Hypathia: This Egyptian/Byzantium Renaissance genius from Alexandria, astronomer, Scientist, philosopher of the 5th century
I have posted an article on my blog a few years ago on the story of Hypathia, the mathematician, mechanical engineer, astronomer and philosopher.
Her father was the philosopher and astronomer Thion who watched the moon eclipse in 365 and wrote a book
Amine Rihani stumbled on an English book of of 1720 describing this renaissance genius woman, who remained single, and was an accomplished scientist, astronomer and philosopher by the age of 20 and taught at Alexandria university: ” The history of this great woman in her knowledge, high value system, rhetoric, and beauty was assassinated by order of the “Patriarch” Kirillos (the new minority Coptic christian sect) and her body cut to pieces” and then burned.
This assassination was done in 410 (at age 60) during the Egyptian Emperor Theodosius II. This period witnessed the emergence of a minority Christian extremist sect (mainly in Alexandria) amid a vast majority of idol worshipers.
The newly officially recognized Christians were ferociously divided on many dogmas such as on adoring the Virgin Mary and the unity of Jesus (spiritual or physical). The sects founded by Nestorius and Arius…
While these “christian” sects were viciously fighting it out and excommunicating one another over abstract concepts. the scientists in Alexandria were enhancing human knowledge.
At its apogee of Alexandria renaissance period in the 4th century, Eratosthenes discovered that earth is round, and measured its circumference before Copernicus and Galileo. Hiro discovered the steam engine before James Watts, and Tizibus invented the water watch
مكرم غصوب posted on FB an article by Amin Rihani (Ri7ani) published in 1904 in the USA. ·
أمين الريحاني وهباسيا
هباسيا مهد العلم الحديث (من كتاب وجوه شرقية غربية لأمين الريحاني)
ألْقِي الرواية جانبًا سيدتي، فأقصَّ عليكِ قصَّة حقيقية محورها المرأة والعلم، وقُطرها الظلم والتعصب، تعالي معي أُحدِّثْكِ ماشيًا فتفهمي كلامي ماشيةً. إنَّا الآن لفي حي الأعيان من المدينة، وها قصر الملك أمامنا، وبالقُربِ منه المتحف الشهير الذي بناه أحد الملوك الفاتحين، وفي هذا المتحف دار العلوم التي يُؤمُّها الطلبة من كل حدَبٍ وصوبٍ، من كلِّ الشَّرق يأتون ومن الغرب، من الجنوب ومن الشمال؛ ليتلقوا العلم والفلسفة من امرأةٍ عالِمةٍ حكيمةٍ.
أقفُ بكِ، سيدتي، أمام هذه الكلية العظيمة، كلية لا شرقية هي ولا غربية، أقفُ بكِ أمام هذا المعهد القديم — وهو مهد العلوم الحديثة — الذي شيَّده الأمراء، وخلَّد ذِكره المؤرخون والشعراء. ما أبهى هذه الرواقات وقد غصَّت بالطلبة من كلِّ أجناس الناس والطبقات! وما أعظم هذه المكتبة وفيها ما يربو على الأربعمائة ألف مجلَّد! ولكنها — وا أسفاه — ستُوزَّع على الحمامات بعد حين، ولا يُعصى العلم على ابن العاص، ولا الأربعمائة ألف مجلد تقوى على كتاب واحد. إن لله في خلقه وفي كُتبه شئونًا.
نعم، سيدتي، نحن في سراديب التاريخ، فلا يَهولنَّك ما وراءنا وما أمامنا من الظلمات، على أني أقف بكِ موقف النور لنذرف دمعة على العلم وعلى إحدى نسائه العاملات.
ليست المكتبة أعظم ما في المتحف، بل هناك دوائر أخرى سترينها: هذا المرصد الفلكي الذي يُبعد الإنسان من الخرافات ويُقرِّبُهُ من الله، وهذا المعمل الكيماوي حيث المَلِك نفسه كان يشتغل بضع ساعات في النهار باحثًا عن إكسير الحياة، وهذه دار التشريح، ولا أظنُّكِ تُحبِّين أن تدخليها، وقد تتعوذين إذا أخبرتكِ أنَّ الأطباء فيها يُشرِّحون الأحياء أيضًا ممن حُكِمَ عليهم بالإعدام؛ ابتغاء التَّوصُّل إلى الحقائق الطبيَّة الرَّاهنة. لا تتكرهي سيدتي؛ فقتل المجرمين خيرٌ من قتل الأبرياء.
تعالي فأُريكِ جنينة الحيوانات وبستان النباتات؛ حيث الطلبة يتعلمون من الأمثال الحيَّة عِلمَي النبات والحيوان، ولا تظنِّي أنَّ التعليم في هذا المعهد العظيم ينحصرُ في العلوم الطبيعية فقط، بل يتناولُ أيضًا العلوم العقلية والرُّوحية؛ فإنَّ هذا المعهد — لكمثل معاهد العلم كلها — إنما هو مهد الحقائق والأضاليل معًا. ورُبَّ حقيقة تُشعل الأوهام نورها، ورُبَّ أوهام — كبعض الأطيار — تبيضُ بيوضها في عُشِّ الحقائق؛ فقد نبغ في هذا المعهد العلمي المتشرعون واللاهوتيون والأطباء والفلاسفة والعلماء.
لا، يا سيدتي، ليست كلية أُكسفرد هذه ولا معهد الصُربن، لسنا الآن في لندرا أو في باريس، إِنما نحن في المدينة التي وُلِدَ فيها العلم الطبيعي واللاهوت المسيحي تحت سقفٍ واحد، فتخاصما وتنازعا طويلًا، وكان من شأنهما في قديم الزمان ما كان، إنَّما نحن في قاعدة البلاد المصرية، في باريس الزمان القديم، في الإسكندرية على عهد الرومان، والمتحف الذي وَصفتُ فروعه العلمية هو الذي شيَّده بطليموس سوتر، وابنه فيلادلفس، وكان المليكان يدرسان ويعملان فيه كبقيَّة الطلبة والعلماء.
المؤرخون متفقون في أنَّ كلية الإسكندرية هذه كانت في زمانها أعظم معهد للعلم في العالم. كيف لا ومِن مرصدها رُصِدت النجوم والكواكب التي استنار بها فيما بعد علماء أوروبا الفلكيُّون؟! كيف لا وفيها وُضِعَت فلسفة أرسطاطليس الاستقرائية موضع العمل، وكان من ثِمارها أنَّ معهد بطليموس هذا أضحى مهد العلوم الحديثة؟! ومَنْ مِنْ عُلَماء اليوم يُنكِرُ فضل أرخيميدس في الرياضيات؟
ومَنْ لا يذكر بطليموس وآبولونيوس وهباركوس في علم الفلك؟
ومَنْ لا يعرف إقليدس ومبادئه في الهندسة التي يتعلمها الطلبة في المدارس حتى اليوم؟ وقد لا تعلمين سيدتي أن أراتوستينس — وهو من علماء هذا المعهد أيضًا — قاس الأرض قبل عُلَماء الخليفة المأمون، واكتشف شكلها الكروي قبل كبرنكوس وغاليلو، وأن هيرو اخترع آلة بخارية قبل جان وطس الإنكليزي، وأن تيزيبوس أوَّل من اخترع ساعة مائية، وأن يوليوس القيصر بعث يطلب من هذا المعهد الإسكندري سوسيجينوس الفلكي ليُصلح له الرُّوزنامة الرومانية على الحساب الشمسي؛ فالمعهد الذي ينبغ فيه مثل هؤلاء العلماء العاملين — لا شكَّ — عظيمٌ، وأعظمُ منه من كانوا يُلقون فيه الدروس العالية.
الفيلسوفة العذراء
ومن هؤلاء سيدتي: الفيلسوف ثيون الذي درس الرياضيات في القرن الرابع «ب.م»، وراقَبَ كُسوفًا سنة ٣٦٥، وألَّف في الفلك والطبعيات تآليف دُرِّست كلها، ولكن أعظم تآليف ثيون وأعماله: ابنته البارعة هباسيا.
وُلِدَت هذه الفتاة في الإسكندرية، وقرأت العلوم على أبيها، وكان لها ميلٌ خاصٌّ في الرياضيات والميكانيكيات، وقبل أن وقفت حياتها على العلم والتعليم سافرت إلى أثينا، وتلقَّت هُناك الشريعة والفلسفة، ورافعت في المحاكم، ونشأت نشأة عجيبة دلَّت على مقدرةٍ عقليَّةٍ فيها تُضاهي مقدرة أعظم الرجال. ولمَّا تُوفِّي أبوها كانت قد تمكَّنت من العلوم، وبرهنت في مواقف عديدةٍ على تضلُّعها ورسوخها في الرياضيات والفلسفة؛ فرُقِّيَت في العشرين من عمرها — وهي عذراء — إلى منصبه، وظلَّت تُعلِّم في المتحف الإسكندري أربعين سنة، فهاج أخيرًا عليها هائج الجهل والتعصُّب فقتلها شرَّ قتلةٍ، كما ستعلمين.
هباسيا زينة نساء الإسكندرية في تلك الأيام، ورئيسة الفلسفة الأفلاطونية، وصديقة الأُمراء المحبِّين للعلم والعلماء، ومُرشدة الحكَّام، وعدوَّة التعصُّب والخرافة. كلنا نسمعُ بالملكة كليوباترا الدَّاهية الفاسقة، ولكن من منَّا يسمع بهباسيا العالِمة العفيفة العذراء؟ في المتحف الذي وصفتُهُ كانت تُلقي دُرُوسها على الألوف من الطَّلبة وفيهم الأعيان والأغنياء واللاهوتيون. في ذاك المتحف كانت تُعلِّم — بأفصح لسانٍ وأجلى بيانٍ — فلسفة أفلاطون الجديدة التي تُدعَى في تاريخ الفلسفة «نيو بلاطونيزم»، في ذاك المتحف الذي شيَّده بطليموس رفيق الإسكندر، أنارت هباسيا أنوارًا أطفَأَها الجهل والتعصُّب، فظلَّت بعدئذٍ أوروبا تَعمَهُ في الظلمات أحد عشر قرنًا.
وقد كانت هذه الوثنية الفاضلة رائعة الجمال، فصيحة اللسان، شديدة العارضة، سديدة الرأي، سريعة الخاطر، شريفة الشمائل والخِصال — وإنَّ آباء الكنيسة أنفسهم ليعترفون لها بذلك — على أنَّها كانت تُتعب فكرها عبثًا في مسائل قد تَشغل الفلاسفة بعد ألفي سنة من اليوم كما أشغلتهم منذ ألفين مضت: من أين الحياة؟ وإلى أين؟ فإنَّ هباسيا، سيدتي — أمدَّ الله بحياتكِ وأنارها — كانت تُحاوِلُ حلَّ هذا اللغز القديم العظيم: ما هو العقل؟ وما هو العلم؟ وما هو الله؟
في مثل هذه المواضيع الخطيرة كانت الفيلسوفة العذراء تُلقي دروسها وخُطبها، والحقيقة أنَّ فلسفة الإسكندرية في أيام هباسيا وقبلها إنَّما هي مزيجٌ من فلسفات اليونان كلها؛ كفلسفة المشائين والرواقيين والكلبيين وغيرهم.
ومن تلاميذ هباسيا الذين حازوا شُهرة في زمانهم: سينيسيوس أسقف عكَّا، وقد بعثَ هذا الأب الفاضل برسائل عديدة إلى ابنة ثيون البارعة، فيها ثناء جميل عليها، واعتراف بفضلها وجميلها عليه — ولم تزل هذه الرسائل محفوظة — وفي إحداها يستشيرُ المراسِلُ أستاذته في عمل الإسطرلاب، دليلُ أنَّها كانت تميلُ إلى علمي الفلك والميكانيكيات أكثر من سواهما. وقد ألَّفت كتابًا وشرحت كُتب آبولونيوس في هذه المواضيع.
ولكن عمرو بن العاص الذي جاء الإسكندرية بعدئذٍ لم يرَ فيها وفي الألوف مثلها كبير فائدة، فوزَّعها على الحمَّامات لتُسَخَّن على نارها المياه — برَّد الله مثواه!
قد شهد المؤرخون لهباسيا الوثنية بالعِفَّةِ والنزاهة، كما شهدوا لها بالفضل والعلم والحكمة، وهم مُتَّفِقُون في أنَّها عاشت وماتت عذراء. وأمَّا ما قاله سويدس في أنها اقترنت بالفيلسوف أزيدوروس فلا صحَّة له، وقد قيل: إنَّه محضُ اختلاقٍ وافتراءٍ. والنمَّامون منذ البدء كثيرون؛
فالأسقف سينيسيوس أوَّل من اعترف بفضلها وعلمها، وعندما تَعرَّف بها، وأخذ يحضر محاضراتها كانت أضحت في الأربعين من عمرها، وكانت قد قضت في المتحف عشرين سنة تخطب وتُعلِّم، وظلَّت الصداقة بين الفيلسوفة الوثنية والأسقف المسيحي نقيَّة الأسباب، وثيقة العُرى، فلا هباسيا اعتنقت الدين المسيحي، ولا سينيسيوس خلع ثوبه الكهنوتي.
على أنِّي قرأتُ في أثرٍ لأحدِ آباء الكنيسة أنَّ أسقف عكا لم يقتبل قواعد الدين المسيحي، ولم يعترف بعقائده كلها، فهل في ذلك دليلٌ على أرجحية الفلسفة في كفَّةِ ميزانه؟ الله أعلم!
أما في سلوكها ولبسها ومعيشتها، فقد كانت آية البساطة والجمال.
وإنِّي لأتخيَّلُها واقفة أمام تلاميذها بثيابِهَا البيضاء المهلهلة، وقد عقصت بشريطة من الحرير شعرها، وسدلت على كتفها ذيل ردائها، وفي رِجلها العارية نعلٌ يوناني بسيط، فلا قُبَّعة تُثقِلُ رأسها، ولا مِشدَّ يُضعِف رئتيها وقلبها، ولا كعبَ عاليًا يُضرُّ بعمودها الشَّوكي وبمجموع أعصابها؛ آية في البساطة والبراعة والجمال.
وحبَّذا لو عادت نساء اليوم، سيدتي، إلى الزِّيِّ اليوناني القديم البسيط، خمس أذرع من القماش الكتَّان الرقيق خيرٌ من عشرين ذراعًا من الحرير الثقيل المخيط على آخر «مُودَة»؛ فلا تُثقلي وتشدِّدِي جسمكِ سيدتي كما لو كان جسم عدوتك، ناهيكِ بأمر الاقتصاد والتوفير، على أنَّنا لسنا الآن في موضوع الأزياء والاقتصاد.
لنعُد إِذن إلى هباسيا؛ فقد وصلنا إلى ما يُثيرُ الأحزان من أمرها، فإنَّ هذه العالِمة الحكيمة، التي كان يُكرِمها الإسكندريون الرَّاقون، ويستفتيها العلماء العاملون، ويستشيرها في أمور السياسةِ الحكامُ، لم تنجُ من كُره المتعصبين من المسيحيين؛ فبعد أن خدمت العلم والفلسفة أربعين سنة خدمات جليلة، ماتت موت الشهداء على أفظع طريقة وأنكرها، كما ستعلمين.
البطريرك كيرللوس
لم تكُن الإسكندرية في ذاك الزمن مهد العلوم المادية فقط، بل كانت عُشَّ الكلام أيضًا والسفسطة؛ وبينا كان نستوروس وكيرللوس يتنازعان في عقيدة عبادة العذراء، وأثاناثيوس وآريوس يتناقشان في عقيدة المشيئة الواحدة والمشيئتين، كان علماء الإسكندرية يشتغلون هادئين باكتشافاتهم واختراعاتهم. ومن آباء الكنيسة الذين اشتهروا بالفصاحة والعلم، والتعصُّب والدهاء، والمُعاندة والمُكابرة:
كيرللوس، الذي كان بطريرك الإسكندرية على زمن هباسيا، فبينا هي كانت تُلقِي دروسها في العلوم والفلسفة على الألوف من الطلبة، كان كيرللوس يُثيرُ من على منبره خواطر النَّصارى على اليهود، ولما ارتقى إلى المنصة البطريركية في الإسكندرية كانت هباسيا في أوجِ شُهرتها، وقد تجاوزت الخمسين من عمرها، ومنذ ذاك الحين إلى أن قُتِلَت لم يَطِبْ للبطريرك عيشٌ، ولم يَسُغْ له شراب. وإنَّ أمره في التعصُّب والحقد والاستبداد مشهورٌ لدى المؤرخين؛
فحينما ذهب إلى أفسس ليُناقش نستوروس في عقيدة العذراء استصحب زُمرة من رعاع الإسكندرية، حتى إذا ضاقت به أبواب الجدل هاجهم على عدوه، وعندما تبوَّأ كرسي السيادة طرد اليهود من الإسكندرية، وبعث بعسكر على معابدهم وبيوتهم فنهبوها ودمَّرُوها، وارتكبوا من الفظائع فيها ما تقشعر لهوله الأبدان.
ولا يخفى عليكِ، سيدتي، أنَّ البطريرك في تلك الأيام كانت له قوة الحاكم المدني، فإن فرقة من الجنود كانت دائمًا موقوفة لخدمته لتنفيذِ أوامره، على أنَّ مُحافظ البلد أورستيس لم يستطع صبرًا وسكوتًا على هذه الفظائع التي ارتكبها كيرللوس باسم الدين، فناهضه برهة — وكانت هباسيا في هذا الخصام نصيرة المُحافظ، بل نصيرة الحق — واستمرَّ هذا النزاع إلى أن حدث الحادث الهائل الذي أودى بحياة ابنة ثيون العالِمة الجميلة.
ولا تظُنِّي، سيدتي، أنَّ هذا هو السبب الوحيد الذي أثار خاطر كيرللوس على هباسيا، فإنَّ رأس الخلاف بينهما لأبعدُ من هذا. أجل، إنَّما هو نزاعٌ بين العلم والخرافة، بين التعصب والفلسفة، بين الحرية والاستبداد، بل هو نزاع بين عذراء وثنية أقامت على فضائل الدِّين المسيحي دُون أن تعتنقه، وبين بطريرك استخدم الدِّين واسطة لإشفاء غليله ونَيل مآربه، وفاز بذلك فوزًا مبينًا، حتى إنَّ المحافظ أورستيس أشفق على منصبه وحياته من تعصُّب البطريرك وتغيُّظه، ولكن ذنب المحافظ ذنب سياسي فقط، وذنب هباسيا سياسي علمي ديني؛ لذلك اختارها كيرللوس هدفًا لحقده وغضبه. وسأنقل إليكِ حادثة قتلها كما رواها واتَّفَقَ في روايتها المؤرِّخون.
عندما كانت هباسيا عائدة في عربتها من المتحف الملكي قاصدة بيتها، تصدَّى لها جمهورٌ من رعاع المسيحيين وفيهم الرُّهبان، وفي مُقدمتهم بطرس الشَّمَّاس الذي كانت له في الجريمة المُنكَرة اليد الطولى، فأسقطوها من العربة، وجرُّوها إلى السيزاريوم — وقد كانت في ذاك الزمان كنيسة للنصارى — ونزعوا عنها كلَّ ثيابها، ومزَّقوا جسدها تمزيقًا بصدف المحار — وقيل بشقف من القرميد والفَخَّار — ثم قطَّعوها إِربًا إربًا،
وذهبوا بها إلى خارج المدينة وحرقوها هناك. وكان ذلك في آذار سنة ٤١٥، في عهد الملك تيودوسيوس الثاني. فقدَّس كيرللوس في صباح اليوم التالي على عادته، وأكل جسد الرَّب، ولكنه لم يستطع أن يقول ما قاله بيلاطوس قبله بأربعة قرون: «أنا بريءٌ من دم هذا الصديق.»
لا، فإنَّ البطريرك مسئول عن قتل هباسيا على هذه الطريقة الفظيعة الشنعاء، وقد يتطرَّف المؤرخون ويعتدلون — بحسب نزعاتهم السياسية وصبغاتهم الدينية — ولكن ما من واحدٍ منهم يرتابُ في أنَّ البطريرك كيرللوس هو العامل الخفي على قتل هباسيا.
وقد قال ثيودزوت — وهو من آباء الكنيسة المشهورين: إن لكيرللوس يدًا خفيَّة في هذه الجريمة.
وقال أحد المؤرخين المعتدلين: إن لم تُقتل هباسيا بأمرٍ صريحٍ واضحٍ من البطريرك، فقد قُتِلت بعلمه وإرادته.
وقد أدهشني عنوان طويل لكتابٍ، طُبِعَ في إنكلترا سنة ١٧٢٠، في هذا الموضوع، قال المؤلف: إن هذا «تاريخ امرأة عظيمة في علمها وفضلها وفصاحتها وأخلاقها وجمالها، قتلها إكليروس الإسكندرية ومزَّقُوها إربًا إربًا إكرامًا لخاطر بطريركهم الذي يُدعى بلا استحقاق القديس كيرللوس»
.
وفي قتلها أُقفِل باب المتحف العظيم الذي شيَّده رفيق الإسكندر، في قتلها كانت نهاية العلم والفلسفة في المغرب، في قتلها تمَّ للتعصُّبِ النَّصر على الحريَّة والتهذيب، فأُقفِلَ باب النور الذي فتحه بطليموس في الإسكندرية — كما أقفله بوستنيانوس في أثينا، فكان سميليسيوس آخر الفلاسفة في بلاد اليونان — وكانت هباسيا خاتمة الفلاسفة في بلاد مِصر. ومنذُ هاتين الحادثتين المُنكَرتين تبتدئ ما يُدعى في التاريخ «العصور المظلمة»، وتستمرُّ في أوروبا أحد عشر قرنًا.
هذي هي سيرة هباسيا «العظيمة في علمها وفضلها وجمالها»، بل هذه قصة النزاع بين الدين والفلسفة في ذلك الزمان. ومهما قيل في البطريرك كيرللوس، فمن المقرَّرِ، سيدتي، أنَّ الرجل الذي يعمل ما عمله في اليهود، الرجل الذي يُهيج رِعاعه على نستوروس في مجمع أفسس، الرجل الذي يستخدم القوة العسكرية لإثبات عقيدة لاهوتية وتعزيزها، لا يتردَّدُ في أمر امرأةٍ عملت على هدم صروح الخُرافة والأوهام، فقولي إذن: رَحِم الله أمثال كيرللوس من البطاركة، وجعل أمثال هباسيا من المقرَّبين المُكرَمين.