة ناشونال جيوغرافيك في عددها الصادر بتاريخ أكتوبر، تشرين الأول 2004 بحثًا ميدانيًا حول الجينوم البشري للكنعانيين وانتشاره في المتوسط، يمكنك الرجوع إلى نتائجه لتجد أنّ الكنعانيين لم يختلطوا سلاليًا بشعوب أفريقيا الشمالية، بل كان اختلاطهم محض ثقافي، وهذا العلم، (الجينوم البشري) لم ينشأ إلا بعد العام 1992 أي بعد ثلاثة وأربعين سنة من استشهاد سعاده،
وهو مادة مهمة لكلّ باحث في هذا الموضوع.
لكن، لماذا وصف الدكتور أبو خليل ما أتى به سعاده حول عادة الثأر عند العرب بـ”المبالغة”؟ ترى ألم يسمع الدكتور أبو خليل بأن العرب كانوا يؤمنون بوجود طائر يسمونه “الهامة”، يخرج من رأس القتيل صارخًا مطالبًا بالثأر؟ ولا يهدأ هذا الطائر حتى يرتوي من دم القاتل أو أهله أو قبيلته؟ ترى ألم يسمع بقصة ذاك الأعرابي الذي أقسم بقتل مئة شخص ثأرًا لأخيه القتيل، وقتل تسعة وتسعين قبل أن يموت، وعندما مات، داس أحد أفراد القبيلة المعادية على عظمة كانت خارج قبره، فجرحته وتسمّم جسمه من ذاك الجرح ومات بعدها، فاكتمل عدد القتلى؟
لكن ما يستغربه الدكتور، هو أنّ سعاده استند في الدلالة على عادة الثأر هذه من الأشعار، فهل كان هناك من مصادر أخرى غير الشعر نستطيع أن نستند إليه؟ لقد خرج العرب من صحرائهم وليس لديهم أية ثقافة إلا الشعر، لا تأريخ، ولا تدوينات، ولا فنون، ولا علوم، ولا كتب، ولا فلسفة. وكم من مرة تغنّى المثقفون بالشعر،
وأنّه انعكاس لثقافة العرب الصحراويين، فلِمَ تغيّر الوضع هذه المرة؟ إذا كان هناك من مصدر غير الشعر العربي الجاهلي ومن فترة صدر الإسلام، وحتى بعد هذه الفترة ، فليدلّنا عليه الدكتور. أما الإخباريون العرب، مثل الواقدي أو غيره، فكلّهم ظهرت رواياتهم و”عنعناتهم” بعد هذا التاريخ.
إهمال عنصر التناحر الطبقي
يقول الدكتور أبو خليل في سياق تقييمه لـ”تجربة” الحزب السوري القومي الاجتماعي- وهو في الحقيقة يناقش عقيدة الحزب وليس مجرّد سياسته- إنّ سعاده “يهمل عنصر التناحر الطبقي الاقتصادي” (ربما يقصد في سياق تطور المجتمعات) مفضّلًا “وحدة المصالح”، ونحن نرى من واجبنا تفصيل وتفنيد هذا الشأن للوقوف أولًا على قصد الدكتور أبو خليل،
وثانيًا على حقيقة معنى وحدة المصالح التي هي عامل من عوامل وحدة الأمّة.
ترى العقيدة الماركسية التي تربّى الدكتور أبو خليل عليها، أنّ العامل المادي الاقتصادي هو العامل الفاعل في تكوّن الأمم والجماعات، تطور إلى أن أضحى نظام علاقات داخل حياة كلّ شعوب الأرض.
كما ويؤمن بالفلسفة المادية الدياليكتيكية كعمود فقري ومنطلق لأي تحليل في هذا الشأن. وترى الماركسية، أنّ السلام الاجتماعي النهائي يكون في نهاية الصراع الطبقي بين البروليتاريا والرأسمال والبورجوازية وسيطرة البروليتاريا على مقدّرات الإنتاج، وإلغاء الرأسمال، وحتى الملكية الفردية لوسائل الإنتاج.
هذه الرؤية أتت نتيجة للثورة الصناعية الأوروبية التي خلقت تناقضًا بين العمّال وأصحاب العمل وأصحاب الرساميل في أوروبا.
لكن الماركسية تقول إنّ كلّ ما هو ليس ماديًا (من قيم وأخلاق وعادات أو تقاليد، وثقافة إبداعية) إنّما هو ظاهرة مرافقة للمادية وتتكون باختلاف تكوناتها وأشكالها.
الكاتب، يأخذ على سعاده إهماله “عناصر التناحر الطبقي الاقتصادي”، “مفضًلا وحدة المصالح”. طبعًا هناك ملاحظات لا بد من إيضاحها وإيرادها.
1- يقول الدكتور أبو خليل إنّ سعاده “ينزع نحو التفسير المادّي عن أولويّة الرابطة الاقتصاديّة،” والحقيقة أنّ سعاده قال قولًا فاصلًا واضحًا وصريحًا وهو “الرّابطة الاقتصاديّة هي الرّابطة الاجتماعيّة الأولى في حياة الإنسان أو الأساس الماديّ الّذي يقيم الإنسان عليه عمرانه”، وإنّه “لا يمكن الفصل عمليًّا بين الحياة ومقوّماتها”. وأيضًا في حديثه عن العمران، انطلق من قاعدة أنّ “المادة تعيّن الشكل”.
2- لقد قدّم سعاده العامل الاقتصادي على أيّ عامل آخر في عملية تطور الحياة والاجتماع البشري. وهناك العشرات من الشواهد التي يستطيع أن يتأكد منها الباحث، لكن يكفينا هنا إيراد تعريف الأمّة الذي وضعه سعاده في الصفحات الأخيرة من كتاب نشوء الأمم، لتأكيد أولوية العامل الاقتصادي في تكون الأمم والجماعات البشرية، والأمّة هي الجماعة التامة عنده:
“الأمّة هي جماعة من الناس تحيا حياة موحّدة المصالح، موحدة المصير، موحدة العوامل المادية – النفسية، على بقعة معينة من الأرض، يكسبها تفاعلها معها في سياق التطور، خصائص ومميزات تميزها عن غيرها من الجماعات.” (الأرض تقدّم الإمكانات المادية الحيوية، والمصالح الواردة في التعريف تعني المصالح المادية والنفسية). لقد اعتبر سعاده المصالح أولى وأهم العوامل، والأرض تقدمّ الإمكانات،
فيردّ البشر، من خلال هذا الممكن، الفعل – تبعًا للخصائص الثقافية والمؤهلات النفسية- إلى عمران وتلاقٍ للقدرات، فتتكون بعدها الخصائص النفسية الراقية تبعًا لاستعداد الجماعات الثقافي، إلى تكيّف وابتكار يميز كلّ جماعة عن الأخرى. أما أن يكون من واجب سعاده أن يؤمن بوحدة الحوافز لبدء صراع طبقي ينتصر بعده العامل، فهذا ما تربى عليه الدكتور أبو خليل، وليس أنطون سعاده.
يرى سعاده أنّ الاقتصاد في كلّ أمّة هو من نتائج الاجتماع، وليس سببًا من أسبابه. لذلك وضع سعاده مبدأ تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، بين المبادئ الإصلاحية التي تكوّن قضية الحزب، وليس بين المبادئ الأساسية.
ولكن سعاده لم يرَ أن “التناحر الطبقي الاقتصادي، أو مبدأ الصراع الطبقي مبدأ طبيعيّ بل رأه أمرًا مفعولًا ناتجًا عن نظام اقتصادي سيّء. ولا نرى نحن السوريين القوميين أنّ الصراع الطبقي هو وسيلة إصلاح أبدًا. لكنّ سعاده لا ينكر أولوية العامل الاقتصادي في كلّ مراحل تكون الأمّة. لذلك، كانت قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، قضية استعادة الأمّة لمصادر ثروتها القومية قبل أي شأن آخر، ذلك لأنّ كافة موارد الثروة القومية هي بيد الغاصبين من يهود وترك وفرس وعرب وأجانب.
القومية هي وعي الأمّة لمصالحها والعمل لتحريرها ولا ثروة توزّع إلا بعد استعادتها من غاصبيها. القومية عندنا يا دكتور أبو خليل قبل الخبز، لأن لا خبز بدونها.
لقد سمّى سعاده فلسفة الحزب باسم “فلسفة التفاعل الموحِّد الجامع القوى الإنسانية”، ووصفها – اختصارًا – باسم المدرحية، أي مادية-روحية. لكنّ الماركسيين يرغبون برؤية غيرهم يعتبرون العامل الاقتصادي المادي هو العامل الوحيد.
نحن نقول إنّه العامل الأساسي، لكنّه ليس الوحيد، هذا هو الفارق. الماركسيون يحبون أن يروا البشر يتبنّون وحدة الصراع العمالي – الرأسمالي الطبقي، فيطلبون إلى عمّال العالم أن “اتحدوا”. نحن نرى أنّ الإنتاج شرط أساس في صناعة الثروة القومية، لذلك سمّانا سعاده “أيّها المنتجون صناعة وغلالًا وفكرًا وعلمًا وفنًّا” وهذا فارق أيضًا.
نحن لا نرى أنّنا نشترك وعمال الدول الغاصبة لحقوقنا وثروتنا القومية في أي وجه من وجوه الصراع. العامل في أي كيان اغتصابي أو احتلالي سواء أكان يهوديًا أم تركيًا أم إيرانيًا أم أميركيًا أم يونانيًا، هو عامل غاصب، لا صراع مشترك معه، لأنّه عامل ضدّ حقوقنا ووجودنا.
نحن نرى أنّ وحدة حياتنا القومية، وتنبّهنا لوحدة مصلحتنا القومية، ولمصير العامل وصاحب الرأسمال، ووسيلة الإنتاج، هي التي تكوّن وتبني اقتصادنا القومي. ولا نرى في حرف العمال عن هذه الغاية، وإشغالهم في أي صراع آخر، ما يخدم وحدة مصالحنا وحياتنا. فهل أعدمت عقولنا واسطة لإنصاف العمل (بكلّ مكوناته) وصيانة مصلحة أمّتنا بغير نظرية الصراع الطبقي؟!
ألا يرى الدكتور أبو خليل معنا، أنّ الاشتراك في صراع بين عمّال دول الاغتصاب والاحتلال هذه، وعمّالنا، هي الوسيلة لننسى وجوب سيطرتنا على مواردنا القومية وإنقاذها من غاصبيها وسالبيها؟.
ثم، هل بلغنا نحن في كلّ كيانات الهلال السوري الخصيب، المرحلة التي بلغتها الدول الصناعية في الإنتاج الثقيل، والكافية لخلق هوّة يملأها منظّرو الصراع الطبقي للمشاركة في صراع بروليتاري إنترنسيوني؟
أذكر في هذه المناسبة، أنّ مؤرخي الكيان الاغتصابي اليهودي ومنقّبي الآثار من الماركسيين، الذين كانوا يحاولون إثبات نظرية الغزو الإسرائيلي لفلسطين في أيام الشخصية الوهمية يشوع بن نون، وإيجاد دليل على تغيّر نمط المعاش في فلسطين، بحيث يستخدمون نظرية طبقية تقضي بحلول جماعة من الرعاة مكان جماعة فلسطينية مزارعة راقية، لإثبات حصول الغزو المذكور،
كيف سخر الدكتور توماس طومسون مؤلّف كتاب “التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي” من جهودهم تلك قائلًا إنّه من المضحك حقًا التفتيش عن تاريخ فعلي لنظرية الصراع الطبقي في متّحدات وحواضر سكانية لم يتعدَّ عدد سكان معظمها الأربعة آلاف نسمة كما دلت المؤشّرات الأركيولوجية العائدة لذلك التاريخ،
وأقارنها هنا “بالصراع الطبقي” الذي يتّهمنا الدكتور أبو خليل بتجاهله، في كياناتنا التي لا صناعة ثقيلة، ولا سيطرة لها على مواردها، علمًا بأنّ سكانها يتجاوزون سكان العصر الحديدي والبرونزي بمئات المرات.
أما ما يقصده سعاده بوحدة المصالح، فهو حتمًا ليس وحدة المصالح الاقتصادية فقط، وهي بالإضافة إلى المصالح المادية، الاشتراك في المصالح الروحية النفسية (وليس الماورائية) والثقافية، والاجتماعية والإدارية والقانونية وغيرها. وهي إلى جانب المصالح المادية، واحدة من العوامل التي شدّت البشر إلى الاجتماع في متّحدات وحواضر وكيانات ودول.
لقد وضع سعاده شرط الاشتراك في الحياة أساسًا لكلّ هذه المصالح، وعنها تولّد التشابه في
الذهنية والصفات الفيزيولوجية والنفسية، وبالتالي ليس صحيحًا ما قاله الدكتور أبو خليل من أنّ سعاده يفضّل “وحدة المصالح” بمعنى أنّ مؤداها هو إلغاء الصراعات الداخلية في الجماعات.
قراءة جديدة
يقترح الدكتور أبو خليل توكيل لجنة أكاديمية لوضع قراءة جديدة للمستندات والقراءات الأكاديمية. في الحقيقة لم يحصر سعاده نفسه في المستندات التي اعتمدها عندما كتب “نشوء الأمم” بل هو قدّم درسًا علميًا جديدًا في تعريف الأمّة نزعم أنّ العلوم الحديثة لم تتجاوزه.
ودعوتنا هي إلى درس العقيدة القومية الاجتماعية ودرس “نشوء الأمم” طريقًا لنهضة الأمّة، أمّا الدعوة إلى قراءة جديدة، فقد اندرجت، تحت هذا المسمّى، في الماضي وتندرج اليوم،
كلّ المحاولات لنسف إيمان القوميين الاجتماعيين بعقيدتهم وقضيتهم ودفنها في قبرٍ، مكتوب على جدرانه: هذه قراءة جديدة.
هل يعلم الدكتور أبو خليل أنّ أنطون سعاده أنشأ قضية الحزب قبل أن يضع كتاب نشوء الأمم؟ أي أنّ ما أتى به هذا السفر القيّم، لم يكن شرطًا للمقبل على الدعوة والمتعاقد مع أنطون سعاده، ولهذا الكتاب بقية مفقودة صادرتها السلطات المنتدبة وما زال مصيرها مجهولًا، قد يجد فيها
الدكتور أبو خليل ما يوضح أكثر الدراسات التي استند إليها سعاده.
في الشأن السياسي
لقد تناول الدكتور أسعد أبو خليل الكثير من المواقف السياسية بعين الناقد، وهو محقّ في معظم ما أورده من ملاحظات إيجابية في بعض الأحيان، خاصة حين أنصف الحزب في مسألة “المأسسة” أي تحويل الهيكلية الحزبية إلى مؤسسات نسميها نحن “نظام الشكل”، بعد أن رسم من خلال القضية القومية الاجتماعية نظام الفكر والنهج، دون أن ينتبه إلى أنّ مجرد حصول ذلك، ينسف الادّعاء بـ”عبادة الشخصية”. ويحصر الدكتور أبو خليل نقده في المحاور التالية:
– قبول الحزب باتفاق الطائف واعترافه بنهائية الكيان اللبناني.
– علاقة الحزب بالنظام السوري (الشامي) والتنديد بـ”الغزو الشامي”.
– التحالف مع القذافي الذي يقول عنه إنّه لا يندرج في “الأمّة السورية”.
– العداء لليهود منافٍ لـ “علمانية” الحزب.
– الفقرة 6 حيث يتّهم الحزب بالشوفينية لارتباطه عام 1958 بالرجعية الهاشمية.
– تحول عقيدة الحزب نحو اليسارية والتقدّمية بعد تطعيمها بشيء من الماركسية.
– بالرغم من “عبادة الشخصية” للزعيم كان الحزب أقرب إلى القيادة الجماعية.
– لم يعاقب الحزب الشهابية، ولم يثأر لمجزرة حلبا، لكنّه عاقب رياض الصلح وبشير الجميل.
هذا ينطبق على العنوان الذي وضعه الكاتب لمقاله، أكثر من الجزء الذي تعرّض فيه لعقيدة الحزب، لأنّه يناقش هنا المواقف السياسية التي تندرج فعلًا في “تجربة الحزب القومي”.
لكن الدكتور أبو خليل ربما لا يعرف أنّ هذه التحولات “الأخطاء” كما يراها، ارتكبها فريق من الحزب، ولم يرتكبها الحزب “كلّه”. فيحمّل الفريق الذي لم يقارب أيًّا من هذه الأخطاء، مسؤولية المرتكبين، لأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي تحوّل بعد العام 1957 إلى حزبين متباعدين يحملان الاسم نفسه – الحزب السوري القومي الاجتماعي – وكان من المنصف لو أنّه لحظ أنّ هناك فريقًا لا علاقة له بكلّ هذه الأخطاء. ولمناقشة الدكتور أبو خليل في هذه الأمور كلّها، لا بدّ من الابتداء بالفقرة 6، حيث يتهم الحزب بارتباطه “بالحلف الإقليمي الهاشمي الرجعي”. إنّ الكاتب نفسه يعرف أنّ من قام بهذا الارتباط هم امتداد للجماعة نفسها التي كانت تحاول أيام وجود سعاده بيننا، أن “تلبنن” الحزب وأن تساير الانتداب الفرنسي، حتى عندما كان الفيشيون في لبنان، هذه القفزات السياسية المرتجلة وغير المدروسة كانت تُحِلّ الغايات السياسية مكان العقيدة الراسخة الصلبة، عقيدة سعاده.
ونحن نعترف أنّنا مللنا الحديث في هذه الأمور ولكثرة تردادنا لها، صحّ فينا قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
بعد عودته من مغتربه القسري، عاقب سعاده (وبفضل السلطات التي كانت محصورة في شخصه كزعيم) القائلين بالواقع اللبناني مثل نعمة ثابت الذي كان يحلم بتحويلها عقيدة للحزب كرمى لعيون قريبه كميل شمعون، ومأمون أياس، ومروّجي الفلسفات الغربية مثل فايز الصايغ، عميد الثقافة، وغسان تويني، بالطرد من الحزب… لكنّ هذه الفئة لم تكن محصورة بهؤلاء، فتبيّن باعتراف أسد الأشقر في محاكمات المحاولة الانقلابية عام 1961 أنّه كان يتباهى أمام المحكمة أنّه كان صاحب اتجاه “لبننة” الحزب. كثيرون كانوا كامنين، لتأتي فرصتهم في تحويل الحزب ذي العقيدة القويمة المنصوص عنها في غايته، ينتظرون فرصتهم لتحويل الحزب إلى مطيّة سياسية يستفيدون من خلفها بالمراكز والمناصب والوزارات، وتلبية دعوة الأميركان إلى الانضمام إلى حلف بغداد حيث كانوا يأملون أن يتحوّلوا إلى لاعب إقليمي بواسطته… حتى وافت فرصتهم إثر إعداد المخابرات الشامية خطّةً لتصفية الضباط والقوى الذين كانوا يخشونهم فيما لو قامت “الوحدة” بين مصر عبد الناصر والشام. فأعدّت “حكومة السرّاج” في دمشق مؤامرةً لاغتيال العقيد البعثي المعارض للوحدة، عدنان المالكي، الذي تقرّر اغتياله أثناء مباراة لكرة القدم بين فريقي الشام ومصر في نيسان من العام 1955. فأحضروا الرقيب القومي الاجتماعي الرفيق يونس عبد الرحيم، وأجلسوه خلف العقيد المالكي في تلك المباراة ليقتلوه مباشرة بعد تنفيذ اغتيال المالكي، ويتمّ اتهام الحزب السوري القومي الاجتماعي بالمؤامرة، وهكذا يكون دعاة الوحدة الشامية المصرية قد تخلّصوا من عدوّهم الأول العقيد المالكي، ويكون الأداة – يونس عبد الرحيم – حجّتَهم لتصفية الحزب السوري القومي الاجتماعي، خاصة، الرئيس جورج عبد المسيح الذي كان العقبة، سواء بوجه إرادة الأميركان في ضمّ الحزب إلى حلف بغداد، أو بوجه الوحدة التي أرادوها دون معارضة.
لقد جرّب الأميركان بواسطة موفدهم إلى الرئيس جورج عبد المسيح، إقناعه يوم كان رئيسًا للحزب، بالانضمام إلى مشروع أيزنهاور، وحلف بغداد الذي كان مبادرةً أميركية لمحاصرة الشيوعية، والقضاء على الشيوعيين في كلّ المشرق. وكان الموفد من الولايات المتحدة إلى رئيس الحزب، يرى في الحزب عدوًّا للشيوعيين وعقيدتهم الأنترنسيونية اللاقومية. وقد اجتمع الموفد بجورج عبد المسيح، وطلب منه رسميًّا انضمام الحزب إلى الحلف، وتأييد مشروع أيزنهاور، لكن رئيس الحزب رفض رفضًا قاطعًا لسبب أنّ الشيوعيين في بلادنا هم مواطنون لنا، لا نقاتلهم بالسلاح، ولا نرفع بوجههم إلا سلاح الفكر والعقيدة، أما من دبّر هذا اللقاء بين الوسيط الأميركي، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، فكان رجلًا تعرفه جيدًا، إنّه الدكتور هشام شرابي الذي كان قد غادر البلاد إلى الولايات المتحدة في اليوم التالي لحادث حرق مطبعة الحزب في الجمّيزة في حزيران من العام 1949 على يد الكتائب اللبنانية، ومن خلفهم رياض الصلح، لأنّه كان يأمل أن تنتهي الحادثة بمقتل أنطون سعاده الذي كان موجودًا في المطبعة المنوي حرقها.
رفضُ عبد المسيح، دفع الأميركان إلى العمل للتخلّص منه. وتحويل الحزب نحو الاتّجاه الذي كانوا يرسمونه له، وجرى التخطيط للاغتيال، ولتصفية الحزب، وملاحقة وسجن الأعضاء فيه، في السفارة الأميركية في بغداد، وقد طلبت زوجة السفير الأميركي من العقيد المالكي قبل أسبوع من عملية الاغتيال التنبّه والحذر مما يخطّط له، والسفير المصري في دمشق محمود رياض لم ينتبه أن يكتم معلوماته أمام الرفيقة التي كانت تدرّس أولاده، فباح بما يثبت دوره. تمّت العملية كما خطّط لها، وتخلّص السرّاج من الحزب، ومن العقيد العقبة بوجه مشروعه الوحدوي، أما الرفيق جورج عبد المسيح، فاستطاع الدخول إلى لبنان ولكنه بقي متواريًا بسبب استمرار مطاردته ومطاردة كل المسؤولين الحزبيّين الذين كانوا من رأيه فيما يتعلّق بشأن العلاقة مع الأميركان. اغتيل عميد الدفاع في الحزب المقدّم غسان جديد على يد مخابرات السرّاج في بيروت، أما الذين كانوا ينتظرون فرصتهم، من “القوميين”، لركوب موجة السياسة الأميركية والاستفادة من الفرصة الدولية المتاحة، فقد طلبوا الرئيس المطارَد جورج عبد المسيح للمثول أمام المجلس الأعلى الذي كانوا قد صادروا عدد أعضائه إلى تسعة فقط، دون تأمين سلامته، أو حتى تأمين وسيلةٍ تقلّه إليهم، ولما لم يتمكّن من المثول أمام المجلس الأعلى، صوت خمسة من أعضائه على مشروع “طرد” الرئيس جورج عبد المسيح، ولما اعترض الأربعة الباقون، طُردوا أيضًا، وخلا الجوّ لأصحاب مشروع السير في الركب الأميركي. وكان الأميركان في خدمتهم، فأمّنوا لهم استئجار مركز، وزوّدوهم بالمال اللازم لشراء “الأمناء” لتكوين تنظيم جديد، خالٍ من عبد المسيح، و”جماعته” في المجلس الأعلى.
من يومها، انفصل تاريخ “الحزب” إلى تاريخين، تاريخ المركز المستحدَث، وتاريخ “الانتفاضة” التي استمرّت، وانضمّ إليها بعد ستة شهور جورج عبد المسيح.
هذا المركز المستحدَث، هو ما يسميه الدكتور أبو خليل، بالحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحاسبه اليوم على الأخطاء التي ساقها في إطار تقييمه لتجربة الحزب. هذا هو الحزب الذي سار خلف كميل شمعون والحلف الهاشمي، حلف بغداد، والذي قاتل إلى جانبه في أحداث 1958 والذي قام بالمحاولة الانقلابية بعد خروجه صفر اليدين من “مولد” أحداث 1958 دون حبّة حمص. وهذا هو الحزب الذي تطعّم بالماركسية تعسّفًا، وهذا هو الحزب الذي اعترف بنهائية الكيان اللبناني بعد أن أعاد الخطيئة نفسها بدخوله أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، وليس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي استمرّ تحت اسم “الانتفاضة” وحافظ على الخطّ الذي انتهجه أنطون سعاده.
لكن مهلا: ما علاقة “الشوفينية” بموقف “المركز” المستحدّث في أحداث العام 1958؟ نعلم أنّ الشوفينية تعني مبدأ كره الأجانب، فهل هناك علاقة بين هذا الموقف، والشوفينية؟ لا يصحّ أن نصف موقف الذين ساروا في ركاب الأميركان بالشوفينية، أقترح أن يفتّش الدكتور أبو خليل عن توصيفٍ يكون أكثر انطباقًا على واقع الحال. ونحبّ أيضًا أن نوفّر عليه عناء إدانة هؤلاء لأنّهم عادوا وأدانوا موقفهم هذا في مؤتمر ملكارت بعد خروجهم من سجون الشهابية.
نهائية الكيان اللبناني
كلّنا نعلم الظروف السياسية والأمنية، والدولية التي أدّت إلى نشوء كيان لم يكن موجودًا من قبل، اسمه الكيان اللبناني، بعد أحداث 1860 المأساوية، وكانت المتصرفية قد أنشئت عام 1864 بإرادة دولية كانت مضمونة من الدول الكبرى في ذلك التاريخ. ألغى جمال باشا التركي السفّاح هذه المتصرفية عام 1917، وبعد ذلك خسر الأتراك الحرب أمام الحلفاء الفرنسيين والإنكليز والجيش الذي كان الشريف حسين قد أعدّه، وفي العام 1920، وإثر مطالبة بعض اللبنانيين، مدعومين من البطريرك الماروني الحويك، نتيجةً للإجحاف الذي كان قد حلّ بالمسيحيين أيام السلطنة العثمانية، منح الجنرال الفرنسي غورو لبنان الاستقلال عام 1920 بعد أن ضمّ إليه الأقضية الأربعة: الجنوب والبقاع وطرابلس وبيروت التي كانت تتبع ولاية دمشق.
الزعيم يذكر لنا في كتيّب المبادئ، أنّ الكيان اللبناني نشأ نتيجةً لظروفٍ كانت محقّة في أوانها، لكنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي أوجد المناخ الذي لم يعد فيه من مبرّر لانعزال اللبنانيين في كيانٍ مستقلّ، وقال إنّ الحزب لم ينشأ لغاية إزالة الكيان اللبناني، بل لإزالة الظروف التي أوجبت وجود كيان لبناني مستقل. هذه رسالة للقلقين من المسيحيين اللبنانيين تشي بأنّ الحزب يتفهّم الظروف التي ألزمتهم بطلب كيان سياسي، وكذلك يقدّم الضمانة فيما لو انتشرت القومية الاجتماعية فيه، مع أنّها تقول إنّ الأمّة واحدة في لبنان والشام والعراق والأردن الكويت، وفلسطين وقبرص.. هاجم الحزب بعنفٍ المفكرين الذين كانوا يجهدون لتركيب مبرّراتٍ تاريخية واجتماعية، وحتى بيئية لهذا الكيان، لأنّهم يخالفون قواعد العلم والمنطق في تبريراتهم اللاعلمية، التي يرى أنّها تشكّل خطرًا على اللبنانيين والكيان اللبناني، لأنّ من شأنها أن تخلق هوّةً مصطنعة بين لبنان ومحيطه الطبيعي. هكذا يرى الحزب مصلحة لبنان في التواصل والتكامل مع محيطه وليس في الانعزال. طيلة الفترة الفاصلة بين تأسيس الحزب بتطلّعاته التوحيدية، واستقلال الكيان اللبناني عام 1943، كان الحزب ينشط لتغيير ذهنية الانعزال، حتى أنّه شارك في معركة الاستقلال، والشهيد الوحيد الذي سقط فيها كان قوميًّا اجتماعيًّا.
لكنّ الحزب بقي متّهمًا من قبل الذين دافع عن استقلالهم، بأنّه يسعى لتذويب لبنان في وحدة لم يتكلّم سعاده عنها مطلقًا. كان سعاده يميّز بين وحدة الأمّة – وهذا شأن اجتماعي علمي – وبين الوحدة السياسية في دولة واحدة، لأنّه كان يعتبر أنّ الدولة هي المظهر السياسي الحقوقي للأمّة، وليست شأنًا اجتماعيًا، وأكثر من ذلك، يذكر سعاده أنّ في الأمّة الواحدة يمكن أن يكون هناك دولة واحدة أو عدة دول. لكنّ الذين يخلطون بين الأمّة والدولة فهموا الأمر على سوية عقولهم غير العلمية. فحاربوا الحزب لسببٍ غير حقيقي هو تهمة تذويب لبنان في محيطه الطبيعي – وما زالوا-.
بعد عودة سعاده من مغتربه القسري، ونظرًا لأنّ الحكومة اللبنانية كانت قد حاولت منع سعاده من العودة عن طريق منع جواز السفر عنه، أصدرت بعد يوم واحد من عودته (عاد في 2 آذار 1947) مذكّرةً باعتقاله، بحجّة أنّه عاد يريد القضاء على الكيان اللبناني لمجرّد إيمانه بالقومية السورية. (يذكر بالمناسبة أنّ قيادة الحزب التي كان لديها مشروع الانحراف باتّجاه اللبننة، أرسلت وفدًا لملاقاة الزعيم العائد – ظاهرًا -، ولإقناعه بالعدول عن العودة إلى الوطن في الحقيقة) وكلّنا نعرف أنّ الحكومة اللبنانية لم تستطع القبض على أنطون سعاده. بعد ستة أشهر من صدور المذكّرة، ومحاولات الاعتقال، اقترح الوسطاء على أنطون سعاده أن يذهب إلى أقرب مخفر للدرك ويوقّع وثيقة تنكر نيّته تذويب الكيان اللبناني، وتعتبر الحكومة اللبنانية تلك الخطوة “تسليمًا” لسعاده نفسه للسلطات اللبنانية. فكان أن ذهب إلى مخفر ودوّن عبارة تقول “إنّ الكيان اللبناني هو وقفٌ على إرادة اللبنانيين” فألغت الحكومة اللبنانية مذكّرة القبض عليه. وللمتبصّر، يبدو من هذه العبارة أنّ سعاده لم يعترف بنهائية الكيان اللبناني، بل أرجع لإرادة اللبنانيين أن تقرّر ذلك.
نعود إلى ذكر من كانوا يسعون إلى “لبننة” الحزب، وإلى مساعيهم في لعب دور في سياسة الكيان، ولو على حساب الحزب نفسه، ومن كانوا وما زالوا يوالون المصلحة السياسية على المعتقد العلمي للحزب، ونظرته في الاجتماع البشري، فكان اعترافهم بنهائية الكيان من أجل حجز موقع لهم في السلطة – لا يحسدون عليه – مخالفًا لعقيدة الحزب ولإقرار سعاده الذي ذكرناه للتوّ. وطوال مدة وجودهم في المجلس النيابي اللبناني، وفي الحكومة اللبنانية منذ زمن كميل شمعون، وبعد اتّفاق الطائف، لم يصدر أي موقف عنهم ينسجم مع عقيدة الحزب أو برامجه السياسية واهتماماته، بل على العكس، فإنهم صوّتوا زمن كميل شمعون بالإيجاب على مشروع أيزنهاور الذي كان يقول فيما يقوله إنّ “إسرائيل وُجدت لتبقى”. وفي زمن ما بعد اتّفاق الطائف، خالفوا عقيدة سعاده عندما اعترفوا بنهائية الكيان اللبناني دون أي اعتبار لحقيقة أنّ كيانات ودولًا كثيرة قامت في التاريخ ثم زالت، وأن ليس هناك من شيء اسمه كيان سياسي نهائي. فهل يلام الحزب السوري القومي الاجتماعي على موقفٍ لا علمي ولا عقلاني مخالفٍ لعقيدته، أم نلوم الجهة المنتحلة، الفئة السياسية الوصولية التي تجاهلت ما يُفترض أن تبشّر به؟
نحن نقترح على الدكتور أبو خليل مقارنة طلب الترخيص المقدّم إلى وزير الداخلية المرحوم كمال جنبلاط في حينه، من قبل هذه الفئة، والطلب المقدّم إلى الوزير نفسه من “جماعة عبد المسيح” كما يسمّوننا للوقوف على مدى قرب كلّ جهةٍ من عقيدة الحزب، عندها ستظهر الفضيحة الأكبر.
علاقة الحزب بالنظام “السوري” [الشامي]
الحزب الذي كان باتّجاه الأميركان عام 1957 والذي دافع عن ألاعيب كميل شمعون عام 1958، والذي جرّب الانقلاب عام 1961 وفشل، وقضت قيادته قرابة تسعة أعوام في سجون المكتب الثاني، واستشهد العديد من الرفقاء ممّن قضوا تحت التعذيب (البعض يقول إنّ عددهم بلغ 36 رفيقًا) في تلك السجون، وأثناء فترة السجن، شهد ظهور أمر خطير هو النكسة التي حلّت بالعالم العربي في حزيران 1967 والمسؤولة عنها سياسة العنتريات الفارغة في مصر والشام. لكنّ الخطير أيضًا، هو أنّ هذه النكسة أفرزت أيضًا المقاومة الفلسطينية التي أثّر قيامها على كافة الكيانات السياسية في الأمّة والعالم العربي. غيّرت المقاومة الفلسطينية الكثير من المعادلات في السياسة. لذلك كان أمرًا بدهيًا، لحزبٍ يقول بأنّ وجود الأمّة كلها مهدّد، أن يناقش مسألة المقاومة ووجوب تأييدها ودعمها في مهمّتها استعادة الحقوق المغتصبة، والأرض إن أمكنها ذلك. لقد فرض وجود المقاومة الفلسطينية واقعًا جديدًا لم يستطع الأردن تحمّله، فقمعها، وتمّ ترحيل جيش التحرير الفلسطيني إلى جنوب لبنان بعد أيلول الأسود. وجاء اتّفاق القاهرة ليؤمّن حرية حركة هذه المقاومة في الجنوب اللبناني الذي بات يُعرف باسم فتح لاند. أما الشام، بحكوماتها المتعاقبة، فكانت دائمًا تحاول الإمساك بالورقة الفلسطينية سواء ذهبت إلى التفاوض، أو إلى القتال المسلح. لكنّ اتفاقيات وقف إطلاق النار التي وقعت بين الكيان الاغتصابي والشام ومصر، لم تترك للكفاح الفلسطيني المسلّح مجالًا للعمل إلا في لبنان.
كان لا بدّ للتنظيم الذي وقف إلى جانب كميل شمعون والذي كان في سجون المكتب الثاني أثناء فترة التحوّلات هذه، من أخذ موقفٍ من الأحداث. فأعلن وهو في السجن، نقل البندقية إلى الكتف اليسار، خاصة بعد فشله في إيجاد موطئ قدمٍ له في المعادلة اللبنانية والإقليمية من خلال المحاولة الانقلابية. وجاء الإفراج عن عناصره في نهاية الستينات ليسمح لهم بحرية العمل إلى جانب المقاومة الفلسطينية.
لكنّ المقاومة الفلسطينية لم تكن من الوجهة العقائدية ذات منحى فكري واحد، بل كانت ذات اتّجاهين بارزين، أوّلهما الاتّجاه القومي العربي المتمثّل بياسر عرفات، وثانيهما الاتّجاه الماركسي المتمثّل بجورج حبش ونايف حواتمة. انسحبت هذه الازدواجية الفكرية على الحلفاء الجدد، “الحزب القومي” الخارج من السجن. فكان عبدالله سعادة رائد الاتّجاه القومي العربي، وإنعام رعد رائد الاتّجاه المتمركس. ويخطئ من يعتقد أنّ هذا الاختلاف كان ضمنيًا، بل ظهر إلى العلن في انقسام هذه الفئة إلى حزبين تزعّم عبدالله سعادة فريقًا، وإنعام رعد والمجلس الأعلى الفريق الثاني. أدّى هذا الانقسام إلى صداماتٍ مسلّحة سقط نتيجتها بعض الشهداء. أما التزوير، تزوير عقيدة الحزب وأقوال سعاده وإرثه، فحدّث ولا حرج، إذ بلغ مبلغًا فاضحًا خاصة في محاضرة عبدالله سعادة في الجامعة الأميركية، وكتابات إنعام رعد الذي جهد أن يبرهن أن الحزب يؤمن بنظريات الصراع الطبقي، بل حدًّا مضحكًا – وشرّ البلية ما يضحك – وصرنا أمام صورتين لأنطون سعاده ابتعدتا عن ملامح الزعيم الذي عرفته الأمّة عام 1932. بلغت انحرافات عبدالله سعادة ومن كان معه حدّ التحالف مع معمر القذافي المموّل المالي لتلك “الغطسة” الرهيبة، وبلغت انحرافات إنعام رعد حدّ التحالف مع الاشتراكية الدولية، والذي كان شيمون بيريز نائبًا لرئيسها.
ترك عبدالله سعادة مذكراته، وكذلك إنعام رعد لكن من لم ينسَ أنطون سعاده في كلّ تلك “الهمروجة” كان جورج عبد المسيح الذي اتّهمه الاثنان الباقيان بالـ”تحجّر”، تهمة باطنها اتّهام لسعاده نفسه.
اندلعت الحرب اللبنانية نتيجة تلك الظروف، وهاتان الفئتان في ذروة الانقسام، وكان استمرارها لسبعة عشر عامًا متواصلًا أن جعل الحزب موضع تجاذب بين ياسر عرفات والماركسيين.
لا ننسى أن نذكر الاستشهاديين السوريين القوميين الاجتماعيين الذين وضعوا العدوّ الإسرائيلي هدفًا لهم في قتال مشرّف أنقذ شرف الحزب، وزوّد الفريقين برصيدٍ كانا قد خسراه في الانخراط في الصراع الداخلي في الحرب اللبنانية، فهؤلاء خارج كلّ نقدٍ أو تقييم.
بانتهاء المرحلة الثانية من الحرب اللبنانية، كان دخول الجيش الشامي (ولو كان بإرادة دولية) موضع رفض من قبل الرعديين، وموضع ترحيب من قبل العبدلاويين. فندّد به الرعديون المتمركسون، لأنّه أفسد عليهم فرصة الاستفادة السياسية. وسعت المخابرات الشامية والمكلّف بالملفّ اللبناني في الحكومة الشامية عبد الحليم خدّام للتوفيق بين الجهتين، في سعيه للإمساك بكافة الأوراق اللبنانية، فأعلنت “الوحدة” بين الفريقين عام 1978 وما لبثت أن عادت إلى التفسّخ والانحلال في بداية الثمانينات.
تواصل الحزب المسمّى بـ”جماعة عبد المسيح” الذي كان يرفض دائمًا، حمل السلاح ضدّ أحدٍ في الداخل، فزار السيد عبد الحليم خدام في وزارة الخارجية في دمشق بناءً على موعد مسبق. خدّام ظنّ أنّ هذا الحزب هو كباقي الأحزاب اللبنانية يهدف إلى الاستفادة المادية، فعرض على الوفد الحزبي المبالغ المالية. استاء الوفد من عرض خدّام، وأبلغه أعضاؤه أنّ ما يهمّهم هو الفرصة التاريخية التي يمثّلها وجود الجيش الشامي في لبنان فيما لو أجاد التصرّف بالحكمة في الحرب اللبنانية وإنهاء التقاتل وإبطال مفاعيل سايكس – بيكو، ليخرج هذا الوفد من اجتماعه بخدّام، ويجد أنّ كافة إطارات السيارات التي أقلّتهم إلى دمشق كانت مثقوبة عمدًا، وقد احتاج الوفد إلى قضاء فترة طويلة من ذلك النهار لإعادة إصلاح ما “ثقبه” عبد الحليم خدّام. لذلك، لا يمكن إدانة الحزب بمجمله بالشام، ولا مديحه لمجرّد أنّ فئة منه “ندّدت بالغزو”، أو استزلمت له، كما لا يمكنك الثناء على من “طعّم” الحزب بالماركسية للوصول إلى غاية في نفسه. كلّ ذلك، أذابته عودة السلام إلى لبنان وعاد كلٌّ إلى حجمه فكوفئ الرابحون، وعوقب المراهنون على محالفة الاشتراكية الدولية، واستبعد “العبدمسيحيون” لأنّهم ما تاجروا لا بالدم ولا بإيمانهم بعقيدة سعاده.
يبقى أن نشير إلى قولكم إنّ القذافي “لا يندرج في الأمّة السورية”، فنكرّر القول إنّ الأمّة شأن اجتماعي علمي بحت، والدول والحكام شأن سياسي والأشخاص زائلون بحكم نواميس الحياة. لكن يجب لفتكم إلى أنّ للحزب السوري القومي الاجتماعي القائل بالقومية السورية، رسالةً إلى عالمه العربي. فكون القذافي ابن ليبيا التي هي خارج حدود الوطن السوري، لا يعفي القوميين الاجتماعيين من أداء واجبهم تجاه العالم العربي، فقد سبق للحزب أن أنشأ فرقة قومية مقاتلة بقيادة الأمين عجاج المهتار للدفاع عن مرفأ بنزرت التونسي بوجه المستعمر الفرنسي، وهو سيكون حاضرًا لأداء الرسالة داخل الوطن، وفي العالم العربي.
عند هذا الحد، نكون قد ناقشنا مسائل الاعتراف بنهائية الكيان اللبناني، والتنديد بـ”الغزو” الشامي، وتطرّقنا إلى “التحالف” مع القذافي، واتّهام الحزب بالشوفينية زورًا لأنّه وقف مع حلف بغداد. وحبّذا لو كان العنوان اتّهامًا بالانحراف السياسي. وألمحنا إلى تحوّل الحزب نحو اليسارية و”التقدّمية” بمجرد أنّ مزوّرًا وصوليًا اجتزأ ما يناسب خطّته من فكر وتراث سعاده مهملًا كلّ شأن آخر، وأشرنا إلى ادّعاء “خصوم الحزب” بـ”عبادة الشخصية”، المزعومة لأنّهم لا يعرفون الفارق بين الشخص الذي سيزول يومًا، والزعامة – المؤسسة الحزبية المرتبطة بقَسَمٍ محدد كجانبين لعقد بين صاحب الدعوة، والمقبلين عليها. ويبدو من كلامك يا دكتور أبو خليل، ومع أنّك نسبت صفة “عبادة الشخصية” إلى خصوم الحزب، عدت لتتبنّاها أنت عندما قلت إنّ الحزب، وبرغم من العبادة الشخصية كان أقرب إلى القيادة الجماعية، وإذا كان كلامك هذا مديحًا للقيادة وللحزب، فإنّنا نلفت انتباهك إلى أنّ هذه القيادة جماعية في الانحراف، إما باتّجاه القومية العربية، أو باتّجاه الاشتراكية الدولية، لأنّنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي نعتبر ذلك نقيصة لا فضيلة. لم يظهر من بين الفئتين المنحرفتين من هو “شبعان من حليب أمه” ليقول للمنحرف أنت منحرف. المؤسسات كانت شريكةً في الانحراف، وكلاهما ابتعدتا عن المؤسسات التي أرادها سعاده.
تبقى أمامنا مسألتان على جانب كبير من الأهمية، أوّلهما قولكم إنّ الحزب لم يعاقب الشهابية على الوحشية التي عاملت بها الانقلابيين في السجن، لكنّه عاقب رياض الصلح وبشير الجميل، ولم يثأر لمجزرة حلبا. وثانيهما أنّ عداء الحزب لليهودية لا ينسجم مع علمانية الحزب. لا أعلم إذا كنت مطّلعًا على كلّ كتابات سعاده، أم أنّك اكتفيت بنشوء الأمم والمحاضرات العشر لأنّهما من اختصاص يعنيك.
هل تذكر يا دكتور أبو خليل ما قلناه بشأن مسألة الثأر عند العرب، وأنّ سعاده يشير إلى كونها مأخذًا له على ثقافة العرب الصحراويين إلى جانب مسائل أخرى كوضع المرأة عندهم. وهل تعلم أنّه في تعاليم عقيدتنا أنّ الثأر بالقتل أو بالاغتيال ليس من شيمنا نحن القوميين الاجتماعيين؟ ذلك لأنّه وهم بالغلبة، وليس عقوبة أو واجبًا بنظرنا. لذلك رفض عبد المسيح عندما كان رئيسًا للحزب التآمر مع الأميركان ضد شيوعيي بلادنا، لأنّنا لم ولا نفقد الأمل بتغيير اتّجاههم نحو نهضة الأمّة أو تحويلهم إلى مناضلين قوميين. أليس هذا أفضل من الثأر؟. لم يثأر الحزب من بشارة الخوري الذي وقّع مرسوم إعدام سعاده، ولا من مجيد أرسلان المتآمر معهم. ثأر من رياض الصلح ليس لأنّه كان صاحب مشروع الاغتيال لسعاده. لقد هُدّد سعاده بالتصفية أكثر من مرة وهو في سجون الدولة اللبنانية، وكان جواب سعاده دائمًا أنّ حياته الشخصية تساوي فقشة أصبع طالما أنّ نور النهضة القومية الاجتماعية قد شعّ في كلّ الأمّة. كان رياض الصلح هدف القوميين لأنّه كان عميلًا لليهود، وكان يقبض مخصّصات من آل رتشيلد في باريس منذ العام 1920 ولا أدري إذا كان قد وقع بين يديك كتاب عدوّ عدوي للكاتبة اليهودية لورا زيترين آيزنبرغ التي اطّلعت على وثائق الوكالة اليهودية قبل أن تصدر هذا الكتاب. إنّها تتحدّث في فقرة خاصة عن عمالة رياض الصلح للوكالة اليهودية، وعمالة آخرين كخير الدين الأحدب و”الست” نظيرة جنبلاط.. كذلك لا أعلم إذا كنت على دراية بقصة العميل كامل الحسين الجاسوس الذي قُتل في قرية الغجر اللبنانية عام 1949على يد الملازم في الجيش الشامي أكرم طبارة، وكان حسني الزعيم قد أرسله من أجل الحصول على حصّته من الأموال التي كان كامل الحسين ينقلها من الوكالة اليهودية لرياض الصلح ومجيد أرسلان. رياض الصلح قُتل على يد القوميين ليس انتقامًا لسعاده بل لأنّه عميل لليهود. حسني الزعيم قُتل على يد القوميين ليس انتقامًا لسعاده، بل لأنّه كان عميلًا لليهود، والأميركان، هو ومحسن البرازي رئيس وزرائه. أمّا مجيد أرسلان فيكفي أن نقول إنّه لم يقتل على يد القوميين لأنّ “الضرب أغلى من الطريدة”. وبشارة الخوري لم يُقتل على يد القوميين لأنّه نُمي إلى القوميين أنّه وقّع مرسوم الإعدام لسعاده بعد أن نفّذ حكم الإعدام، أي في اليوم التالي. وينسحب فعل الخيانة على بشير الجميل لأنّ بشيرًا كان عميلًا أتانا من قلب المعارك في الحرب اللبنانية على ظهر الدبابة الإسرائيلية.
هناك الكثيرون ممن غدروا بالحزب وببعض الرفقاء، سواء من المكتب الثاني، أو من تكفيريي حلبا، ولكنّ الحزب لم ينتقم منهم لأنهم ليسوا عملاء لليهود. ويبدو الانتقام في حالتهم ضعفًا وجبانة لا يُقدم عليها الرفقاء القوميون، حتى ولو كانوا في التنظيم المنحرف عن العقيدة.
أمّا المسألة الثانية التي نختم بها هذا الحوار معك، فهي مسألة العداء لليهود.
إنّ مثقفًا من وزنك يا دكتور أبو خليل لا بدّ وأن يكون دارسًا للعقيدة الدينية اليهودية، وللحركة الصهيونية، وللاختصار، وبدون اللجوء إلى الشواهد الكتابية، نقول إنّ اليهودية كدين، تنطوي على مشروع إبادة جماعية لكلّ شعبنا، مشرعنة ومقدّسة، لديهم وفي العالم الذي يصدق أنّ توراتهم هي محتوى التوراة والتلمود تفسيرًا من “الربانيين” لها.
دعوتنا لك أن تراجع التوراة والعقيدة الصهيونية التي هي ترجمة عملية للتوراة والتلمود، فستجد أنّ الصهيونية كعقيدة سياسية هي أرحم علينا من التوراة “المقدّسة”. فإذا كانت الصهيونية تهدف إلى إقامة دولة يهودية، فإنّ التوراة التي تسمّي شعوب الأرض باسم “غوييم” أو عجماوات هي مصدر الخطر الحقيقي. علينا أن نضع إصبعنا على مكان الوجع ونقول للأعور “أعور بعينك”، لا أن نتصرّف كما يُروى عن النعامة التي تدفن رأسها في الرمل إن شاهدت الصياد، ظنًّا منها أنّ الصياد لن يراها.
أنطون سعاده تكلّم عن “محق الدولة المصطنعة” وليس عن إبادة اليهود. اليهودي الذي يعيش خارج الأراضي المحتلة والذي لا يعمل لـ”كنسنا” من بلاد آبائنا وأجدادنا لا شأن لنا به ولا موجب لعدائه. ذلك طالما أنّه لا يترجم إيمانه التوراتي إلى عضوية في دولة الاغتصاب. نحن لا نقول بوجوب إبادة اليهود، بل نقول بوجوب تفكيك الدولة المصطنعة ووجوب عودة اليهود من حيث أتوا.
الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس مسؤولًا عن العدائية اليهودية لنا ولباقي الجنس البشري. هم فقط المسؤولون عن نتائج الإيمان بهكذا عقيدة دينية. ويتحمّلون تبعاته لأنّهم يمارسونه فعلًا اغتصابيًا إلغائيًا منذ اللحظة التي دخلوا فيها إلى أرضنا القومية.
الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس مسؤولًا عن احتقار اليهود للجنس البشري، وليس في عقيدتنا ولا في أدبيّاتنا ما يشجعنا على اعتبار خلق الله عجماوات وحيوانات خلقها يهوه لخدمة اليهود كعبيد. هم يقولون عن أنفسهم إنّهم “شعب الله المختار” وليس نحن.
حضرة الدكتور أسعد أبو خليل لك منا كل المحبة والتقدير. وإلى اللقاء في رحاب الفكر الباني.
في 27 آذار 2017
عمدة الإذاعةشاركها
What Lebanese daily Al Akhbar has to do with Max Blumenthal?
Lebanon has a dozen dailies for barely 4 million people. People who cannot afford to buy a daily even for less than $1.5, and barely read anything. Most of the dailies are selling for $75 cents and there are no takers.
Issuing a daily is a very expensive enterprise, in a country lacking public electricity and potable water…How these dailies cover their expenses?
Obviously, not from ads…Lebanon has a dozen banks and their subsidiaries of other businesses, and nothing else to display any kinds of ads that might generate sales or profits…
The dailies in Lebanon are directly funded by the oil-rich Saudi Arabia and Gulf Emirates, the US and the western States secret services…Particular stories and editorials are essentially paid for by the absolute monarchies and the superpowers having vested interest in keeping the pseudo State of Lebanon in a state of social and political destabilization…
The daily Al Akhbar is less than three years old, and funded mainly by Iran and Syria, just to exhibit another version of the stories and editorials.
Max Blumenthal wrote on June 20, under ” The right to resist is universal: A farewell to Al Akhbar and Assad’s apologists” (with slight editing):
“When I joined the fledgling Al Akhbar English website last fall, I was excited to contribute my writing on the Israel-Palestine situation and US foreign policy to a paper that I considered one of the most courageous publications in the Arab world.
At the time, the Syrian uprising had just begun, and apparently, so had the debates inside Al Akhbar, which reflected the discussions within the wider Lebanese Left.
Almost a year later, the results of the debate have become clear on the pages of the paper, where despite the presence of a few dissident voices, the apologia for Assad and his crimes has reached unbearable levels.
I learned of a major exodus of key staffers at Al Akhbar caused at least in part by disagreements with the newspaper leadership’s pro-Assad tendency.
The revelation helps explain why Al Akhbar English now prominently features the propaganda of Amal Saad Ghorayeb and the quasi-analysis of Sharmine Narwani, alongside editor-in-chief Ibrahim al-Amin’s friendly advice for Bashar Assad…
Ibrahim al-Amin’s is attempting to depict Bashar as an earnest reformer overwhelmed by events…
I considered responding on my blog to some of the more outlandish ravings published at Al Akhbar, but eventually decided my energy would be better spent on covering the topics I knew best — and which I could discuss with the authority of journalistic experience.
Ghorayeb’s daftest work to date: an attack on Arab Third Wayers (supporters of the anti-imperialist, anti-authoritarian political tendency) in which she asserted that “the real litmus of Arab intellectuals’ and activists’ commitment to the Palestinian cause is no longer their support for Palestinian rights, but rather, their support for the Assad leadership’s struggle against the imperialist-Zionist-Arab moderate axis’ onslaught against it.”
Ghorayeb’s rant, condemned by As’ad Abu Khalil (see link on note 2) as an “outrage,” was of a piece with the Syrian regime’s long record of exploiting the Palestinian struggle to advance its self-interests.
For me, it was the final straw.
I was forced to conclude that, unless I was prepared to spend endless stores of energy jousting with Assad apologists, I was merely providing them cover by keeping my name and reputation associated with Al Akhbar.
More importantly, I decided that if I kept quiet any longer, I would be betraying my principles and those of the people who have encouraged and inspired me over the years. There is simply no excuse for me to remain involved for another day with such a morally compromised outlet.
I can not disagree with anyone who claims that the United States and the Saudi royals aim to ratchet up their regional influence on the backs of the shabby Syrian National Council while Israel cheers on the sidelines.
Though it is far from certain whether these forces will realize a fraction of their goals, it is imperative to reject the foreign designs on Syria and Lebanon, just as authentic Syrian dissidents like Michel Kilo have done.
Yet the mere existence of Western meddling does not automatically make Assad a subaltern anti-imperial hero at the helm of a “frontline resisting state,” as Ghorayeb has sought to paint him. Nor does it offer any legitimate grounds for nickel-and-dime civilian casualty counts, blaming the victims of his regime, or hyping the Muslim Threat Factor to delegitimize the internal opposition.
Bashar Assad will be remembered as an authoritarian tyrant whose regime represented little more than the interests of a rich neoliberal business class and a fascistic security apparatus.
Those who have thrown their intellectual weight behind his campaign of brutality have cast the sincerity of their commitment to popular struggle and anti-imperial resistance into serious doubt.
By denying the Syrian people the right to revolution while supporting the Palestinian struggle, they are no less hypocritical than the Zionists who cynically celebrate the Syrian uprising while seeking to crush any iteration of Palestinian resistance. In my opinion, the right to resist tyranny is indivisible and universal. It can be denied to no one.
Throughout the past weeks, as my sense of anguish mounted, I have thought about the bravery of the Lebanese leftists who fought beside the Palestinian fedayeen at Sidon in 1976, halting the US-approved Syrian invasion of Lebanon, which Hafez al-Assad had designed in part to break the back of the Palestinian national cause.
And I recalled stories of the Lebanese activists who broke through the Syrian army’s blockade of Tal al Zataar to provide food and supplies to the Palestinian refugees defending their camp against imminent destruction (see note).
The long history of sacrifice and courage by the Lebanese and Syrian people in support of the Palestinian struggle — and in defiance of self-interested autocrats — crystallizes an important fact that should not have to be repeated: Palestine will never be free as long as the Arab world lives under the control of dictators.
At Al Akhbar English, Ghorayeb has attempted to advance the opposite argument: that supporting Assad regime is synonymous with support for the Palestinian struggle, and possibly more important. This is what prompted her to falsely claim that “Syrian officials do not meet with their Israeli counterparts,” ignoring the fact that Syrian and Israeli officials dined together at a 2007 commemoration for the Madrid peace talks, and that the Syrians offered the Israelis negotiations over the Golan Heights “without preconditions,” a position the regime maintained until as late as December 2009.
Outside of negotiations with Israel, it is unclear what concrete steps Syria’s government was willing to take to regain the Golan.
In the same column in which she praised the Assad regime for blocking Syrian access to Israeli websites, and for refusing to give interviews to Israeli reporters, she cited an Israeli professor and an article in the right-of-center Israeli news site, the Times of Israel, to support her points. Apparently the Syrian people must do as Assad says, but not as his apologists in Beirut do.
Besides exploiting the Palestinian cause, the Assad apologists have eagerly played the Al Qaeda card to stoke fears of an Islamic takeover of Syria.
Back in 2003, Assad accused the US of deliberately overestimating the strength of Al Qaeda in order to justify its so-called war on terror. Assad had said: “I cannot believe that bin Laden is the person able to outmaneuver the entire world. Is there really an entity called Al Qaeda? It was in Afghanistan, but is it there anymore?”
But now, in a transparent bid for sympathy from the outside world, Assad insists that the Syrian armed opposition is controlled almost entirely by Al Qaeda-like jihadists who have come from abroad to place the country under Islamic control.
In his address to the Syrian People’s Assembly on June 3, the dictator tried to hammer the theme home by using the term “terrorists” or “terrorism” a whopping 43 times. That is a full ten times more than George W. Bush during his speech to Congress in the immediate aftermath of 9/11.
Echoing Assad, Ghorayeb has referred to the Syrian army’s pornographically violent crackdowns on what by all accounts is still a mostly homegrown resistance as “the regime’s war against the foreign sponsored terrorists and insurrectionists,” calling for “a security solution to root [them] out.”
At the Al Akhbar’s Arabic site, Jean Aziz predicted a complete Salafi takeover of Syria if Assad falls. Meanwhile, Ibrahim al Amin claimed that the Syrian opposition “cop[ied] the modus operandi which was devised by the leadership of al-Qaeda,” then uncritically quoted an unnamed regime source who insisted that “a hardline majority of the armed groups have come to be led by non-Syrians.”
Similarly, Narwani asserted that a shadowy 5000-man ultra-Islamist militia has been operating inside the city of Homs with “plans to declare an Islamic Caliphate in Syria” — Creeping Shariah! She based her remarkable assertion on a single conversation with an anonymous journalist.
In joining the Assad regime’s campaign to delegitimize the Syrian opposition by casting it as a bunch of irrational jihadis, Assad’s apologists have unwittingly adopted the “war on terror” lexicon introduced by George W. Bush, Ariel Sharon, and the neocon cabal after 9-11.
Not only have they invoked the scary specter of The Terrorists to justify morally indefensible acts of violent repression, like pro-Israel hasbarists, they have resorted to rhetorical sophistry to dismiss the regime’s atrocities as necessary evils, unfortunate accidents (what al-Amin called “mistakes”), or fabrications of the regime’s opponents.
I wonder, as I do with Zionist fanatics, if there is any limit to the carnage Assad’s apologists will tolerate in the name of the greater cause.
In the true spirit of the Israeli occupation, which refused to allow reporters into Gaza to document the horrors of Operation Cast Lead, and which has stripped journalists of their press credentials as punishment for their perceived “anti-Israel bias,” Narwani spent several thousand words breathlessly complaining about “Western journalists” who “head straight for the Syrian activist, the anti-regime demonstration, the man with the gun in a ‘hot spot.’”
Narawani’s justifications for keeping the foreign press corps away from the scene of Assad’s crimes were disturbingly similar to those of Danny Seaman, the Israeli Government Press Office director during Cast Lead, who said, “Any journalist who enters Gaza becomes a fig leaf and front for the Hamas terror organization, and I see no reason why we should help that.”
Narwani attempted to spin the regime’s artillery assault on the neighborhood of Baba Amr. Her analysis immediately reminded me of US military propaganda following the attack on the Iraqi city of Fallujah, a “shake-and-bake” artillery assault that included the firing of white phosphorous shells on a city center in order to, as Ghorayeb might have said, “root out” the terrorists.
Narwani wrote: “While the dominant narrative in the international media assumed an unprovoked army attack on a civilian population in Homs neighborhood, there remains little evidence to back this scenario, particularly after information emerged that the neighborhood was an armed opposition stronghold, most of the population had vacated the neighborhood in advance, and reports of activists exaggerating violence trickled out.”
Like the neocon chickenhawks who cheered on America’s invasion of Iraq from the offices of Washington’s American Enterprise Institute, none of Assad’s apologists appear to have done any journalistic fieldwork to support their opinions.
Ghorayeb and Narwani seem to have confined themselves to Beirut, where Ghorayeb consults the writings of V.I. Lenin and Paulo Freire to back up her hallucinatory portrayal of Assad as a subaltern freedom fighter, while Narwani cobbles together a scatter shot of YouTube clips and hearsay from journalists she hangs out with to justify the regime’s very own “war on terror.”
Al-Amin’s sourcing is even more dubious. In a column about supposed armed infiltration from Lebanon to Syria, for example, he cited “records of investigations with those detained for transporting and smuggling weapons and explosives…”
Perhaps al-Amin could clarify his cryptic language. In particular, he might explain whether he was referring to notes of interrogations of imprisoned opposition members that he received from regime sources. If so, can he confirm that these interrogations did not involve torture?
My issues with Al Akhbar are not limited to its opinion section.
A profile originally published at Al Akhbar’s Arabic site (later translated into English) of Bassel Shehadeh, the video journalist killed inside Homs, did not even bother to note that he was killed by the Syrian army — “bullets” were said to be the cause of his death. And it was the only coverage I could find about his death in the paper, which has too often presented events in Syria in curiously vague terms, especially when they concern the regime’s misdeeds.
According to a close friend of Shehadeh who was also covering the opposition in Homs and across Syria, “Bassel was an essential part of the Homs revolution. He was close to the leadership of the Homs resistance, and he lived on the front lines.”
Before he decided to return to Syria to support the uprising, Shehadeh was a Fulbright scholar studying at Syracuse University’s fine arts program. He put his studies on hold to train activists inside the besieged city of Homs, believing all along that his history of good luck in the midst of danger would somehow protect him from death.
As a Christian who fiercely rejected sectarianism, Shehadeh’s very presence shook the Syrian regime. After he was killed, the army shelled the Christian neighborhood of Hamidyeh to prevent his funeral, then a gang of shabbiha attacked a memorial service for him in Damascus that would have presented a rare display of Christian-Sunni solidarity. It was this sense of solidarity that appeared to threaten the regime the most. As Shehadeh’s mother reportedly said, “They feared him in life, and they feared him in death.”
A few years ago, while visiting the offices of the Nation Magazine, a publication I frequently write for, I reflected on what it might have been like to be working there during the 1930’s when its editorial leadership supported Stalin and willfully ignored his crimes.
What were the internal debates like, I wondered, and how would I have reacted? The past few weeks at Al Akhbar have brought those questions back into my thoughts, and they are no longer hypothetical. The paper’s opinion pages have become a playpen for dictator enablers, but unlike the 1930’s-era Nation Magazine, there is less excuse for their apologia.
Indeed, given the easy accessibility of online media produced by Syrian activists and journalists, there is no way for Assad’s apologists to claim they did not know about the regime’s crimes.
At this point, I have no excuse either. I am no longer a contributor to Al Akhbar. It is time to move on.” End of quote
May I assume that Max Blumenthal waited until the Zionist State government of Israel decided that Bashar of Syria has to go to desist participating in the discussions in the Lebanese daily Al Akhbar?
Note: In the summer of 1976, Syrian and Christian militias surrounded and blockaded the Palestinian Tal al Zataar refugee camp in order to “ethnically cleanse foreigners” from East Beirut. Hundreds of children died of hunger and thirst and when the camp surrendered after a month of total blockade, about two thousands residents were massacred in front of correspondents.
On July 13, 1976, the residents of Tal al Zataar camp, had dispatched an open letter to the World:
“Syrian weapons are being used – most unfortunately – against our camp, while the rulers of Damascus continue to repeat that they are here in Lebanon in order to defend our camp. This is a murderous lie, a lie which pains us more than anyone else…
But we wish to inform you that we will fight in defense of this camp with our bare hands if all our ammunition is spent and all our weapons are gone, and that we will tighten our belts so that hunger will not kill us. For we have taken a decision not to surrender and we shall not surrender…”
Apparently, the world was restricted to the US and the US administration was totally oblivious to crimes against humanity, as it is today, but forced to bow down under the strong beam projected by new audio-visual technologies available to people to editing and sending instant pictures and videos on social platforms